الأهلي.. أهلي وأهلك

كتب- محمد العولقي

يجبرك النادي الأهلي المصري في زمننا المكور على الاقتراب من مدينته الفاضلة حد الالتصاق، ففي وضع عربي رياضي مقرف لم يعد لنا سوى الهجرة إلى مدينة الأهلي، حيث شلالات الأفراح والليالي الملاح لا تتوقف ولا تهجر هذا النادي الكبير الذي يظل كريما معنا في هدايا أعياده ونيساناته التي لا تنتهي ..

إذا كنت تعاني من أزمة ضمير، أو خلل في الأمانة، أو نزيف في المسؤولية، فليس لك إلا الأهلي، يحدد الداء ويوصف الدواء، وعندما يعانق أنطونيو الأهلي كليوباترا أفريقيا ويدخلها هودج الزفة في ليلة عرس حمراء تسر الناظرين، فكأنه ينهي جفافنا مع حظنا العاثر ويمسح الكآبة عن وجوه عربية تعتليها غبرة وترهقها قترة.. بالنسبة للعبد لله .. كلما ألمت بي محنة كروية في زمن الانكسارات العربية كرويا، كلما يممت وجهي شطر النادي الأهلي، فعندما تفتش في ماضيه التليد والعريق يشرئب عنقك عزة وكرامة ، وكلما تمعن في حاضره المذهل والمشرق تشعر أنك أمام كيان قومي عربي يمثلك ويحتوي أحلامك، ينتابك إحساس وطن بأن الأهلي أهلي وأهلك وبيت الوطن العربي من أبعد نقطة في الماء إلى أبعد نقطة في الجبل والصحراء، ليس لك إلا أن تعشق الأهلي تحبه وتسكنه قفصك الصدري بغض النظر عن انتمائك أو لونك ..

عانق الأهلي لؤلؤته الأفريقية التاسعة عناقا حارا، فقد تحقق المراد من رب العباد في ظل تداعيات سنة كبيسة وموسم كروي صعب مر بعدة منعطفات خطيرة، غير أن الأهلي امتص تلك التداعيات وروضها بخبرة وحكمة من يشعل شمعة في هذه السنة الكبيسة ولا يلعن الظلام.. فعلها الأهلي على بساط الجدارة والاستحقاق، فاز بلقب القارة السمراء، لأن أرقامه ارتدت الكعب العالي، ولأنه الفريق الوحيد الذي أدمن تعاطي الانتصارات وبمطر من الأهداف ذات الجودة العالية، ولو لم تنصف أفريقيا فارسها الشطرنجي في الليلة الكبيرة لكانت من الظالمين..

في تقديري أن فوز الأهلي بلقبه التاسع قاريا أنصف العمل الإداري الكبير الذي يؤديه في صمت مجلس إدارة الكابتن محمود الخطيب، وهذا النجم الأسطوري ذائع الصيت تحديدا تعرض لحملات تشكيك من فرسان الرغي والكلام الفارغ، وكان محاصرا بضغوط ليس لها أول ولا آخر، لكن رده كان مزلزلا في الميدان، وأخيرا ضحك في الليلة الكبيرة كثيرا، تاركا موشحات الندابة للمفسبكين وجهلة الإنترنت..

من مصلحة الكرة الأفريقية والعربية أن الأهلي بالذات سيمثلها في بطولة كأس العالم للأندية في قطر مطلع فبراير القادم، كما أنه من مصلحة الفيفا تواجد الأهلي في البطولة العالمية باعتباره صاحب شعبية جماهيرية جارفة وقوة كروية عظمى لا تقل شأنا عن بايرن ميونيخ الألماني مثلا..
يبدو الأهلي على عتبة موسم استثنائي غير مسبوق قاريا ومحليا، فبعد أن التهم مائدة الدوري المصري بشراهة نسور جائعة، ها قد تغدى بدوري أبطال أفريقيا على مائدة غريمه الزمالك ، ويستعد حاليا ليتعشى بطلائع الجيش في وليمة نهائي كأس مصر..

وفي ظل تراث كروي أحمر يحبس الأنفاس تقديرا وإعجابا بملك أفريقيا والشرق الأوسط، لا لوم على الإعلام الأهلاوي عندما يتفنن في تأكيد حبه وعشقه وهيامه بنادي الملايين، فمن لا يرفع القبعة لهذا الكيان العملاق الذي يطعمنا فرحا ويسقينا مرحا في عز انكساراتنا الكروية لا يفهم حقيقة أن من بنى مصر كان في الأصل أهلاوي، ولهذا مصر تبدو في حضرة ملك أفريقيا حمراء من قمة رأسها حتى إخمص قدميها..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكرا شكرا من القلب
    مقال اكثر من رائع
    باسم جمهور الاهلي نشكرك علي اللغة الجميلة والكلمات العظيمة في حق نادينا الكبير
    تحياتي لأهلي لليمن ولحضرتك الكاتب الكبير
    ويبقي الاهلي فخرا للعرب ❤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى