كرة القدم العمانية.. والولاء لـ”الهرم المقلوب”

تقرير- المر الهاشمي

(1)

إن ما يدعو للكتابة مرارا وتكرارا عن الفئات السنية في كرة القدم العمانية، وأهمية وجود أكاديميات وكوادر مؤهلة بالأندية العمانية، هي الولاء للعادة في إهمالها، والتي تعد أبرز عقبات التقدم في كرتنا العمانية.

ومن يطلع على تجارب الدول والأندية حول العالم التي تقدمت وتنشد التقدم بكرة القدم، يجد أنها تقدمت بفضل الاهتمام بالفئات السنية، فعندما نجد ناديا كبرشلونة الإسباني يخوض المنافسات بقائمة من 68% تخرجوا من مدرسته الشهيرة( لامسيا)، وعندما نعرف أن يوهان كرويف تخرج من أكاديمية(دانوكامست) العائدة للنادي الهولندي أياكس أمستردام، فهذا يدعو للاهتمام بالفئات السنية والكتابة عنها، وعند الاقتراب من منطقتنا الخليجية فإن ما ساهم في الارتقاء بمستوى كرة القدم بدولة قطر الشقيقة هو وجود أكاديمية أسباير التي تعتني بالفئات السنية، وتنتهج أفضل السبل لتطويرها وهو ما نتج عنه فوز قطر بكأس آسيا في الامارات 2019، فكان أغلب الفريق الفائز من خريجي أكاديمية(أسباير).

وعندما نجد أشقاءنا بالخليج واحدا تلو الآخر يطلقون استراتيجيات تحول في كرة القدم انطلاقا من تواجد المواهب المتميزة، “كاستراتيجية تحول كرة القدم السعودية” ووضعهم لهدف تطوير منتخب قوي يمكنه أن يصل إلى المراكز العشرين ضمن تصنيف الفيفا بحلول عام 2034، ووضع مسار لتطوير المواهب من ضمنه برنامج تطوير هيكلة الفئات السنية بالأندية وتقديم الدعم المالي والفني لها، وكذلك العمل على إنشاء نظام لتراخيص الأندية مخصص للفئات السنية مع مكافآت مالية، فكل ذلك يدعو للكتابة مرارا وتكرارا للمطالبة بضرورة أن تراجع إدارة الاتحاد العماني لكرة القدم سياساتها فيما يخص هذا القطاع ووضع فلسفة وهيكلة وإدارة مستقلة، متبوعة بمنظومة متكاملة من البرامج لتطوير الفئات السنية تلبي الطموحات والتطلعات.

إن المواهب العمانية تستحق منا ومن اتحادنا أن نقدم لهم البرامج والمنافسات التي تناسب إمكانياتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم بكرة القدم، يجب أن نجعل من كرة القدم متعة لهم ونساعدهم على ذلك، فخورخي لويس بورخيس يقول: ” ما أن يركل طفل شيئا ما في الشارع تبدأ قصة جديدة في كرة القدم” ومما جاء في كتاب (كرة القدم بين الشمس والظل) أن أطفالا كانوا عائدين من لعب كرة القدم وكانوا يغنون: ” ربحنا أم خسرنا، لن تتبدل متعتنا.. متعتنا ستبقى كما هي.. سواء ربحنا أم خسرنا”، لذلك فإن الفئات السنية ستظل الآن وغدا هي الطريق نحو التطوير، وهي القاعدة الأساسية التي يبنى عليها هرم كرة القدم وينبغي أن ترتكز عليها كرة القدم العمانية الآن ودون تأخير فلا يمكن أن يكون لنا منتخبات قوية ومنافسة ونحن نتعمد الإهمال لأهم عناصر التطوير في كرة القدم، والنتائج المتراجعة لمنتخباتنا خير شاهد على ذلك.

(2)

إن من الأخطاء التي وقعت بها كرة القدم العمانية عبر السنين باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى ومعشوقة الجماهير هي الانخداع بالنتائج المؤقتة التي تمثلت بتحقيق الفوز ببطولتين للخليج وهي بطولة غير رسمية وغير معترف بها من قبل الاتحادين الآسيوي والدولي لكرة القدم، ونتائج الفوز ببعض المباريات على المستوى العربي والآسيوي، وهذه النتائج الوقتية بين الحين والآخر هي مسكنات تصيبنا بالوهم، وتنسينا ما يجب القيام به، لذلك لم نجد تخطيطا سليما ممنهجا ورؤية مستقبلية مبنية على الواقع والإمكانيات للنهوض بكرة القدم عموما والفئات السنية خصوصا.

وفي ظل التطور والتقدم المتسارع الذي تشهده مناهج التدريب والتطوير في السنوات الأخيرة والرؤية الحديثة التي تشهدها كرة القدم تواكب تطور علوم الرياضة وبرامجها، فلازال لدينا سبات عميق حيال ذلك وكأننا نعيش في كوكب آخر ولا يبدو أن شيئا منها قد وصل إلينا، فالولاء للعادة التي ذكرتها سابقا وأكررها لازال يشكل أبرز عقبات التقدم في كرة القدم العمانية وفئاتها السنية، والتحجج دائما بقلة الإمكانيات والموارد المالية -ولا أراه كذلك-، فعندما يتم إنفاق أكثر من 200 ألف ريال عماني كرواتب بالسنوات الأربع الأخيرة على ثلاثة خبراء وبالمقابل يتم صرف الفتات على قطاع الفئات السنية فماذا نسمي ذلك؟ وبأية عقلية نفكر وماذا أضاف لنا هؤلاء الخبراء؟ وهل يتم تنفيذ توصياتهم أو توصيات اللجان المختصة؟! وهل العمانيون المتخصصون بالمجال الرياضي وكرة القدم غير قادرين على النهوض بهذا القطاع؟ وهل نستمع إليهم ونقوم بتمكينهم وتقديرهم وتقدير تخصصهم والثقة بهم؟ ولماذا نعطي الآخر ونثق به وندفع له ولا نثق بالكفاءات الوطنية المتخصصة العارفة بالواقع وبما يحتاجه القطاع من تطوير؟ إنني أجزم من معرفتي بالمتخصصين بالمجال الرياضي وبكرة القدم أنهم قادرون وهم رجال المرحلة، فالقضية برمتها قضية معرفة وإدارة للأولويات والشغف والإرادة بتغيير الحال لواقع أفضل وخصوصا بقطاع المراحل السنية.

(3)

إن دور الاتحاد العماني لكرة القدم يعد محوريا في تعديل “الهرم المقلوب “كرويا من خلال رسم فلسفة جديدة واضحة لكرة القدم وإعادة هيكلة الأولويات، وتهيئة البيئة المناسبة للتطوير، وإعادة بناء قطاع الفئات السنية، وإطلاق صندوق دعم “الفئات السنية” الذي أشرنا إليه في مقال سابق، وإنشاء الأكاديميات بالأندية وفق ضوابط علمية مدروسة، وزيادة فئات عمرية جديدة بمنافسات الفئات السنية، وتوفير المستلزمات والدعم الفني للأندية الرياضية ومساعدتها على النهوض بكرة القدم، وفق خطة مدروسة وبالتنسيق التام مع الأندية والجهات ذات العلاقة، وبالاعتماد على الكوادر العمانية المتخصصة المؤهلة والتي سيتم تأهيلها، فهل سنرى عملا مستقبلا يعمل على تعديل “الهرم المقلوب” بكرة القدم بهدف تهيئة الجيل القادم والموهوب للكرة العمانية بالشكل الأمثل، أو سنظل أوفياء لولائنا للهرم المقلوب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى