مارادونا.. والماريجوانا الأرجنتينية

 

كتب- يوسف حمدي

هناك بعض الأشياء تفقد أهميتها بالتكرار، وهناك أشياء أخرى يمكن انتقادها حال خرجت عن المألوف، ومن ثم انتقادها مرة أخرى في حال أعيدت الكرّة، ومن ثم تركها بلا قيمة في حال التكرار، نظرًا لأنها أصبحت خارج نطاق المنطق والأهمية والانتقاد وكل شيء.

بالطبع نعلم أن هناك عظماء يجب منعهم من الحديث حتى لا يفقدون قيمتهم، أو بالأحرى هناك من يظلون عظماء حتى يفتحوا أفواههم، وبالطبع أيضًا لا حاجة لتوضيح أن في هذا إشارة إلى دييجو أرماندو ماردونا، الرجل الذي بكل بساطة فعل كل شيء في كرة القدم تقريبًا حين كان لاعبًا، ولا يذكر أنه أضاف أي شيء ذا قيمة منذ لحظة اعتزاله.

في أيام كأس العالم أو قبل أيام كأس العالم أو بعد أيام كأس العالم، ثلاثة أوقات ستسمع فيها صوت مارادونا قادمًا من بيونس آيرس، تمامًا كالأب الذي يخبر ابنه بأنه كان الأول على مدرسته عندما كان في سنه..

أيضًا يحلو له مثل هذا الحديث في مواسم الامتحانات، هي حالة من التفاخر الضمني بالإنجاز، سيدور حديث مارادونا حول ألف شيء أو أكثر، ولكن في النهاية ستتمكن من تلخيص كل ما قاله في كلمة واحدة؛ كأس العالم 1986 الذي لولاه لما تحدث مارادونا نصف عدد أحاديثه تلك.

متلازمة ميسي

إذا احتجنا لذكر أن ماردونا ــ الثرثار ــ قد تحدث مئات المرات منذ اعتزاله وحتى اليوم، فلن نحتاج بكل تأكيد إلى إيضاح أن ثلاثة أرباع تلك الأحاديث تضمنت اسم ميسي بشكل أو بآخر، بالأحرى تضمنت إثباتًا ضمنيًا لمارادونا بأنه أفضل من ميسي لأنه جلب كأس العالم لبلاده..

في كل مرة تحدث فيها مارادونا حول ميسي كان يؤكد أنه يحبه، وأنه نجم المنتخب الأول حاليًا، وأن الآمال كلها معقودة عليه من أجل نجمة أرجنتينية ثالثة، ولكنه في نفس الوقت كان يحب أن يختم حديثه بأن ذلك ــ إن حدث ــ سيجعله أسطورة البلاد الثانية بالطبع، لأنه لا أحد كمارادونا ببساطة شديدة.

في هذا الصدد يمكنك إخراج الآلاف من التصريحات المتناقضة لمارادونا حول ميسي، قد يصرح اليوم بأنه سيء ثم يعود ليدافع عنه غدًا، هذا ليس تشبيهًا، وليست مبالغة أدبية من أجل تهويل الأمر، عقب كوبا أمريكا 2016 أعلن ميسي اعتزاله اللعب دوليًا..

وهنا جاءت الانتقادات الحادة من مارادونا الذي رفض هذا التصرف، رغم أنه شن هجومًا حادًا على زملاء ليو في المنتخب بعدها بأسابيع واصفًا إياهم بالسلبيين، ورأى خلال ذلك أن ميسي كان محقًا في اعتزاله لأن الحمل كان أثقل من أن يوضع على كاهليه، رُبما لم يكن هذا الحمل واضحًا إلا بعدها بأسابيع فقط.

في 2010 قرر مارادونا أثناء قيادته للأرجنتين إعطاء شارة القيادة لميسي، في منتخب ضم حينها جابرييل هاينزة وفيرون وماسكيرانو ــ القائد الأصلي ــ وتم ذلك كتكريم له في يوم ميلاده، وعلى الرغم من أنها حدثت لمباراة واحدة فقط إلا أنها كانت إشارة لكون ليو يستحق أن يكون قائدًا، وأنه لولا أن إزاحة 4 أو 5 قادة من أجله تعتبر قلة احترام لهم لقام مارادونا بفعل ذلك..

بعدها بـ 8 سنوات تذكر دييجو شيئًا في غاية الأهمية، وهو أن ميسي لا يصلح لأن يكون قائدًا لأنه يذهب إلى الحمام 20 مرة قبل المباراة، الجدير بالذكر أن عمر ميسي يوم أعطاه مارادونا شارة القيادة كان 23 عامًا فقط، بينما ميسي الذي لا يصلح للقيادة يبلغ 31 عامًا اليوم، الأرجح أن مرور السنوات سبب له متاعب في البروستاتا ليس إلا، هذا قد يكون هو التفسير الوحيد لتصريحات مارادونا تلك.

مورينيو وجوارديولا، لأول مرة

من المحتمل أن يكون ذلك قد حدث من قبل، ولكن الأكيد أنه لم يتكرر كثيرًا، لذلك لا أحد يتذكر أنه حدث إلا نادرًا، في هذه المرة قرر دييجو أنه سيجاور البرتغالي جوزيه مورينيو لمدة أسبوع في تدريبات مانشستر يونايتد ليتعلم منه، ليقرر بدوره اقتحام معركة مورينيو وجوارديولا..

ويجزم دون أن يدع مجالًا للمناقشة بأن البرتغالي أفضل بلا شك، لماذا؟ ببساطة لأنه الأفضل على الإطلاق، هكذا كانت إجابة دييجو على استفسارات الصحفيين حول هذا الأمر.

لن نتحدث حول تفضيل دييجو لمورينيو، لأن دييجو لم يتحدث حول تفضيل أحدهم لجوارديولا، بالتأكيد هذا رأيه الشخصي، ولكن تفسيره لذلك هو ما يمكن الحديث حوله، لأنه بذلك حوله من رأي شخصي إلى حُكم عام لأنه أعطاه تفسيرًا، ومع الأسف كان تفسيره سطحيًا وبعيدًا عن الواقع تمامًا كأغلب آرائه.

مارادونا رأى أن مورينيو الأفضل لأن التيكي تاكا ليست من اختراع جوارديولا، وأن طريقة اللعب هذه وضعت أساسًا على يد الراحل يوهان كرويف، وبالتالي فإن جوارديولا لم يأتِ بجديد حتى يكون الأفضل، ربما سمعت حديثًا مشابهًا من أحد المشجعين يومًا، وربما سمعت ما هو أكثر سطحية وسذاجة من ذلك..

ولكن في إطار المشجعين كل شيء مقبول، ومن المعلوم أن المشجع يتحدث بقلبه أضعاف ما يتحدث بعقله، لكن أن تسمع كلمات كتلك على لسان أحد أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ فهذه كارثة، أما في حال كان هذا اللاعب مارادونا فالأمر يصبح طبيعيًا جدًا.

بالطبع يمكنك طعن نظرية مارادونا تلك بأكثر من إجابة، فحين تخبره بأنه منذ السبعينيات توقفت الاختراعات وأصبح كل الإرث في إطار التطوير لا أكثر لن يجد ردًأ، وحين تخبره بأن مورينيو لم يخترع الكاتيناتشو ولا أي من الطرق التي لعب بها طوال مسيرته لن يجد ردًا، وحين تخبره أيضًا بأن جوارديولا لا يلعب بطريقة كرويف نفسها، ولا يلعب حتى بطريقته هو التي لعب بها منذ 10 سنوات لن يجد ردًا، ولكن كل ذلك سيتم في حال كان الشخص محل الجدال هو رجل آخر غير دييجو، أما بالنسبة لدييجو فالأمور تختلف قليلًا.

ثقافة الاعتراف بالفشل

في أي قاموس غير قاموس دييجو بالطبع يمكن الاعتراف بالفشل، بأنك دخلت مجالًا ليس لك مكانًا فيه، وبأن قرارك الفلاني كان خاطئًا، لا يمكنك أن تقضي 9 سنوات من اللاشيء ولا تقتنع بأنه عليك التراجع إلا لو كنت مارادونا، هذه معادلة تم إثباتها بدون محاولة لإثباتها حتى.

بعد 9 سنوات من الفشل كمدرب قرر مارادونا أن يقضي أسبوعًا مع مورينيو للتعلم منه، وكأنه للتو اكتشف أنه يحتاج لأن يتعلم، أو أنه للتو اقتنع أنه الآن يعمل في مجال لا علاقة له بأنه أفضل لاعب في العالم سابقًا، وصاحب معجزة يد الرب في 1986..

هو قرار قد يوحي بأن مارادونا قد تطور كمدرب، ولكنه للأسف أتى بعد أسابيع قليلة من تصريحه بأنه كان سيستبعد ميسي من تشكيل الأرجنتين حتى يلعب بالطريقة التي يريدها هو، تصريح يقتل الأمل في أي شيء بالطبع.

هي ليست محاكمة لدييجو، كل ما في الأمر أن الرجل أضحى فقيرًا جدًا، فقيرٌ لدرجة جعلت كل إنجازاته كلاعب تفشل في الدفاع عنه ضد هرائه، لن تجد من يكره دييجو اللاعب إلا قليلًا، ولكن دييجو الثرثار من الصعب أن تحبه، ومن الصعب أن تغفر له ما يقول أو ما يفعل، ما ستصل إليه فقط من ردود فعل دييجو الآن هو أن الماريجوانا الأرجنتينة لازالت بخير، هي الشيء الوحيد الذي يتعلق بدييجو ولم يفقد قيمته بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى