مانشستر سيتي- توتنهام..بين الحلم والكابوس.. والعكس

تحليل- محمد عصام

“جيش جوارديولا الأزرق والأبيض” كانت اللافتة التي رفعتها مدرجات مانشستر سيتي، حيث امتلأت المقاعد، وارتفع صخب الجمهور، في مشهد لا تراه عادة في هذا الركن من مدينة مانشستر.

لكن كيف يمكنك تفسير ما حدث؟ أن تصف الجنون، وتضع له أسباباً منطقية، ما هو الطبيعي أو المنطقي أصلاً في هذه الحكاية؟

لو كانت السنوات الأخيرة من دوري الأبطال رواية مقروءة، فقد تفنن كاتبها في تعذيب جوارديولا مراراً وتكراراً، ولكان المشاهد يتعاطف مع البطل المقهور، ويتمنى له عودة تخفف معاناته.

المدرب الذي شهد ألف قصة وألف سيناريو للإقصاء، وأحسب أن ما مر به ألقى جزءاً من هالته النفسية على لاعبيه في كل تجربة، ولا شك أن وجهه يفضح قدراً كبيراً من خيبة السقوط المتكرر لأخطاء ارتكبها، أو أحداث حلت عليه، كما قال عنه كيفين ديبروين “هو تحت الضغوطات طوال الوقت”.

مع جوارديولا سترى مهاجم الفريق الأساسي يهدر ركلة جزاء، ثم المدافع الأفضل في الفريق طوال الموسم، وبين الأفضل في العالم، يتسبب مباشرة في هدفين، ويتحمل قدراً لابأس به من الثالث، قبل أن ينسى الحارس كيفية التصدي لتسديدة تجاهه، أو تشتيت سليم لركنية تتسبب في أخرى ينتج عنها هدف حاسم.

العذاب لم يتوقف إلى هذا الحد، فهذا الهدف الحاسم مشكوك في صحته، ثم يأتي هدف في الأنفاس الأخيرة يعوّض عما سبق، قبل أن تتحول تلك النشوة إلى قهر حين يتم إلغاؤه.

لسنا بصدد سرد أعذار، ما سبق كان مقدمة وصفت ما حدث فقط، لأن ببساطة أكثر السيناريوهات الكروية رعباً أصبحت مشهداً معتاداً في دوري أبطال أوروبا، والمستديرة لم تدّعِ قط أنها تحسم فقط بأقدام اللاعبين، وفنيات التدريب فقط، وهذه البطولة تحديداً لا تعرف الرحمة.

عودة إلى أرض الواقع، فقد دخل مانشستر سيتي بخطة 4-3-3، واعتمد بيب على فتح الملعب عن طريق بيرناردو سيلفا يميناً، ورحيم سترلينج وميندي يساراً، ليطرح السؤال الأصعب على أظهرة توتنهام، إما البقاء على طرفي الملعب، ليحصل دافيد سيلفا وكيفين ديبروين على أنصاف المسافات بين الظهير والمدافع، أو الدخول للعمق، ليحصل سترلينج على حرية القطع والتسديد.

في الجانب الآخر عوّض بوكتينيو غياب نجمه هاري كين، بالدخول بخطة 4-4-2، بتواجد الثنائي سون ومورا في المقدمة، مع تمركز ديلي آلي وايريكسن بين العمق والأطراف.

سجل سترلينج أولاً، وبدت الرياح مع أصحاب الأرض، قبل أن تتحول المواجهة إلى صراع أدرينالين، ويخفت صوت التكتيك، ليخلق السيتي مشاكلهم بأيديهم، ويخطئ لابورت مرتين أمام سون، ليتقدم السبيرز بهدفين مقابل هدف، ويحتاج السيتي للتسجيل ثلاث مرات دون أن يستقبل.

عدّل بوكتينيو من خطته لينقل سون إلى اليسار، لمراقبة حملات والكر الهجومية، لكن فقدان السيطرة العام، والفيضان الهجومي من هذا الجانب كانت أقوى من قدرة تحمل الثنائي روز-سون، ليسجل بيرناردو سيلفا التعادل، ويضع ديبروين عرضية حملت سر الهدف الثالث، كل هذا في غضون واحد وعشرين دقيقة فقط.

لم تحمل الدقائق المتبقية أحداثاً سوى تبديل اضطراري من جانب توتنهام بخروج سيسوكو مصاباً، ليفقد بوكتينيو عنصراً هاماً في فريقه، مع جفاف واضح في دكة البدلاء.

بدأ الشوط الثاني برغبة أكبر من جانب السيتي، وموجات هجومية أنتجت الهدف الذي منح السيتي التقدم للمرة الأولى في مجموع المبارايتين، سجله أجويرو من نفس المنطقة، وبنفس الطريقة التي سجل منها هدفاً معروفاً باسم هدف ال”93:20″ في هذه الأرجاء.

حتى وإن حمل بيب هوس السيطرة، وكان رمزاً للمبادرة والهجوم، لكنه أدرك أن في تلك الليلة المجنونة كل شئ قابل للحدوث، لذلك دفع سريعاً بفيرناندينهو بدلاً من دافيد سيلفا، لتقوية دفاعاته قبل البحث عن التسجيل مجدداً.

التالي في هذه المواجهة ليس سوى المزيد من العشوائية، حين سجل يورينتي من ركنية هدفاً صادماً، واندفع السيتي بكل خطوطه، وحصل على ما ظنه هدف الخلاص، قبل أن يتم إلغاؤه، في تبدل سريع من سعادة لمرارة، والعكس، بين طرفي المباراة.

هل أخطأ جوارديولا في اعتماد كومباني الأبطأ بين عناصر دفاعه؟ لايمكن الجزم بذلك، لأن الأخطاء في النهاية جاءت من شريكه الأفضل نظرياً.

هل أجاد بوكتينيو التعامل مع اللقاء؟ أيضاً لا يمكن قول ذلك حين تستقبل أربعة أهداف، ويتم خلخلة دفاعك في أكثر من فرصة، مع التسجيل من استغلال أخطاء الخصوم.

مزيج بين عقدة بيب في الأبطال، وداء تراخي السيتزنز في البطولة، حيث تثقل فجأة أقدامهم، ويصبح من السهل مراوغتهم، ومن الصعب عليهم افتكاك الكرة، أو تمريرها كما يفعلون عادة بمهارة يحسدون عليها، والمرة الوحيدة التي عبروا فيها للنصف نهائي كانت حين واجهوا الطرف الآخر المصاب بنفس الداء باريس سان جيرمان.

في النهاية، كتب ماوريسيو بوكتينيو التاريخ بالوصول للمرة الأولى لهذا الدور منذ 57 عاماً، وهو أقل ما استحقه الأرجنتيني لما أضافه لهذا الفريق رغم ضعف الموارد، ليكمل مسيرة الحلم المشروع، ويضرب مواجهة ضد أياكس، الفريق الآخر الذي لم يتوقع أحداً عبوره أيضاً، ولكن هي ليالي كلاسيكيات دوري أبطال أوروبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى