مختاريان ونهائي باكو..كشف القبح خلف الأقنعة

تقرير- محمد عصام

“أذربيجان..أرض النار” استقرت هذه الكلمات على قمصان فريق أتلتيكو مدريد موسم 2013-2014، الأمر ذاته مع ناديي شيفيلد وينسداي الإنجليزي، ولينز الفرنسي.

اندرج ذلك تحت “عملية باكو”، مبادرة ثقافية بدأت عام 2008 تهدف إلى دعم اقتصاد أذربيجان، وتحديداً العاصمة باكو، عن طريق السباق في استضافة الأحداث الرياضية، الألعاب الأوروبية في 2015، وجزء من جولة الفورمولا 1 بعقد يمتد حتى 2023، وأربعة مباريات على الأقل من بطولة المنتخبات الأوروبية 2020، انتهاءاً باستضافة نهائي الدوري الأوروبي هذا الموسم.

 

سعى القائمون على المبادرة لخلق علامة تجارية مميزة للبلاد تلفت الأنظار، عن طريق زرع “النيران” في جميع شعاراتهم، وهي رمز لمعبد النار الخاص بالديانة الزرادشتية المنتشرة هناك، وهو ما ظهر بداية من الجملة المذكورة أعلاه، حتى شعار نهائي اليوروباليج، حيث ترتسم شعلة النار على اسم العاصمة الأذربيجانية.

أتت المبادرة بثمارها حيث جاءت باكو في عام 2018 بين أسرع الدول نمواً سياحياً، لكن ما سبق ما هو إلا غطاء لهدف أقل براءة مما يبدو عليه.

عملية “تلميع رياضية” بامتياز، حيث تستخدم أذربيجان تلك الأحداث لأغراض سياسية، وتقود زوجة الرئيس إلهام علييف منظمة كاملة هدفها “نشر معلومات صحيحة عن أذربيجان”، في إشارة إلى نزاع “ناجورو قرة باغ” مع جارتها أرمينيا، واستضافة تلك الأحداث مقابل مبالغ فلكية هو وسيلة لإضفاء أحقية أكبر للبلاد، ودعاية ممنهجة على المنصة العالمية، رغم حديث منظمة حقوق الإنسان عن المناخ “المقلق” داخل البلاد سياسياً.

هينريك مختاريان

طالت هذه الاعتبارات نهائي اليوروباليج هذا الموسم، حين نالت باكو شرف استضافته، لكن تعقدت الأمور بتأهل أرسنال، ومعها الأرميني هينريك مختاريان، الأمر الذي أدى لمناوشات انتهت بقرار عدم سفر اللاعب مع الفريق في النهاية.

دافع الاتحاد الأوروبي “اليويفا” عن قراره بأنه “لا يمكن التنبؤ” بهذا الموقف حين تم منح باكو النهائي منذ عامين، وأن العجلة قد دارت والرصاصة قد انطلقت ولا مجال للتغيير، مثال لجملة “عذر أقبح من ذنب”.

الدوري الأرميني هو أحد الدوريات الأوروبية، ويمتلك مقاعد في البطولة باستمرار، ورغم ضعف احتمالية تأهل أحد الفرق الأرمينية إلى النهائي، يظل احتمالاً قائماً، ويعني ذلك حينها انسحابه من النهائي، فهل وضع أي من أعضاء “اليويفا” ذلك قيد اعتبارهم؟

ببساطة الإجابة لا، فالاتحاد بحث عن “البقرة التي تدر أرباحاً أكثر” كما وصفها توتي، والموافقة على المدينة لم تأت بعد مباحثات ودراسات عميقة للموقف، بل عبر المصالح المشتركة، والعائدات المتوقعة بلا مبالاة لأي عواقب آخرى.

مدينة “باكو” تقع على بحر قزوين، وإذا صادفك خريطة واضحة المعالم، ستدرك مدى ابتعاد الموقع عن أي بلدة أوروبية، مما يجعل عملية وصول مشجعي أي فرقة عسيراً.

وإذا تغاضينا عن الجغرافيا، بواقع أنه من غير العادل إقصاء مكان من الاختيار بحكم الموقع، ستجد أن مطار باكو لا تتحمل بنيته التحتية استقبال أكثر من 5000 مشجع من كل فريق، في مقابل ملعب يتسع لـ 70 ألف مشجع، أي أنه في أفضل الأحوال سيشهد الملعب العديد من المقاعد الخالية، أو يمتلئ 55,000 مقعداً بمتابعين لا يميلون لأي الفرقتين.

أصدر أرسنال بياناً أعلن فيه خيبة أمله من بيان “اليويفا”، وانتهى الأمر بالنزول على رغبتهم، والمضي قدماً بهذا النهائي، مع تخلف مختاريان عن الحضور.

ربما ترغب جميع الأندية في تغذية فكرة المبادئ التي تختلف عن سواها، وتلعب الآلات الإعلامية دوراً في الترويج لهذا الجانب، هذه الأكاذيب هي طعام الطموح، ووقود الحماسة، الأقدر على تحريك الجماهير، والمادة الخام للأحلام.

ونميل كمشجعين لتصديق هذه الشعارات، فتقف مضطرباً بين قرار التركيز داخل المستطيل الأخضر فقط، وتجاهل الفساد الذي يحيط باللعبة، وبين رائحة “المودرن فوتبول” الكريهة التي لوثت أنامل الجميع.

لايمكن إلقاء اللوم على أرسنال بالطبع، فالعقوبات لن ترحمهم في حالة امتنعوا عن حضور النهائي، اليويفا لن تسمح بوضح حجر يسد مجرى المال المتدفق إلى جيوبهم بأي حال، لكن هو دليل على قلة الحيلة التي صارت إليها الأندية.

صرح اتحاد كرة القدم الأذربيجاني بأنه قد سمح للاعب بالحضور، مع تأكيدات على ضمان سلامته، كما وجد سفير أذربيجان في إنجلترا كلمات يلتف بها حول الموقف الحالي، حين صرح موجهاً الحديث لمختاريان، وبلهجة تحوي التهديد: “إذا أردت أن تلعب كرة القدم، اذهب لباكو، ولكن إذا كنت تلعب لعبة سياسية، فهذا شيء مختلف”.

بطريقة ما جاء اللوم على اللاعب، وكأنه امتلك اختياراً في الأساس، في درب جديد من السخف والسذاجة، فبلا أدنى شك سيؤثر اللاعب سلامته وسلامة عائلته، بل إن حضوره ربما يعرض باقي الفريق للخطر.

في عهد الجشع الرياضي، ترى لاعباً في أكبر أندية العالم يحرم من حضور نهائي قاري، لتتلاشى كل تلك الشعارات الرنانة حول المساواة في اللعبة، والفرصة المتاحة للجميع، فقد صار من الطبيعي أن ينتظر لاعب “صك غفران” للمشاركة، وتوجه له أصابع الاتهام إن رفض الخضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى