تحليل- محمد عصام
ليلة إسدال الستار على خليجي 24 جاءت بالمفاجأة السارة للأحمر البحريني، والذي أصبح المنتخب السابع المتوج بهذه البطولة، بعد عقدة امتدت لخمسين عاماً، في مسابقة كانت البحرين صاحبة فكرتها، والمشارِكة في كل نسخها، وأولى الأراضي المحتضنة لها، ولكن تمنّعت عنها الكأس حتى هذه النسخة.
تجربة البرتغالي هيليو سوزا تكمل المشوار، بعد الميدالية الذهبية لبطولة غرب آسيا الصيف الماضي، ليؤكد أن هناك مشروعاً واضحاً لمستقبل كرة القدم في البلاد.
بدا جلياً أن الأحمر البحريني يدخل البطولة للتجربة، فكانت التغييرات في التشكيل راديكالية بين المباراة والأخرى، ليتناوب الفريق بين الأسماء الأساسية والبدلاء، ويحصل الجميع على فرصة بلا استثناء، حتى حصد المركز المؤهل في الدقائق الآخيرة من الجولة الثالثة في المجموعات، ثم إقصاء أسود الرافدين، ليصبح الحلم مشروعاً.
أكدت تشكيلة الأمس ذلك، فدخل سوزا النهائي بتغيير كامل عن مباراة النصف نهائي ضد العراق، والخطة كانت الثابت الوحيد؛ اعتماد استراتيجية 4-1-4-1 بتواجد سيد جعفر في حراسة المرمى، على يمين الدفاع سيد عيسى، وراشد الحوطي يساراً، شراكة قلبي دفاع أحمد نبيل وسيد باقر، يتقدمهم علي حرم في الارتكاز، والرباعي علي مدن يميناً، مهدي حميدان يساراً، وكميل الأسود وجاسم الشيخ في القلب خلف المهاجم الوحيد محمد الرميحي.
أما هيرفي رينار فقد استعاد الأسماء الهلالية “سالم الدوسري، وسلمان الفرج” التي تغيبت في نصف النهائي ضد الشقيق القطري، وقرر الدخول بطريقة مغايرة عن لقاء المجموعات ضد ذات الخصم، فاعتمد خطة 4-2-3-1 بتواجد فواز القرني في حراسة المرمى، رباعي الدفاع سلطان الغنام، محمد الخبراني، زياد الصحفي وياسر الشهراني، ثنائي الارتكاز عبد الله المالكي وعبد الله عطيف، يميناً يتواجد فراس البريكان، وسالم الدوسري يساراً، وفي خانة صناعة اللعب سلمان الفراج خلف الشاب عبد الله الحمدان.
دخلت المباراة مباشرة إلى صلب الصراع، فلم تمر بضع دقائق حتى وصل كلا المنتخبين إلى المرمى ولو في فرصة غير صريحة، لكن الجدير بالملاحظة كان تحفز للمنتخب البحريني، ودخوله بشكل مغاير عن مباراة دور المجموعات.
فطن هيليو سوزا إلى نقاط ضعف فريقه أسفل الأطراف، والتي تواجه نقاط قوة الأخضر السعودي، فوضع الثنائي علي مدن ونجم المباراة مهدي الحميدان بواجبات دفاعية كبيرة، مع مهاجم ديناميكي وهو محمد الرميحي، لإيقاف جبهتي الأخضر السعودي، خصوصاً جبهة سالم الدوسري- وياسر الشهراني، مع تنفيذ المرتدات السريعة، وتهديد بطء وسط ودفاع السعودية.
في المقابل تسلم سلمان الفرج مفاتيح التحكم في عمليات الأخضر السعودي، فتحرك بين الخطوط لاستلام التمريرات، مع دخول فراس البريكان كمهاجم ثانٍ، وتهديد المهاري سالم الدوسري باستمرار.
سارت خطة رينار في البداية على النحو المطلوب، فتمكن من إصابة العارضة الأفقية عبر الدوسري، قبل أن يتحصل على ركلة جزاء سددها سلمان الفرج في العارضة مجدداً، وأضاعت السعودية فرصها المبكرة.
وكأن تلك الكرات الضائعة كانت وسيلة عودة أبناء سوزا إلى المباراة، لذا نشط المنتخب البحريني فيما تبقّى من الشوط الأول، وهدد مرمى الأخضر السعودي، واستغل مخزونه البدني الهائل، حيث يملك معدلات ركض تصل إلى 116.8 كيلومتر في المباراة الواحدة مقارنة بمعدل 115 كيلومتر للأخضر السعودي.
بدأ الشوط الثاني بأقدام بحرينية أكثر نشاطاً، مع تراكم الإرهاق على الأخضر تدريجياً، وحينها قرر هيلو سوزا أن يغتنم رياحه.
الورقة الرابحة “تياجو أجوستو” والذي حل في مكان “علي مدن”، لينتقل الحميدان يميناً، والرميحي يساراً، ويقع الضغط خلف ظهيري السعودية مع قلة المساندة الدفاعية من سالم الدوسري والبريكان؛ ومن كرة تكررت على يسار الدفاع السعودي خلف الشهراني، وصلت إلى الحميدان الذي قدّم عرضية على القائم البعيد نحو المتحرك القادم من الخلف محمد الرميحي، ليسكنها الشباك.
هدف أربك المنتخب السعودي مع بقاء عشرين دقيقة فقط حتى النهاية، وأظهر المنتخب البحريني عزيمة والتزام غير مسبوقين للحفاظ على النتيجة، فسارت الدقائق تشد بعضها بعضاً حتى النهاية، رغم حمي وطيس المواجهة في دقائقها الأخيرة.
إنها البطولة التي بدأت كحقل تجارب للبرتغالي سوزا استعداداً لما هو قادم، والتي تأهل فيها بشق الأنفس من دور المجموعات، ثم بركلات الترجيح في نصف النهائي؛ وكأنها أرادت أن تترجم معاناة البحرين حتى فك العقدة، وتؤكد أن في البطولات المجمعة لاتعني البدايات شيئاً، فالعبرة دائماً بالخواتيم، فهنيئاً للمنتخب البحريني.