الجزئيات الصغيرة.. سلاح الأهلي في موقعة كازا بلانكا!

تقرير – محمد العولقي

من الذي يستطيع إيقاف الشياطين الحمر؟ أصبح وأمسى وبات من حق أنصار الأهلي المصري طرح هذا السؤال بقوة وثقة، يعززهما جبروت الأهلي الذي أجهز على كل الأرقام القياسية المحلية هذا الموسم، محافظا على إيقاعه السريع والقوي وعلى سطوته كفريق لا يقهر حتى بعد أن انتقلت سلطة الإدارة الفنية سلميا من السويسري (رينيه فايلر) إلى الجنوب أفريقي (بيتسو موسيماني) .. وهذه الحقيقة التي نعيشها في الزمن الأحمر ربما كانت رسالة شديدة اللهجة من الأهلي إلى منافسه المغربي الوداد البيضاوي الذي يعاني من انكسار معنوي رهيب بعد أن خسر لقب الدوري المغربي في الأمتار الأخيرة لمصلحة غريمه و منافسه اللدود الرجاء..

يخوض الأهلي مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا في (كازا بلانكا) معززا بأرقام تاريخية تتحدث عن نفسها، ومتسلحا برغبة حمراء جامحة في استعادة التاج الأفريقي مجددا، ليكون مسك ختام لموسم استثنائي أحمر فاقع اللون.. لكن المعطيات التي تنتظر الأهلي في الدار البيضاء مختلفة في أجوائها وفي نوعيتها وفي طبيعتها كمباراة كؤوس يلزمها الكثير من العوامل الفنية والتكتيكية والنفسية لكي يتحقق للأهلي في عرين الأسد المغربي المراد من رب العباد..

من المتوقع أن تتميز المباراة بالإثارة والندية والكفاح المرير طوال تسعين دقيقة، ستكون أشبه بأشغال شاقة لعدة أسباب، لعل من أبرزها ظروف الفريقين التي تؤجج رغبة الفوز، ولأن أوراق الفريقين الفنية والتكتيكية مكشوفة لدى المدربين ( الأرجنتيني ميجيل أنخيل جاموندي والجنوب أفريقي بيستو موسيماني) فإن الغلبة ستكون للفريق الذي يعرف كيف يتعامل مع الجزئيات الصغيرة..

من الصعوبة بمكان تصور سيناريو معين لأحداث مباراة الدار البيضاء، ليس لأن الجزئيات الصغيرة ستضع الفواصل في مباراة ملتهبة، الحرص فيها سيبلغ الذروة فقط، ولكن لأن التعبئة النفسية ستكون الرادار الذي يضبط بوصلة التوازن الفني والتكتيكي ..وإذا كان الوداد سيدعم بسيكولوجية تواجده على أرضه، فمن الطبيعي أن يمنح هذا العامل لاعبي الوداد أولوية الهجوم الضاغط بحثا عن هدف الصدمة، في ظل استعادة نجومه الإيفواري إبراهيما كومارا وأيوب عملود بعد الإصابة، وكذلك الخطير كازادي كاسونجو، وهذا يتطلب من دفاع ووسط الأهلي التعامل مع الدقائق الأولى بحذر وحرص وعدم الانجرار للعبة المصاقرة السيكولوجية مبكرا ..

لا يمكن بأية حال من الأحوال جس نبض مباراة (كازا بلانكا) دون الإشارة إلى أنها مباراة نفسية في المقام الأول، وتعزيز الحشود الفنية والتكتيكية المتاخمة لمفكرة المدربين بالانضباط البشري لن يمر إلا عبر الحالة الذهنية للاعبين، فمسألة الجزئيات الصغيرة مسألة لاعبين وليست مسألة مدربين، لكن تهيئة لاعبي الأهلي نفسيا رهان مؤثر يتطلب إعدام تلك الجزئيات دفاعيا بالذات، وهذا يحتاج من لاعبي الأهلي التركيز 3000 في المائة طوال مباراة الذهاب..

ترى ما الذي يدفعني إلى الرهان على الثقل النفسي كسلاح يعزز نواحي الانضباط الفني والتكتيكي..؟ الإجابة ببساطة يا حضرات : إنها عقلية ديربيات شمال أفريقيا وثوابت المدرسة اللاتينية التي لا يمكن للأهلي ولا للوداد الخروج عن قواعدها، ولهذا السبب تبدو مباريات الجوار العربية مشبعة كثيرا بعوامل نفسية وسيكولوجية تكون المتحكم في كل الثوابت والمتغيرات الفنية والتكتيكية، وحتى في إيقاع اللعب نفسه، وهذه العقلية يدركها لاعبو الأهلي وجهازهم الفني جيدا..

يميل الأهلي بحكم ثقافة لاعبيه وجينات لاتينيتهم لمبدأ الاستحواذ لتحقيق الفارقين المهاري والبدني، وهي فلسفة لعب تتشابه إلى حد بعيد مع فلسفة لاعبي الوداد، لكن الفارق هنا يكمن في الإيقاع الذي يصل إلى أعلى منسوب توازيا مع الحالة النفسية للاعبين .. إذن كل الحديث عن الحشود التكتيكية والفنية والتقنية في مباراة الجارين مجرد استهلاك في كشف عيوب وغيوب منظومة اللعب جماعيا وفرديا .. وإذا كان الأهلي يبدو على الورق أكثر نضجا في التعامل مع ديربيات الجوار الصعبة والشائكة من النواحي المعنوية، فإن الأصل أن يتسلح لاعبوه بثقة يشوبها بعض القلق، لأن القلق الإيجابي في مثل مباريات الجوار يجعلك تتحصن أكثر وتحترم خصمك أكثر وتحتاط أكثر وتقدر أهمية المباراة أكثر ..

يستحسن أن يبلغ حرص وتركيز لاعبي الأهلي الدرجة القصوى في ظل جائحة الإصابات التي تعصف بالفريق في مرحلة أفريقية الخطأ فيها ممنوع، وكان آخر ضحايا جائحة الإصابات النجم محمود كهرباء، ليلحق بقائمة المصابين التي تضم: سعد سمير ورامي ربيعة ومحمود متولي، إلى جانب شكوك تحوم حول مشاركة أيمن أشرف لشعوره بآلام في عضلة السمانة.. لاشك أن الأهلي يبدو متمرسا على أنسجة المباريات الصعبة ذات النكهة العربية رغم خطورة الإصابات، كما أن الأهلي عود جماهيره من المحيط إلى الخليج على التألق كلما لعب تحت ضغط الظروف والغيابات المؤثرة..

بعكس الوداد المنهك محليا من مطاردة غريمه الرجاء في الدوري المغربي، وهي مطاردة ماراثونية استنزفت الكثير من قواه البدنية والنفسية، انتهت بكابوس خسارة اللقب الذي كان إلى وقت قريب على مرمى حجر من (كازا بلانكا)، كما أن مساره الأفريقي قبل (كورونا) كان مضطربا ومحفوفا ببعض المخاطر، ومع ذلك فإن كل هذا التناقض بين مساري الفريقين قد لا يعني الكثير في مباراة طابعها النفسي يفوق كثيرا حسها التكتيكي، لهذا لابد للأهلي من ضرورة إحسان توظيف العامل النفسي للاعبيه لقطع ثلاثة أرباع مشوار بلوغ النهائي من (كازا بلانكا) ..

تابعت ردود أفعال (موسيماني) عن طبيعة المباراة، ولاحظت أن الرجل كما لو أنه يحاصر جميع الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، وهو بهذا الفرز النفسي يحسب خطوات فريقه بدقة، فهو لا يريد أن يصطدم بسيناريو كبيس، يعلم أن الوداد سيسعى إلى جرجرة لاعبي الاهلي إلى حرب نفسية تنتزع قليلا من ضوابط الأهلي بهدف تصدير الشك إلى نفوس اللاعبين وخلق ارتجاج في التنظيم التكتيكي، من هنا سيكون على (موسيماني) التعامل مع مجريات المباراة وكأنه يخوض مباراة ذهنية على رقعة الشطرنج..

يتمتع الأهلي بتحصينات فنية تصنع الفارق دائما، سواء كان عبر القزاح المائل حسين الشحات وأجاي والسولية أو عن طريق الرواقين المتقدمين علي معلول و محمد هاني، لهذا سيسعى الوداد إلى إفراغ خط وسط الأهلي من محتواه، وسيحاول عزل أفراده عن مساندة العمق لخلق الأكثرية العددية، وهذا بالطبع لن يحدث إلا إذا فقد لاعبو وسط الأهلي بوصلة التركيز، لهذا على الأهلي أن يحتاط كثيرا من لعبة المصاقرة النفسية..

وفي مباراة كؤوس من هذا الحجم، يجب بل ويلزم أن تكون انتهازية خط هجوم الأهلي في الفورمة، وهنا على (موسيماني) معالجة الشرود الذهني والانقباض النفسي اللذين يصاحبان أجاي وأفشة ومروان محسن عند مواجهة المرمى، لأن استمرار إهدار الفرص السهلة والسانحة مسألة نفسية تقلق بالفعل ..

ينتهج مدرب الوداد الأرجنتيني (ميجيل أنخيل جاموندي) أسلوبا لاتينيا يتأسس على مبدأ الكرة الشاملة، معتمدا في ذلك على عملية تدوير الكرة لإنهاك الخصم، وحصر المنافس في منطقته، ولعل أنسب علاج فعال لمصادرة لاتينية لاعبي الوداد يتلخص في الضغط العالي و تضييق المساحات مع حرمان لاعبي الوداد من الاستمتاع بلاتينيتهم ذات الطراز السهل الممتنع .. على الأهلي أن يضغط نفسيا على منطقة الألم التي يعاني منها مدرب الوداد الأرجنتيني (جاموندي)، فهذا المدرب يمر بمرحلة فقدان توازن نفسيا بعد خسارة الدوري لمصلحة الرجاء، وهذا الإخفاق يضاف إلى إخفاقه الموسم الماضي مع فريق أحسينية أغادير الذي أنهى خدماته بعد خسارته لقب كأس العرش المغربي ..

قصر الكلام .. (موسيماني) مطالب بمحاصرة أسلوب لعب الفريق المغربي وتعطيل مفاتيحه بنهج تكتيكي يفاجئ خصمه ويضعه بالفعل على فوهة بركان، لكنه قبل هذا وذاك مطالب بدراسة الحالة النفسية للاعبيه وتجهيزهم لكل الاحتمالات في (كازا بلانكا)، فالطريق إلى النهائي يمر عبر بوابة تلك الجزئيات الصغيرة التي تتحكم فيها عوامل نفسية ومعنوية تصنع الانضباط التكتيكي وتشد من عضد البناء الفني كوحدة واحدة لا تتجزأ، و(موسيماني) و(جاموندي) يعرفان – وهما سيدا العارفين – أنها مباراة شطرنجية، تحتاج إلى ذكاء ذهني، كي يتسنى لأحدهما الضحك كثيرا في الوقت المناسب ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى