موسيماني الأهلي عرف من أين تؤكل كتف باتشيكو الزمالك؟

تحليل – محمد العولقي

هناك مباريات لا تلعب من الناحية الجمالية ، لكنها تكسب من الناحية التكتيكية ، هكذا يمكنني تلخيص مباراة القرن في أفريقيا بين الغريمين الأهلي و الزمالك على استاد القاهرة الدولي سهرة الجمعة الماضية ..

عرف الأهلي من أين يأكل كتف الزمالك، مستنجدا بسلاح الضربة القاضية، و في توقيت ميت يصعب تعويضه ، و أدرك الزمالك متأخرا و بعد أن طارت النسور الحمراء باللقب الأفريقي التاسع أنه كان ضحية لفخ تكتيكي أهلاوي، أعتمد على استنزاف قدرات الزمالك الذهنية ، فأجهز عليه في توقيت قاتل صادر كل استحواذ الزمالك على الكرة ..

تقدم الأهلي مبكرا بهدف الصدمة عن طريق رأسية مثالية من لاعب الوسط المتألق عمر السولية، مستغلا كرة ثعبانية من الرائع التونسي علي معلول ، و كان خطأ الأهلي أنه تراجع كثيرا إلى الخلف معتمدا على ما تيسر من كرات خاطفة لحسين الشحات يمينا و النيجيري جونيور أجاي يسارا ، هذا التراجع سمح لثلاثي وسط الزمالك طارق حامد و زيزو و التونسي فرجاني ساسي من التحكم في الإيقاع و رفع النسق ناحية المغربي أشرف بن شرقي يسارا و المخضرم شيكابالا يمينا ، في حين كان المهاجم مصطفى محمد محطة خطيرة يتزود بها القادمون من الخلف المؤنة المطلوبة ..

وعند الدقيقة 31 استلهم شيكابالا قليلا من سحر الأسطورة الخالدة دييجو مارادونا ، فعرج بالكرة من وضع متطرف متخطيا ثلاثة لاعبين بطريقة (تيك تاك)، ثم سدد كرة يسارية ماكرة هزت شباك الحارس محمد الشناوي من الزاوية اليمنى ..

ودخل الأهلي الشوط الثاني بتكتيك مغاير ، حين ترك الاستحواذ للاعبي الزمالك ، و كان الغرض من هذا تخدير الخصم و إيهامه أن الأهلي انتهى بدنيا و ذهنيا، لكن كرة أهلاوية لحسين الشحات ردها القائم الأيسر بعد جملة تكتيكية منظمة بين أجاي و معلول استفزت لاعبي الزمالك ، فكان رد زيزو مدويا عندما سدد كرة هائلة ردها قائم الشناوي الأيمن ..

وقبل ربع ساعة على النهاية استرد الأهلي مزاجه وبدا يحاصر لاعبي الزمالك خصوصا مع خروج شيكابالا و دخول كاسنجو الميت ، ومع مطلع الدقيقة 85 أطلق المتألق محمد مجدي أفشة رصاصة الرحمة على الزمالك، عندما تفنن في إرسال كرة قوية دقيقة خدعت الحارس محمد أبو جبل و استقرت في أقصى الزاوية اليسرى ..

وبهذا السيناريو الماكر للثعلب الأفريقي بيتسو موسيماني حسم الأهلي موقعة النهائي و صفى كل حساباته هذا الموسم مع غريمه الزمالك ، فبلغ الأهلي لقبه التاسع عن جدارة ناصبا نفسه ملكا على القارة السمراء برقم قياسي ، ترى ما هي الأسباب التي توجت الأهلي بطلا في موقعة مصرية ملتهبة أوفت بكل و عودها ..؟ و لماذا خسر الزمالك لقب كان أقرب إليه من حبل الوريد بالنظر إلى الغيابات المؤثرة في الأهلي ..؟

الثبات الانفعالي سر تماسك الأهلي..

لعبت الدوافع النفسية دورا محوريا في تتويج الأهلي بلقبه التاسع ، فقد تعامل موسيماني مع المباراة بحذر، لكنه مشوب بثبات انفعالي متوازن جعل تركيز لاعبي الأهلي في القمة ..

وإذا كان موسيماني قد اختار شاكلة تكتيكية منكمشة بعض الشيء ، فلأنه كان يستهدف استنزاف قدرات لاعبي الزمالك و إخراجهم من مناطق الدفاع بالذات ، و قد انطلت الحيلة على المدرب البرتغالي باتشيكو الذي خسر المعركة النفسية مع موسيماني ، كما خسر لعبة المصاقرة التكتيكية مع خروج شيكابالا ، فغض الطرف عن حل كان في متناوله مفضلا الدفع بلاعب الرواق الميت كاسنجو ..

الثعلب موسيماني و لعبة المصاقرة التكتيكية..

ضحكت كثيرا من بعض الجهلة الذين يعتقدون أنهم أساتذة في قراءة هكذا مباريات تتطلب حذفا تكتيكيا عالي الجودة ، فقد نسبوا فوز الأهلي للحظ هكذا دون تفتيش و دون رصد العوامل الأخرى ، فقط قالوا : موسيماني محظوظا و الاهلي يستمد الحظ من هذا الساحر ..

كلام غريب و عجيب لا يستند إلى منطق ، و الحقيقة أن موسيماني كان رجل المباراة حين أدارها بكل خبث و مكر الثعالب ، نجح موسيماني في ضبط بوصلة أعصاب لاعبيه ، و نجح في جرجرة مدرب الزمالك البرتغالي باتشيكو إلى لعبة المصاقرة السيكولوجية ، و نجح في الحفاظ على طراوة لاعبيه من الناحيتين الذهنية و البدنية، بعكس باتشيكو الذي ترك فريقه يلعب على وتيرة واحدة مكشوفة و خالية من المفاجآت و المفارقات ..

و الأهم أن موسيماني أحسن اللعب حقيقة على عامل الوقت ، لجأ إلى تقسيم المباراة إلى مراحل ، وفي كل مرحلة كان لاعبو الأهلي يعرفون متى يعلنون عن وجودهم ، وهذا الأسلوب لم يعره باتشيكو أدنى أهمية ..

كان موسيماني مثاليا في توزيع أوراقه الرابحة و تحريكها عند الحاجة ، فلاعب مثل محمد مجدي أفشة تموضع خلف رأس الحربة غير الموفق مروان محسن ، فأصبح لاعبا زئبقيا متحررا تفوح الخطورة من تحركاته و تسرباته ، وعندما خرج جونيور أجاي المصاب أصلا حل محله جيرالدو الذي ألهب الجهة اليسرى كثيرا ..فكيف يكون موسيماني محظوظا بعد كل هذه المحاسن ..؟

أفشة .. قشة قصمت ظهر الزمالك ..

لم يكن لاعب الوسط المهاجم محمد مجدي أفشة منقذا فقط بهدفه الأسطوري الرائع ، لكنه كان محرك عمليات الأهلي من العمق، و اللاعب الذي يساوي غاليا في الرسم التكتيكي للأهلي ، تارة يتحرك من العمق ، وتارة يتوغل منحرفا من الرواق ، وتارة تجده المنسق الأول لهجمات الفريق ..

يستحق أفشة مكافأة نجم المباراة الأول لأنه دمر كل الحس الفني عند لاعبي الزمالك، ولأنه تقمص دور السوبر مان في توقيت قاتل ، و قال الكلمة الأخيرة التي حسمت الجدل و جعلت الأهلي يطير على بساط الريح، فهدف النصر العظيم كان نتاجا لوعي اللاعب و ثقته في نفسه و في قدرته على التحرك بدون كرة أولا، ثم عقليته حين سدد من الوضع الشائك دون رهبة و دون فلسفة زائدة، ودون أن يرفع عينيه، و كأن رأسه معمل رادار يحفظ خريطة المرمى عن ظهر قلب، وكما أن محمد أبو تريكة دخل التاريخ بهدفه القاتل في مرمى الصفافسي التونسي عام 2006 ، نسج محمد مجدي أفشة على نفس المنوال ، فهدفه في مرمى الحارس العملاق محمد أبو جبل هدف ذهبي لا يتكرر كثيرا إلا مع لاعبين من طينة أبو تريكة و أفشة ..

الانضباط و تألق معلول ..

تأثر خط وسط الأهلي كثيرا من غياب رمانة ميزان الارتكاز الدفاعي المالي ألو ديانج ، كان ديانج هو نقطة التوازن التي تلتقي عندها خطوط الأهلي ، لهذا كان العبء على يوسف حمدي ثقيلا للغاية ..
لجأ موسيماني على شاكلة قوامها التكتيكي 4/2/3/1 ، كان يعلم أن تعويض ديانج معول الهدم الذي يخرب بناءات الخصم صعب للغاية ، من هنا اهتدى إلى اللعب بمحوري وسط دفاعي يوسف حمدي و عمر السولية ، ولقد اجتهد الأول في هضم تصورات مدربه، و كافح الثاني لإعطاء الزيادة العددية في الثلث الهجومي ، نتج عن هذا توازن في التغطية و في الضغط المباشر على حامل الكرة، ساعد في ذلك قدرة لاعبي العمق ياسر إبراهيم و أيمن أشرف على تنظيف منطقة الجزاء أولا بأول ..
ومن المجحف أن نتجاهل الدور الكبير الذي أداه الظهير الأيسر علي معلول، فقد كان للأمانة من نجوم المباراة مع أفشة و طارق حامد ، ربما قلت انطلاقاته الهجومية المعتادة وهذا طبيعي، لأن معلول التزم كليا بالواجبات الدفاعية و إبطال خطورة زيزو و شيكابالا ..
يبقى أن معلولا قدم مباراة مثالية خالية من الأخطاء ، و يحسب له أنه صنع الهدف الأول من ركلة ركنية على رأس السولية، و كان متأججا دفاعيا وحتى هجوميا عندما سنحت له الفرص للتقدم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى