حمل كاذب ..!

 

كتب- محمد العولقي

أخشى ما أخشاه أن تظمر عندنا ملكات القراءة والتحليل، فيغلب على تغطيتنا للأحداث الغريبة الانفعال العاطفي، والنظر إلى تفاصيلها بسطحية، مع الاكتفاء من القراءة والتحليل بملامسة التخوم دون التوغل إلى العمق حيث تكون في الإعادة إفادة ..

استطاع المهاجم البرازيلي الفلكلوري (روماريو) خداع الإعلام العالمي بعض الوقت، لكنه فشل فشلا ذريعا في خداع العالم كل الوقت، فقد شهد شاهد من أهل البرازيل أن (روماريو) مارس أكبر عملية نصب واحتيال وتزوير في تاريخ أرقام كرة القدم البرازيلية خاصة والعالمية عامة..

تذكرون – متعني الله وإياكم بالذاكرة القوية – أن (روماريو) أقام الدنيا ولم يقعدها قبل عشر سنوات، عندما أعلن وبشكل مفاجئ أنه أتى بما لم تأت به الأوائل على حين غرة من حارس البن (باستثناء الملك بيليه بالطبع).

ففي آخر مباراة بمشواره أنهى حياته الكروية بكذبة أبريل، عندما أعلن أنه سجل هدفه الألف من ركلة جزاء..

ولكي تنطلي (الكذبة) على العالم، وجد (روماريو) في الاتحاد البرازيلي ضالته في ممارسة المزيد من الغش وطمس الحقائق.

كما أن ناديه الأخير (فاسكو ديجاما) تمادى في القفز على الأرقام، وراح يبني خيمة من المتواليات الحسابية الزائفة، ناسجا الكثير من المفارقات التي لم تنطل على (الفيفا)، ولا على بيليه الذي سجل أكثر من ألف ومائتي هدف..

ولأن الكذب حبله دائما قصير ، فقد خرج عضو في الاتحاد البرازيلي ليميط اللثام عن أكبر عملية خداع مارسها (روماريو) بدعم لوجستي من الاتحاد البرازيلي، الذي حاول إثارة هالة إعلامية كبرى وغير مسبوقة هدفها رد اعتبار اللاعب الذي كان ضحية (غيرة) عمياء من مدربين لم يقدروا موهبة (روماريو) حق قدرها..

وإذا كان (روماريو) قد تحول في البرازيل إلى قضية رأي عام فإن مركز الإحصاء التابع للاتحاد الدولي قال بعظمة لسانه للاعب البرازيلي المخادع: “على مين تلعبها يا روماريو، أهدافك الألف مجرد تزوير في أوراق ليست رسمية، بلها واشرب ماءها “..

عندما استعان مركز الإحصاء بالآلة الحاسبة، وأجرى كل عمليات الحساب التي تعلمها (روماريو) مثلنا، لم تدون له الآلة سوى 484 هدفا.

هو كل رصيد روماريو الموثق في مركز يتحدث دوما بلسان الأرقام والدلالات والوقائع، وهو رقم متواضع دفع بيليه للتعجب على طريقة يوسف وهبي يا للهول..!

يقيني أن (روماريو) تعرض لمذبحتين شهيرتين في حياته الكروية الطويلة جدا، الأولى افتعلها زيكو مساعد مدرب ماريو زاغالو في مونديال فرنسا عام 1998، عندما مارس كل الضغوط على زاجالو ليحرمه من المشاركة المونديالية في عز عبقريته الميدانية وألمعيته التهديفية..

والثانية كانت الضربة القاضية لكل أحلام روماريو في مزاحمة بيليه على قلوب البرازيليين.

لقد حرمه فيليب سكولاري من المشاركة في مونديال كوريا واليابان عام 2002، رغم تدخل رئيس البرازيل وقتها لكنه فشل ما دفع روماريو للبكاء كالنائحة الثكلى ..

يعترف عضو بارز في الاتحاد البرازيلي – شارك في عملية تزوير أرقام روماريو – أن دوافع قومية واكبت مسيرة الرصد العشوائي لكل أهداف (روماريو).

وأن العاطفة كانت المحرك الأول عند الرصد غير الدقيق، وهو يؤكد أن أرقام (روماريو) في رحلته الاحترافية شهدت الكثير من الإضافات غير المبررة هنا وهناك، حتى ارتفعت أرقامه بقدرة قادر لتصل إلى قمة الألف هدف، وهي قمة يختال فيها بيليه ضاحكا دون منافس أو مناجز ..

أتصور أن (روماريو) هو النجم البرازيلي الوحيد الذي كان يستحق مكانه عالمية خلف بيليه مباشرة، لو أن (زيكو) لم يكد له في مونديال فرنسا على طريقة أنثى العنكبوت..

وكان يمكنه أن يقلل فوارق الإنجازات الدولية مع بيليه موندياليا لو أن سكولاري تمسك به في المونديال الآسيوي ، ولم يكافئه بجزاء سنمار، مع أنه كان المنقذ في رحلة التصفيات .

لكن يبدو أن فرملة الآخرين لقطار (روماريو) السريع، دفعته لتسجيل رقم مهول وغير مسبوق عالميا، حتى لو غلف هذا السبق بالغش والمغالطات والاحتيال والكذب الملون بألوان الفرق التي لعب لها..

الآن وقد فتح العضو البرازيلي وأحد أهم شهود العيان على عملية سرقة الأرقام ، باب التأويلات على مصراعيها، فليس أمام (روماريو) سوى الاعتذار العلني للعالم .

عليه أن يغلق نافذة الكذب بعد عشر سنوات خداع، ويعترف للعالم أن أهدافه الألف المزعومة سجل نصفها في مباريات الحواري قبل أن يلعب لفرق من وزن أيندهوفن الهولندي وبرشلونة وفالنسيا الإسبانيين والسد القطري وأدلايد الأسترالي وربما أيضا فريق حارتي في زمن الهواة ..

أطلق العضو البرازيلي المشارك في لعبة التزوير النار على ألفية روماريو بعد تضليل دام عشر سنوات .

ومن المتوقع أن تخرج الفرق التي لعب لها (روماريو) عن صمتها وتستعين بالأرقام المؤرشفة ليسقط قناع الخداع عن وجه (روماريو) أخيرا، قناع الوهم والكذب والتزييف للحقائق ..

قلبي يكاد يتقطع ألما وحزنا، ليس لأن (روماريو) لا يستحق هذه الخاتمة المخادعة، على أساس أنه من وجهة نظري الضعيف يأتي خلف بيليه ومارادونا وزيدان.

لكن حزني الكبير على والدة (روماريو )، فقد انتظرت مرتين في حياتها، مرة عندما حملته في بطنها تسعة أشهر، ومرة أخرى عندما بلغ طفلها المدلل سن الخمسين، ثم اكتشفت بعد كل هذا العذاب ومطاردة الأرقام أن الحمل كان كاذبا ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى