تحليل- محمد عصام
على صوت بكاء المعلق المخضرم “حفيظ دراجي”، وهتافات “1,2,3 Viva L’algerie” الشهيرة انتهت مباراة الأمس بتأهل ثعالب الصحراء إلى النهائي الأول منذ تسعة وعشرين عاماً، فيما يمكن وصفه بنهاية مستحقة عادلة في زمن ضنت فيه المستديرة بمثل هذه النهايات السعيدة.
هذا المنتخب وتلك المجموعة تأسر القلوب، وتجبرك عشاق الكرة الجذابة على تشجيعها تلقائياً، حتى ولو كانت البطولة مقامة في مصر حيث الباع الطويل من النزاع الكروي بينها وبين الجزائر، وحيث يتم فصل الجماهير المصرية عن الجزائرية في المدرجات تجنباً لتجدد الخصام، ولكن ما فرقته أحداث المدرج من قبل، جمعه سحر المستديرة التي يقدمها أبناء جمال بلماضي في هذه البطولة، حيث لاصوت يعلو فوق الجماعية، والأداء الجريء المبادر في مباريات الخضر.
تشكيلتان مستقرتان بشكل كبير لم تتركا مجالاً واسعاً للتوقعات، حيث اقتنع جرانيت رور بالشاب سامويل تشيكويزي أساسياً مرة أخرى بعد عدة تجارب عبر مسار البطولة، ودخل بلماضي بالظهير مهدي زيفان بدلاً من يوسف عطال الذي عانى من إصابة الترقوة في المباراة السابقة.
هذا الجيل الجزائري لا يعرف معنى الحذر الكروي، بل يبادر ويضغط ويهدد، هذا ما يجيده وهذا ما فعله، لذلك اعتمدت استراتيجية الخضر على الهجوم منذ البدايات مع استغلال تحركات رياض محرز بين الطرف والعمق لتحريك الفريق، مع ترك المهمة التهديفية للثنائي المندفع بغداد بونجاح ويوسف بلايلي.
يتشابه الفريقان في مفاتيح القوى، حيث تأتي الحلول من طرفي الفريق، ولكن الفارق قبع في رؤية وتحضير بلماضي للمباراة، حيث ألغى تأثير المهاري تشيكويزي بمراقبة لصيقة من بنسبعيني، ولعب عدلان قديورة وإسماعيل بن ناصر مباراة بطولية قطعت الإمداد لصانع اللعب أليكس أيوبي، ولأحمد موسى بالتبعية.
ورغم افتقاد الجزائر لغارات يوسف عطال الهجومية، ولكن امتازت بقدرة فائقة في الخروج من ضغط نيجيريا، عبر قلبي دفاع عيسى مندي وجمال بلعمري متميزين في الصعود بالكرة، وعبقرية الثنائي قديورة وبن ناصر في تنظيم عمليات الفريق، بالإضافة للكرات الطولية من الأظهرة نحو بغداد بونجاح الذي أرهبت تحركاته وغالطت دفاع نيجيريا ثقيل الحركة، مع إنهاء أمام المرمى لا يتناسب مع هذه التحركات والمجهودات الخرافية.
الأمر الآخر هو الضغط الجزائري المستمر على دفاع النسور، التزام تكتيكي مثير للإعجاب في الضغط بواسطة بن ناصر وفيغولي، وجهد لا متناهي من البلايلي ومحرز في أداء الأدوار الدفاعية على الأطراف وفي العمق، مما خفف كثيراً من العبء الملقى على دفاع الخُضر.
نتج عن هذه الديناميكية والحركية في هجوم الجزائر هدفاً في نهاية الشوط الأول، ورغم مجيئه بأقدام نيجيرية، إلا أنه كان ترجمة دقيقة لمسار مباراة التهمت فيها شخصية فريق بلماضي خبرة الألماني جرانيت رور.
وضع “رور” في الشوط الثاني أحمد موسى خلف المهاجم إيجالو، بدلاً من تقييده يساراً كما كان في معظم الفترة الأولى، مع تحركات أكبر من أيوبي وتشيكويزي خلف ثنائي الهجوم، ولكن بدا أن المباراة تسير إلى حتمية التفوق الجزائري، حيث لا خطورة حقيقية من جانب نيجيريا، مع قوة ذهنية غير معهودة من الثعالب.
ما حدث بعد ذلك كان في الأقدار المخبأة، حيث تحصلت نيجيريا على ضربة جزاء عشوائية منحت الفرصة لأوديان إيجالو للتعديل، وعادت المباراة إلى خانة البداية مرة أخرى في الدقيقة السبعين.
المعضلة الكبرى التي تخلفها مثل هذه الأحداث في الفرق المتضررة تقع على محورين، الأول ذهني الطابع، حيث تتعقد مهمة إعادة الفريق لحالته الأولى، والعودة إلى منظومة المبادرة والهجوم لتسجيل الهدف الثاني، بعد الدخول في عملية الدفاع والمحافظة.
الشق الآخر يدور في عقل المدرب، فمع تسرب دقائق المباراة تصبح التغييرات واجباً لامفر منه، ولكن السؤال من سيكون ضحية هذا الوضع من مجموعة أدت دورها على أكمل وجه؟ كيف تقوم بتحسين ما هو مثالي فعلياً؟.
الإجابة كانت في الإرهاق، فأول من سيظهر عليه أعراض فيروس الإرهاق، سيصبح مرشحاً بارزاً للخروج بغض النظر عن مكانته أو ما قدمه.
لكن وبدون أية تغييرات؛ ولأن منتخب الجزائر أراد الحياة، فكان لابد أن يستجيب القدر، لم تشأ الأقدار أن تدخل المباراة في حسبة معقدة نحن في غنى عنها، أو يرحل هذا الجمهور وهذه المجموعة من اللاعبين سوى بسعادة غامرة، ودفعة من السيرتونين رجت أركان استاد القاهرة بهدف رياض محرز في آخر لحظات المباراة، ليحجز ثعالب الصحراء مقعداً في النهائي، ضد فريق مألوف، وإعادة لمواجهة في دور المجموعات، مع تمنيات للشقيق العربي بنتيجة مماثلة لها.