خط وسط الجزائر.. سلاح بلماضي نحو المجد

تحليل- أحمد مختار

“منتخب الجزائر منظم جدا، ويلعب بصورة رائعة وعندما يسترجع لاعبوه الكرة تشعر وكأن مدربهم جوارديولا”. تصريح أعجبني لشيخ المدربين الأجانب في القارة السمراء، كلود لوروا، الذي استمتع بأداء محاربي الصحراء في الكان، مثلنا تماما. لوروا وضع يده على المفتاح، حيث التنظيم، الضغط، التمركز، كلها عوامل جعلت الخلطة الجزائرية أفضل على الصعيد التكتيكي داخل الملعب.

تحدثنا كثيرا عن هجوم الخضر، قوة دفاعه، أظهرته، لكن ماذا عن نقطة القوة الرئيسية لفريق بلماضي؟ خط الوسط مع ثلاثية قديورة، بن ناصر، فيجولي، التي كانت بمثابة الرهان الناجح والمؤثر حتى الآن، وجعلتنا جميعا نتعلق بهذا المنتخب، بسبب أدائه المميز وانتشاره المثالي، بعيدا عن أيدولوجيات وقوميات ونعرات وأي أسباب خاصة بالجغرافيا والجيرة وكل هذه الإكليشيهات.

في رائعة “قلب الهرم” كتب جوناثان ويلسون فصل كامل عن كرة القدم الأرجنتينية وقتها قرر البوهيمي سيزار مينوتي اللعب بخطة 4-3-3 على الطريقة اللاتينية، بوجود لاعب ارتكاز عميق، وثنائي متحرك بشكل متناغم أمامه، ماريو كيمبس وقتها حصل على دور لاعب الوسط الثالث المكمل بالهجوم، بينما أوزفالدو أرديليس كان همزة الوصل بين الثنائي، لاعب الارتكاز الدفاعي ونظيره الهجومي، مع حركة نشطة في وبين الخطوط.

وفي دوري الـ 100 نقطة لمانشستر سيتي، لعب جوارديولا برسم قريب من 4-3-3 مع ثنائي وسط أمامي بالمركز 8. دي بروين أعاد تعريف هذا المركز حينها مع سيتي العام، حيث إن سيلفا هو الرقم 10 بالتشكيلة، بينما دي بروين أقرب إلى لاعب المركز 8.

كلما ذهب كيفن إلى اليمين دخل سيلفا في العمق على مقربة من فرناندينيو، وفي حالة عودة البلجيكي إلى الوسط الدفاعي للمساهمة في البناء من الخلف يصعد زميله الإسباني إلى الأمام بالقرب من رأس الحربة، بالإضافة إلى تبادل المراكز على الرواقين في بعض المناسبات.

وفي الجزائر مع بلماضي، نجد هذا التنوع على نحو واضح وصريح، قديورة في المركز 6 أمام رباعي الدفاع وخامسهم حارس المرمى، بينما سفيان فيجولي تجده كلاعب وسط متقدم يقوم بتبادل المراكز مع محرز بين العمق والأطراف، جزء منه مركز 8 وجزء مركز 10 عند الحاجة، بينما إسماعيل بن ناصر بمثابة همزة الوصل بين الثنائي.

بن ناصر لاعب وسط المنتخب الجزائري

إسماعيل بن ناصر لاعب وسط “بوكس”، بالنسبة لي هو نجم البطولة الأول، لأنه بمثابة همزة الوصل بين دفاع الجزائر وبقية الخطوط، أقرب إلى “الديليفري مان” الذي ينقل الهجمات من الثلث الأول إلى الثلثين الثاني والثالث بذكاء وخفة وسرعة ومرونة.

تحّدث أريجو ساكي في حوار قديم مع الصحفي باولو بالديني، ليؤكد أن الجمود التكتيكي هو السائد في السنوات الأخيرة وأكبر دليل على ذلك، زيادة المناقشات حول ما إذا كان هذا اللاعب جناح أم لاعب وسط صريح أم إرتكاز دفاعي، ليؤكد أن هذه الأسئلة هي أس البلاء للكرة الحديثة .

التخصص قاتل لكرة القدم، يؤكد بائع الأحذية الذي صار مدرباً شهيراً، هذا الكلام حول فكرة تقيد كل لاعب بمركز معين داخل الملعب، ويستعيد الأيام الخوالي في فترة المجد مع ميلان الذهبي، حينما وضع الثنائي فرانك ريكارد وكارلو أنشيلوتي في منطقة الإرتكاز، في طريقة لعب 4-4-2 الميلانية.

في الوسط هناك ارتكاز دفاعي، آخر هجومي، ثالث أقرب إلى الإنتريور الداخلي، ميزة إسماعيل بن نصر أنه يتمركز حول الدائرة، تجده في الخلف وإلى الأمام، أقرب إلى الوسط الصريح الذي يفضله معظم المدربين، لأنه يستطيع العودة إلى نصف ملعبه للمساندة، بالإضافة إلى صعوده للهجوم من أجل الصناعة والتسجيل،

بمتابعة بن ناصر داخل الملعب، ستجد أنه يجيد بشدة فن التحركات العرضية والطولية، والأهم أنه يعرف كيف يتحرك قطرياً، أي عندما يستلم في العمق يصعد بالكرة تجاه الأطراف، وفي حال تحوله إلى اليسار فإنه يستلم ويدخل مباشرة نحو عمق الملعب، بالتالي يجد المنافس صعوبة في إيقافه لصعوبة توقع حركته.

الجزء الآخر من قيمة هذا اللاعب في أنه يتخذ قراره سريعا، بمعنى أنه يعرف ماذا سيفعل بالكرة قبل أن يستلمها، لذلك فإنه يتفوق على منافسيه بثانية أو إثنتين عند الاستلام والدوران ثم التمرير أو الانطلاق نحو الهجوم، مما يجعله فعليا أميز لاعبي الوسط في البطولة.

عدلان قديورة بمثابة الجندي المجهول، لاعب قوي دفاعيا، يجيد التغطية العكسية، ويعطي زملائه ميزة الصعود إلى الأمام دون مشاكل. ليس من السهل على لاعب الارتكاز أن يتواجد بمفرده مع فريق يحرك الأظهرة إلى الأمام، ويلعب بثنائي وسط أقرب إلى وسط الخصم، لكن عدلان فعلها بنجاح حتى الآن.

صحيح أنه لم يحصل على المديح مثل غيره، لكنه فعلياً يقوم بمجهود بدني وخططي يجعل مهمة زملائه أسهل داخل الملعب.

من دون قديورة، لم نكن نشاهد مركز الـ Free number 8 الذي حصل عليه سفيان فيجولي داخل المعب. فيجولي لم أشاهده من قبل في هذا المكان لكنه يقدم مردود جيد حتى الآن، حيث يصبح لاعب وسط هجومي صريح عندما يستلم محرز الكرة على الطرف، بينما عند دخول رياض إلى العمق على مقربة من بغداد، فإن فيجولي يتحرك خطوات إلى اليمين ليكون أقرب إلى الظهير الأيمن من زميله جناح مانشستر سيتي.

في الجهة الأخرى حركة بن ناصر أكثر ديناميكية، لأنه لا يكتفي بالتحركات بين العمق والطرف، لكن يميل بعض الشيء إلى الخلف حتى يساند قديورة عند الحاجة في الافتكاك والعرقلة، وحتى البناء من الخلف.

مع كل هذه الإيجابيات، ربما السلبية الوحيدة حتى الآن في ضعف المخزون اللياقي للبعض في الشوط الثاني من المباريات المتكافئة، بالإضافة إلى أن شكل الجزائر هجوميا يكون أفضل كلما كان إسماعيل بن ناصر أقرب إلى منطقة في وبين الخطوط بالوسط الهجومي بدلا من عودته بجوار قديورة، لذلك تحت ضغط المنافسين، أحيانا يقوم عيسى ماندي بمهمة “الثيرد باك” أو المدافع الإضافي الذي يساند زميله لاعب الارتكاز في الخروج بالهجمة، عن طريق كراته الطولية والقطرية التي تعلمها في بيتيس مع سيتيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى