نهائي “الكان”.. محاربو الصحراء يعثرون على مفتاح النهائيات

تحليل- محمد عصام

قبل مباراة كينيا والجزائر، قال المعلق الكبير حفيظ دراجي “نبداً بتشكيل كينيا المنتخب الضيف لأننا نلعب على أرضنا في القاهرة”، كلمات سكنت أذهان الجميع؛ لذلك ومن قلب القاهرة، فعلتها الجزائر أخيراً.

البطولة الثانية في تاريخ البلاد، بعد بطولة أولى في أراضي بلد المليون شهيد عام 1990، وظل الغياب طويلاً حتى وصل الجيل الذي عثر على خريطة الكنز، وفطن لشفرة النهائيات، فعانق المجد.

البداية في التخطيط، جيل أول يصل إلى مونديال 2010، يليه آخر يقدم نموذجاً بطولياً سيذكره التاريخ في مونديال عام 2014، فجيل يحصد البطولة المرجوة هذا العام، الكرة الجزائرية مرت بلا شك عبر أطوار النضج حتى وصلت إلى هنا.

كعادة النهائيات، يسيطر الحذر والترقب على المشهد، لكن في هذا النهائي لم يدم ذلك طويلاً بهدف مبكر عبر بغداد بونجاح لعبت فيه الأقدار دوراً رئيسياً.

يلعب جمال بلماضي دائماً دور المبادر، المدرب المتأثر بالكرة الإسبانية الجميلة لماضيه كلاعب في سيلتا فيجو يبحث عن التسجيل والسيطرة، ويروق ذلك للمدرب الخصم إليو سيسيه الذي يملك قاطرات بدنية أكثر من العناصر الفنية، تتميز في الدفاع واللعب على التحولات واستغلال الفرص، لذلك كان لهذا الهدف المبكر أثر درامي على سير المباراة المتوقع، حيث انقلبت الأدوار منذ البداية.

في مواجهة دور المجموعات، حمل تحليل المباراة عنوان “العقل قبل العضلات”، لكن في صراع مساء أمس، كانت الكلمة العليا للأقدام الأخف، وسعة الرئات الأكبر.

تلعب السنغال بوسط مكون من “إدريسا جاي، ندياي، هنري سافيت” وهو ثلاثي أقرب إلى المحاور؛ مما يجعل قدراتهم محدودة في صناعة الفرص، فتصبح مهمة الهجوم والمبادرة مضاعفة الصعوبة، وتأتي هجمات الفريق كلها من إرهاصات فردية عبر ثنائي الأطراف إسماعيلا سار، وساديو ماني.

على العكس مع ثعالب الصحراء، حيث تتمتع المجموعة بقدرة وسلاسة في التمرير، وصنع مثلثات تمرير بديعة، في مزيج محبب بين جماعية وفردية، والعديد من مفاتيح اللعب، ولا تتميز بالقدرات البدنية الكبيرة في الصراعات.

يقال أنه إذا حكمت على قدرة سمكة في تسلق الأشجار، ستفشل السمكة حتماً، لذلك كان السؤال الأبرز عن الفريق الأقدر على أداء الدور المضاد لرغبته، وفي ذلك لم يبخس محاربو الصحراء بقطرة عرق، فقدموا مباراة ملحمية تحملوا فيها، صعدت بالسمكة إلى القمة، وتحملوا عبء الدفاع عن هدفهم الوحيد بإصرار.

14 Juالخائرة تدريجياً للجزائريين.

دفع إليو سيسيه في الشوط الثاني بتغيير أول لتنشيط خطه الهجومي، فسحب بادو ندياي لصالح دياتا، لضخ المزيد من السرعة الهجومية أمام الأقدام الخائرة تدريجياً للجزائريين.

كما حدث في مباراة نيجيريا والجزائر، أنتج الضغط السنغالي ركلة جزاء مجانية بعد لمسة يد كادت تفسد كل المجهودات المبذولة، لولا التراجع في احتسابها بعد مراجعة تقنية الفيديو.

الميزة الأبرز في الأسلوب الدفاعي للجزائر هو اعتماده على ضغط استراتيجي من الوسط والهجوم في بعض المناطق الخلفية للخصم، مع تأخر الرباعي الدفاعي؛ لذلك يعتبر المثال الأبرز لعملية الدفاع كمنظومة، ويتحمل الهجوم دائماً مسئولية دفاعية لا تقل عن الخطوط الخلفية، لذلك حين دب الإرهاق، بدأت تغييرات بلماضي بخروج البلايلي ونزول ياسين براهيمي، وتبديل بونجاح بالمهاجم الآخر إسلام سليماني، مع إضافة المدافع مهدي طهرات لخط دفاعه.

هذا الجهد المستمر هو المفتاح للنهائيات، الركض المستمر، والمثابرة في الضغط والعودة الدفاعية من الأفراد غير المعنية بالدفاع في المقام الأول، حتى أن نجم الفريق رياض محرز كان دائم التواجد في المناطق الدفاعية، وشتت العديد من الكرات من داخل منطقة جزاء فريقه، العمل الشاق قبل الموهبة في هذه المباريات.

أيضاً، تجيد منتخبات وأندية شمال أفريقيا لعبة التضييع الشرعي للوقت، لذلك لا عجب من الرقم المهول ب32 خطاً على الجزائريين، في مقابل 18 خطأ على منتخب أسود التيرانجا.

استمر سيسيه في الدفع بالمزيد من الأجنحة والمهاجمين على حساب وسط ميدانه، ولكن بلا جدوى حقيقية لغياب الإطار المنظِّم لهجمات فريقه.

في النهاية، لم تكشف المباراة عن مناورات تكتيكية، أو حسابات فنية معقدة، ولكنها كشفت عن الفريق الأكثر رغبة، الذي خدمه التوفيق في البداية، وحين هبت رياحه، أجاد اغتنامها، ليتوج باستحقاق بطلاً لهذه النسخة من الجميلة الأفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى