دكان ليفربول..!

كتب- محمد العولقي

أعشق دائما لعبة المقارنات، تستهويني أرقامها ومدلولاتها وعمقها، هذا لأن باطن أو عمق هذه المقارنات يختلف منهجيا عن الظاهر.. من هذه القاعدة التي قد لا تروق لمن أدمنوا اللعب في الظاهر، هل يحق لنا المقارنة بين ليفربول ومانشستر يونايتد هذا الموسم ..؟

هل بدأ لكم السؤال سخيفا ..؟، لا تتعجلوا في الحكم، ليس لأن العجلة من الشيطان فقط، ولكن لأن السؤال يضعنا وجها لوجه أمام صورتين مختلتي الموازين.. داخل الملعب تميل الكفة ظاهريا لصالح ليفربول بلا أدنى جدال، فهو بطل أوروبا الموسم الماضي، وبطل البريميرليج هذا الموسم، وانتصاراته هذا الموسم أسمعت من به صمم.. لكن الباطن يرجح كفة مانشستر يونايتد على الرغم من أن الشياطين في الأصفاد منذ رحيل أليكس فيرجسون، لا بطولات، ولا مشاركات ثابتة في دوري أبطال أوروبا، ولا متعة عابرة كمتعة أيام السير الخوالى.. وكما أن ليفربول يبدو وحشا كاسرا داخل الملعب يصعب ترويضه أو حتى مزاحمة أرقامه التي تشير إلى ارتفاع في بورصة أقدام لاعبيه، إلا أن الباطن يؤكد أن مانشستر يونايتد غول مالي مخيف، لا تجوز مقارنة إمبراطوريته المالية بدكان ليفربول ..

هبطت بورصة نتائج فريق مانشستر يونايتد هبوطا حادا للغاية في المواسم الأخيرة، من دون أن يتأثر النادي ماديا، أو يشكو تراجع أسهمه المالية، بالطبع هذا الكلام قبل ظهور وباء كورونا الذي ضرب كل بورصات الأندية العالمية، بما فيها إمبراطورية مانشستر ودكان ليفربول.. بطبيعة الحال يتفوق ليفربول ظاهريا داخل الملعب، ينتقل من فوز إلى فوز بشهية مفتوحة، كما لو أن مسيري النادي وجماهيره لا يهمهم سوى لقب الدوري، غير أن ليفربول حتى في أوج قوته كرويا لا يستطيع تحريك أرقامه المالية ولو بمقدار قيد أنملة، و تعالوا نعرف أصل الحكاية وفصلها..

قبل اجتياح وباء كورونا لملاعب كرة القدم الإنجليزية، كان ليفربول يحقق في المباراة الواحدة التي تقام في أنفيلد ما يوازي مليون ونصف جنية إسترليني، لم يتزحزح هذا الرقم كثيرا حتى وليفربول يزاوج بين الأداء الخلاب ورقم الهوى الغلاب.. مانشستر يونايتد يضرب الأرقام القياسية مع كل مباراة يخوضها في الأولد ترافورد، فهو يجني من المباراة الواحدة أربعة ملايين ونصف جنية إسترليني، يعني أربعة أضعاف ما يحصل عليه ليفربول في الأنفيلد في المباراة الواحدة.. هذا التفاوت المخيف في الأرقام المالية بين الكبيرين مانشستر وليفربول لا علاقة له بسعة الملعبين، فلا ليفربول يترك مقعدا شاغرا في الأنفيلد، ولا مانشستر يونايتد شكا من زيادة الإقبال على مباريات المان يونايتد في الأولد ترافورد، والتفسير مختلف تماما وتابعوا ..

يرفع عشاق وجماهير مدينة ليفربول الهادئة شعار لن تمشي وحيدا يا ليفر، لكن هذا الشعار ينطبق فقط على الريدز داخل الملعب، أي عندما يخوض ليفربول مباراة على أرضه، أما خارج الملعب فالصورة مغايرة للواقع، لأن ليفربول في الواقع يمشي وحيدا، فالملعب صامت في غياب المباريات، والمدرجات تشكو حالها للغربان، هذا لأن الزيارات تكاد تكون معدومة إلا من استثناءات بسيطة لا تشكل فارقا ولا تحرك رقما.. في مانشستر يونايتد يبدو الأمر مذهلا، لأن ملعب الأولد ترافورد يضج ويغص بالرواد والأنصار والمعجبين من المدينة وخارجها، منهم من يأتي زائرا للملعب ويتجول في أروقته، ومنهم من يجذبه متحف النادي الذي يقع داخل الملعب ويحوي بلا شك ما خف وزنه وغلا ثمنه، وبالطبع الفرجة هنا بالجنيه الإسترليني أو ما يعادله..

في الأولد ترافورد يذهب المئات يوميا إلى هناك للاستمتاع بتوقيعات النجوم، وشراء متعلقاتهم من فانلات وصور وأعلام حمراء وشعارات النادي وكل ما يتعلق بالجلد المنفوخ، بينما لا يولي الليفربوليون ولا يبالون بهذا الأمر، فنجم مثل محمد صلاح يمكنه أن يتجول في مدينة ليفربول بهدوء تام، ولن يجد واحدا من الذين يغنون داخل الملعب لن تمشي وحيدا يطلب منه توقيعا على أوتوجراف، أو التقاط صورة تذكارية أمام الأنفيلد.. في الأولد ترافورد يستثمر المناشستراويون كل شيء، ومع كل صورة يربح النادي الملايين، ويكسب من الزيارات ما يجعل خزينة النادي في مأمن من الحاجة والفاقة.

فيما ليفربول يرى هذه السياسة المالية بدعة وضلالة، لا تستحق تعديلا في فكر مسيريه، فمهمتهم تتلخص داخل الملعب عندما يلعب الريدز، أما خارجه فلا شأن لهم بما يدور في مانشستر يونايتد أو غيره من أندية البريميرليج، ربما لأنهم يؤمنون بأنه من راقب مانشستر يونايتد مات هما.. أظنكم لستم في حاجة لأن نفتح ملفات مانشستر يونايتد المالية وما تدره آلته الاستثمارية الرهيبة من أرباح، من خلال تسويق النادي عالميا، لأن قراءة تلك الأرقام القياسية ستدخلكم في متاهة، الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود..

الخلاصة يا سادة يا كرام، ليفربول غلبان وكتكوت ضعيف الجناح، إذا ما تمت مقارنة دكانه الصغير بإمبراطورية مانشستر يونايتد المرعبة والمخيفة..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى