لا تلعب بالنار مع الألمان

كنب- محمد بن عبدات

من يعرف تاريخ كرة القدم العالمية جيدا سيدرك تماما مدى قوة الكرة الألمانية وعظمتها وتفردها عن بقية مدارس الكرة في العالم وإن كان للكرة البرازيلية متعتها وفنها ورقصها الخاص على أنغام السامبا الذي جعل الكثير من عشاق الساحرة المستديرة يتغنون في نجوم منتخب السيليساو.

لكن أحيانا المتعة وحدها لاتكفي ولعل الكثير هنا يتذكر كيف خسر المنتخب البرازيلي أمام الطليان في مونديال إسبانيا 82 ووصف كل المهتمين والمتابعين ذلك المنتخب بأنه الأفضل على مر تاريخ الكرة البرازيلية ولكنه خرج خالي الوفاض ولم يفز بكأس العالم حيث عرف الطليان من أين تؤكل الكتف ولم يلعبوا بالنار أمام عتاولة نجوم السامبا فأخذوا ما أرادوا من ثلاث فرص، ثلاثة أهداف من باولو روسي لن ينساها البرازيليون لزمن طويل..

لهذا فالألمان الذين حقق منتخبهم الرقم الأعلى بالوصول لنهائي كأس العالم وظفروا به أربع مرات يكفيهم هذا المؤشر وحده ويعطيهم دلالة كبيرة لتفوق كرتهم وحضورها القوي عالميا، كيف وهي التي قدمت نجوما تركوا أثرا كبيرا في ملاعب كرة القدم، فمن الحارس العملاق سيب ماير إلى القيصر بيكنباور والهداف الأسطورة القصير المكير جيرد مولر الذي ظل محتفظا برقمه كأكبر هدافي كأس العالم برصيد 14 هدفا قبل أن يكسر ذلك الرقم الظاهرة رونالدو بـ15 هدفا ثم مواطنه كلوزه بـ16 هدفا، وطبعا هناك نجوم أخرى كبيرة أوصلت المنتخب الألماني لنهائي كأس العالم بثلاث بطولات على التوالي 82 و86 و90، ومنهم نجم الوسط بول برايتنر وكارل هاينز رومنيجيه نجم البايرن في الثمانينيات وأفضل لاعب بأوروبا والهداف الذي لايشق له غبار ومعه النجم بيار لتبارسكي ورودي فولر وبريجل وهروبيش واشتليكه وبعدهم جيل لوثر ماتيوس واندرياس بريمه ورفاقهم، فهذه إشارة بسيطة من تاريخ الألمان الكروي.

لذا إذا أردت أن تتفوق عليهم لاتلعب معهم بالنار فإذا فتحت معهم اللعب ولديك مكامن ضعف وخاصة في الخطوط الخلفية لن يرحمونك، فهم لا يلعبون كغيرهم، فالاعتماد على القوة والسرعة والمهارة واللعب الجماعي والقتال حتى الرمق الأخير هو سلاحهم داخل الملعب، فإذا لعبت أمامهم الند بالند، ولم تحسب لأسلوب لعبهم فسوف تلتهمك الماكينات الألمانية ولن تجد مخرجا من ورطة لهزيمة مذلو أمامهم فهم لايرحمون مطلقا، وأقرب دليل مافعل منتخبهم بالبرازيل حين اكتسحوه بسباعية على أرضه وبين جماهيره وليس في أية بطولة إنما في كأس العالم وفي مباراة لاتقبل القسمة على اثنين، حيث استشعر البرازيليون أنهم وسط أرضهم وجماهيرهم وربما اغترول أيضا بتاريخهم الكروي فلعبوا بلغة الواثق ونسوا تاريخ وقوة الألمان، فكانت الكارثة التي هزت ريودي جانيرو وساوباولو وكل مدينة وقرية على خارطة أكبر دولة لاتينية بل أبكت تلك الهزيمة الثقيلة الملايين من المغرمين بالسامبا البرازبلية..

الألمان ليس لهم أمان إذا أردت التطاول على كبريائهم أو تلاعبهم بشيء من الغرور والثقة الزائدة فلن تنال منهم غير المذلة.. أما إذا احترمت قوتهم وهيمنتهم وأقفلت عليهم بالضبة والمفتاح كما فعلت الجزائر في كأس العالم 82 حين تجرع الألمان أمامهم هزيمة مرة في الأدوار الأولى وحينها عرف كيف يأخذون المباراة نجوم الجزائر مادجر وبلومي ومصطفى دحلب وصلاح عصاد، ومن خلفهم دفاعات صلبة يتقدمهم المنصوري ومرزقان مع حارس أسطوري لا يهاب قذائف الخصوم اسمه مهدي سرباح الذي أبطل مع زملائه بصمودهم خطورة الألمان الذين ظلوا حائرين يبحثون، من أين يأتي الفرج فوجدوا كل الطرق موصودة أمامهم، ليستفيد من ذلك الدرس و المشهد الطليان في نهائي المونديال فلعبوا أمام الماكينة الألمانية بذلك الأسلوب مثل الجزائريين من خلال التركيز على الهجمة المرتدة السريعة والاعتماد على النجم الرائع كونتي وزملائه تارديلي وروسي كما كانت الجزائر تفعل وتعتمد على الثلاثي عصاد وبلومي ومادجر ومن خلفهم صانع الألعاب زيدان ودحلب فسجل روسي وتارديلي والتوبيلي ولم يشفع للالمان هدفهم الوحيد الذي سجله بول برايتنر.

وبالتالي فهذه الطريقة هي الأقرب إذا رغبت الفوز على الألمان وتتجنب هزيمة قاسية أمامهم، ولعل الجميع يسترجع معي كل الفرق والمنتخبات التي كسبت الألمان من الأرجنتين في نهائي 86 الى كوريا الجنوبية حين أخرجت الألمان من الدور الأول في مونديال روسيا الأخير، سيجد أن إغلاق المنطقة واستغلال اندفاع الألمان والاعتماد على الهجوم المرتد السريع هو الذي يفك شيفرة الكرة الألمانية ومنتخباتها وأنديتها.

ذات مرة زار نادي هامبورج الألماني الكويت وأتذكر ذلك ونحن لازلنا في المدرسة الموحدة (الأساسي)، وربما كان في العام 80 أو 81 وحينها كان هامبورج بطل أوروبا ويملك جل لاعبي المنتخب الألماني امثال هوربيش وفيلكس ماجات، ومعهم الفائز بالكرة الذهبية الأوروبية حينها الإنجليزي كيفن كيغان، وفي تلك الزيارة قابل منتخب الخليج فتقدم هامبورج بهدف لهروبيش في ظل لعب شبه مفتوح من نجوم الخليج ومن هجمة مرتدة من قرابة منتصف الملعب انفرد بها السهم الملتهب ماجد عبدالله واستطاع تسجيل هدف التعادل فطمع منتخب الخليج وزاد في فتح مساحة الملعب واندفع نحو الهجوم فتلقت شباك الحارس الكبير أحمد الطرابلسي 4 أهداف أخرى لتصبح النتيجة خمسة أهداف ليجري مدرب منتخب الخليج تعديلات وتغييرات سريعة في الخطوط الخلفية ووسط الملعب ومعها نزول الحارس الطائر حمود سلطان الذي أفسد مع زملائه قوة لاعبي بطل أوروبا وكان فيصل الدخيل وجاسم يعقوب في قمة ألقهما وتألقهما فكانت الهجمات السريعة لنجوم الخليج، وتألق دفاع وحارس مرماهم أربك الفريق الألماني واستطاع الثعلب منصور مفتاح أن يسجل هدفا فيما تمكن المرعب جاسم يعقوب من تسجيل هاتريك في مباراة مثيرة خرجت بخمسة أهداف لكل فريق.

حينها إذا ظل نجوم الخليج ومدربهم يلعبون بعيدا عن الواقعية لخرجوا مهزومين بنتيجة ثقيلة وإن كانت مباراة ودية فالألمان لايرحمون في كل الظروف والأحوال، لهذا فما حصل في مباراة برشلونة وبايرن ميونيخ هو نتيجة ماجاء عاليه، فالبرشا دخل معتمدا على سمعته ونجومية لاعبيه ونسي أنه يقابل فريقا له صولات وجولات، أتى من مدرسة كروية لاتعرف مثل ما أشرنا غير القوة والمهارة والسرعة واللعب الجماعي والقتال حتى الثانية الأخيرة من المباراة مع إجادة استغلال ثغرات الخصم واللعب عليها وهذا ماحصل، فالألمان مثل ماقلنا لايرحمون مطلقا لهذا حذاري دائما أن تلعب معهم بالنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى