الأهلي.. أكثر من كده إيه؟

كتب- محمد العولقي

التقط أنفاسك أيها الأهلاوي، وخذ نفسا عميقا فزمن الأهلي مع (موسيماني) بدأ بنصب السيرك للاعبي الوداد المغربي في كازا بلانكا، مع مراعاة فارق الضيافة، فالأهلي مع مدربه الجديد الجنوب أفريقي (بيتسو موسيماني) يراهن على فلسفة مغرية تستهدف تغيير جلد الفريق، من خلال تبني أسلوب لعب يحرض على الهجوم حتى النخاع ..

راقبت أسلوب لعب الأهلي مع (موسيماني) في مباراة الذهاب أمام الوداد البيضاوي المغربي بقرون استشعار فنية عن بعد، فاكتشفت أن هذا المدرب الذي قرأ كتاب الوداد من عنوانه مسحور بالكرة الشاملة، الكرة التي تجمع بين الصلابة والانسيابية الهجومية، أناقة التدوير وشياكة التنوير في شخصية الأهلي، اكتشفت أيضا بحكم خبرتي في مجال تحليل المباريات الصعبة أن (موسيماني) يحرك مفكرته التكتيكية حسب شرط أساسي وضعه الهولندي الكبير (يوهان كرويف) كدستور وسلوك يتناغمان مع الكرة الممتعة ذات الفاعلية الهجومية التي يعشقها الجمهور ..

يبدو (موسيماني) مغرما بلاتينية لعب تحتكم إلى أهم شرط تحتاجه الكرة الناعمة ذات النزعة الهجومية المثمرة، باختصار أحد أهم أساسيات كرة القدم الحديثة أن تتحكم بالريتم وبالأداء من خلال السيطرة على الكرة معظم الوقت، فعندما تكون الكرة تحت سيطرتك وفي مناطق نفوذ الخصم سوف يلهث الخصم وراءك، وفي النهاية سيشعر لاعبوه بالتعب وفقدان التوازن التكتيكي والنفسي، بينما سيحتفظ فريقك بطراوته البدنية وبلياقته النفسية وهذا الأهم، و(موسيماني) أمام الوداد أحسن التدبير فأحدث التغيير، فعندما تكون الكرة مع فريقك تستطيع أن تدير دفة المباراة في الاتجاه الذي تريده، وتفرض شخصيتك على خصمك مهما بدأ متسلحا بسيكولوجية الأرض ..

أمام الوداد وفي ظرف 90 دقيقة أعطى (موسيماني) انطباعا بأنه مهووس بفلسفة (كرويف) البسيطة والصعبة في نفس الوقت، لأنها تتطلب أدوات فنية في العمق، وطاقات بشرية من نوعية فريدة في الجوهر وفي الجينات .. الواقع أن حدسي أصاب كبد الحقيقة عندما توقعت في مقالتي السابقة أن الجزئيات الصغيرة ستكون سلاح الأهلي في كازا بلانكا، ولم يكن هذا التوقع إشارة إلى قدرتي على استجلاء النجوم أو قراءة الكرات البلورية والفناجين المقلوبة، لكن هذا التوقع كان مبنيا على قاعدة أن الحالة النفسية للاعبين مع طريقة الضغط العالي من الأمام إلى الخلف وليس العكس، سيشكلان منطلقا في فكر أي مدرب تحتم عليه أن يخوض مباراة شطرنجية أمام خصم له قدراته التي لا ننتقص منها، انتهت المباراة الشطرنجية بخسارة الوداد لعبا و نتيجة أمام الأهلي بهدفي الجزئيات الصغيرة للمفأجاة السارة محمد مجدي (أفشة) والظهير الكاسح علي معلول ..

أعترف أن (موسيماني) بهرني عندما تبنى شاكلة هجومية ليس لها حدود، بدا لي (موسيماني) عاشقا مجنونا للكرة الضاغطة هجوميا، ولأن مدرب الوداد الأرجنتيني (جاموندي) لم يتوقع مثل تلك المغامرة التكتيكية الكبيرة، فقد سلم ذقنه تكتيكيا لموسيماني وجلس مثله مثلنا يتفرج على لاعبي الأهلي وهم يفتكون بكل (البوديجار) الودادي .. وما فعله موسيماني في الدار البيضاء من سحر وهوس هجومي غير متحفظ، جعلني أتذكر مدرب منتخب فرنسا في منتصف الثمانينيات (ميشيل هيدالغو) الذي تبنى الكرة الهجومية الشاملة وهو يقول :كنت أتمنى أن ألعب بأحد عشر مهاجما ..

وأخشى ما أخشاه أن يطلب (موسيماني) مستقبلا من إدارة الأهلي التعاقد مع أحد عشر مهاجما ليحقق رغبة (هيدالغو) الذي كان واحدا من عباقرة ومن أنصار الكرة الاحتفالية المشحونة بالزخم الهجومي، دون إغفال الجانب الدفاعي بالطبع ..في تصوري أن نقطة التحول التي راهن عليها (موسيماني) تكتيكيا في الدار البيضاء، تتعلق بتموضع اللاعب محمد مجدي (أفشة)، فهذا اللاعب بدا لي مثل قطعة غيار كان يحتاجها الأهلي في العمق لإحداث التوازن التكتيكي وسط الملعب، ولقد كان (أفشة) يؤدي دوره بليونة تكتيكية مزدوجة، وهذا ما أتاح للمدرب (موسيماني) تنويع شاكلته من 4/2/3/1 إلى 4/4/2، والنتيجة أن (أفشة) كان في العمق مثل المنشار (طالع واكل نازل واكل) ..

بالطبع سيكون من باب الارتجال إصدار حكم نهائي على مدرب لم يجف حبر التعاقد معه بعد، لكنني هنا أحدثكم عن الانطباع المبدئي الذي ترجمه (موسيماني) أمام الوداد البيضاوي المغربي إلى فكر جاد لا يمزح ولا يستسهل الأمور حتى ولو بدا فريقه ممسكا بكل خيوط الكرة الجميلة والأنيقة .. أما وقد راحت سكرة مباراة كازا بلانكا بكل حلاوتها وجمال روعتها وبخيالها الخصب، فيلزم على (موسيماني) قبل اللاعبين محاصرة الفكرة، ووضع مليون حساب واحتمال لمباراة القاهرة ..

يعلم كل مدرب حاذق وماهر أن أكبر خطر يواجه أي فريق في العالم أن يتعامل مع منافس جريح بنوع من الثقة المفرطة الخالية من بهارات القلق وتوابل الحنق، و(موسيماني) الخبير بطقوس الكرة الأفريقية يجب أن يحسن التهيئة النفسية للاعبيه ويشحنهم في فلك التركيز والانتباه، لأن الوداد ليس أي طائر يؤكل لحمه دون كفاح وجهد والتزام تام بطريقة اللعب الجادة بعيدا عن المزاح الذي قد يصاحب الأداء أحيانا، وهو ما يعني أن على (موسيماني) توفير محفزات معنوية تستفز لاعبي الأهلي وتحافظ على طراوتهم البدنية، يجب على الأهلي أن يخشى من عدم الخوف الإيجابي، فالفريق الذي لا يكون مستفزا وبلا حوافز معنوية يسيطر البرود على لعبه ويغيب عنه رد الفعل، والأهلي بتاريخه الطويل وشخصيته الأفريقية وعراقته يدرك هذه الأمور جيدا و يحتاط منها كثيرا ..

لاشك أن الأهلي يمتلك الآن زمام المبادرة ويمتلك كل مفاتيح لعبة المصاقرة السيكولوجية في القاهرة، فقط يلزم (موسيماني) التركيز الكلي على تكامل الأدوار التكتيكية، ويبقي مؤشر الروح المعنوية عند الدرجة القصوى، الترموميتر الحقيقي الذي سيتحكم في كل شاردة فنية وواردة تكتيكية، وبهذه الحسابات النفسية والفنية والتكتيكية يمكن للأهلي أن يدير مباراة القاهرة بمزاج أكثر من رائق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوداد سيتمسك بحظوظه كاملة، ولن يتنازل عن قناعاته قيد أنملة ..أتفق معكم أن لاعبي الوداد مجهدون نفسيا وبدنيا والخيارات المتاحة أمام (جاموندي) ليست كبيرة ولا تصنع الفارق، لكن خطورة الوداد الحقيقية تكمن أنه سيلعب مباراة القاهرة ولا يوجد ما يخسره، فليس له سوى أن يلعب للفوز باندفاع روتيني، وهنا يمكن للأهلي أن يبتلع المساحات الفارغة عن طريق الكونتر اتاك، يمكن للأهلي أن يزاوج بذكاء بين الامتداد والارتداد خصوصا وأنه يمتلك لاعبين قادرين على النفاذ من سم إبرة دفاع الوداد بسرعة ومرونة ..

يحذر الكابتن (محمود الخطيب) رئيس النادي الأهلي من توابع الثقة الزائدة، ويطالب اللاعبين بالمزيد من الحذر، وبالكثير من احترام الخصم مهما بدأ في المتناول، وكلام الخطيب كلام جميل وكلام معقول مقدرش أقول حاجة عنه، على رأي الفنانة ليلى مراد، وهذه النصيحة عندما تأتي من نجم كبير مشواره الأفريقي متخم بالمباريات الصعبة والشائكة، فلا بد أن يأخذه لاعبو الأهلي مع مدربهم (موسيماني) على محمل الجد ..

وإذا كان الأهلي قد وضع قدما ونصف في ملعب المباراة النهائية، فإن النصف الآخر لازال منطقيا في ملعب مباراة الإياب بالقاهرة، لذا يجب التعامل مع المباراة دون وضع أدنى اعتبار لنتيجة مباراة الذهاب، يجب أن ينسى اللاعبون حلاوة الفوز في الدار البيضاء وأن يخوضوا مباراة القاهرة وكأن الأهلي مطالب بالفوز دون سواه، كما أن جمهور الأهلي العظيم في مختلف أصقاع وأمصار القرية الإلكترونية المسماة (الأرض) يحتاج من (موسيماني) إلى دليل آخر على أننا نعيش بالفعل زمن الكرة الهجومية الجادة والفعالة، الكرة التي تسلب العقول والأبصار على إيقاع التحدي الأفريقي وتنتصر لحناجر الملايين وهم يرددون خلف أوركسترا (موسيماني) أكثر من كده إيه ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى