عمرو السولية.. نجم الموسم بلا منازع.. لماذا؟!

تقرير / محمد العولقي

بخلاف السيطرة شبه التامة للاعبي الهجوم على الجوائز الفردية عالميا، يمكن اعتبار العام المنفرط عام لاعبي محور الارتكاز ، بالنظر إلى دلالات و تأثير هؤلاء اللاعبين على نسق اللعب و الشاكلات، و قدرتهم على تجسيد المرونة التكتيكية في أبهى صورها ..

يكثر الفنيون المتخصصون من كيل الإطراءات و المديح بحق لاعبي محور الارتكاز الدفاعي، تماشيا مع حقيقة أن الموضة التكتيكية في عصر تضاعفت فيه سرعة كرة القدم ثلاثة أضعاف الكرة القديمة، تستوجب لاعب ارتكاز (مودرن) بمواصفات خاصة تجمع بين القوة و الصرامة و المخ و العضلات ..

يسهب الفنيون و المحللون في الحديث عن الدور الكبير الذي يؤديه أدريان رابيو مع اليوفنتوس الإيطالي ، و يتغنون بالدور الخفي الذي يبرع فيه لاعب (البي إس جي) الإيطالي القصير ماركو فيراتي ، لكن بالنسبة لي كان العام الفارط هو عام لاعبي الارتكاز كاسيميرو مع ريال مدريد، و (عمر السولية) مع النادي الأهلي ..

سأتوقف هنا وقفة إنصاف مع حجر رحى النادي الأهلي (عمرو السولية)، الذي أدخله النقاد و المحللون في مفاضلة ظالمة مع بعض اللاعبين، لاختيار لاعب الموسم الماضي، ولأن الاختيار لا يحتاج إلى فلسفة و إلى استفتاء ماراثوني، كان يجب أن تكون أرقام (عمرو السولية) أساس و أس كل مفاضلة، مع تقديري بالطبع للاعبين الذين برزوا و تألقوا الموسم الماضي، على غرار لاعب الزمالك أحمد زيزو، و لاعب الأهلي الظهير الطائر علي معلول، و هداف بيراميدز عبدالله السعيد ..

لم يكن (عمرو السولية) مجرد معولا دفاعيا مهمته تخريب بناءات الخصوم فقط ، لكنه تقمص أدورا مختلفة في وسط الملعب ، جعلته يبدو حرباء تتلون بكل ألوان المهام التكتيكية الصعبة ، فهو يؤدي أدواره المتنوعة بحنكة و ذكاء، لأنه لاعب نادر يزاوج بين القوة و الصلابة و الليونة و الهدم و البناء، بصورة تثير الإعجاب و التقدير معا ..

يمكنك أن تضع (عمرو السولية) أولوية قصوى في وسط الملعب ، بدونه يهتز البناء الفني، و يتصدع البناء التكتيكي، ويختل ميزان التوازن بين خطوط اللعب ، هذا لأن (السولية) يربط كل هذه الخطوط بحنكة، و يتحكم في إيقاع اللعب بتسريعه عند الضرورة و تخفيضة عند الحاجة بذكاء نادر، وبدون (السولية) يفقد الأهلي دورين حيويين للغاية ، دور تكسير بناءات الخصوم من العمق، ودور بناء الهجمة و إحيائها عند الاسترجاع من الخلف ..

يختلف (عمرو السولية) عن جميع لاعبي الارتكاز في الدوري المصري، ليس لأنه لاعب موهوب فقط، يتكيف مع مختلف الأدوار بذهنية عالية، ولكن لأنه فنان يتحول إلى شاعر و رسام عندما يساند في الهجوم و يؤدي دور قائد البناءات الهجومية، و صارم و متوحش سريع البديهة في التوقع، فيقوم بواجباته الدفاعية على أكمل وجه ، كما لو أن له عينين ثاقبتين ، عين في الأمام ترصد مواقع زملائه، فيمرر بالسهل الممتنع عند التحول من الصيغة الدفاعية إلى الصيغة الهجومية، وعين في الخلف تضبط و تحلل و ترصد نوايا مهاجمي الفريق المنافس، فيكون دائما في المكان و الزمان المناسبين، إنه عملة تكتيكية ليس لها مثيل ، و لاعب ارتكاز مذهل بحق، لا يعرف قيمته وفائدته القصوى إلا فرسان الحذق التدريبي، ممن يمتلكون حدسا رفيعا في قراءة تفاصيل المباريات تكتيكيا ..

بالنسبة لي، يعد (عمرو السولية) الترمومتر الحراري للفريق الذي يحدد منسوب عطاء الفريق في كل مباراة، ولولا هذا اللاعب لنامت الكثير من المعادلات على رصيف البطالة، و لتعطلت آلة الوسط و كفت عن النبش في العمق و في التدفق إلى الأمام..
نظرة خاطفة على أرقام (السولية) الموسم الماضي ستضعه في المكانة التي يستحقها بين كبار لاعبي الارتكاز في العالم، و تابعوا ..

خاض (السولية) مع الأهلي الموسم الماضي 33 مباراة ، سجل ثمانية أهداف حاسمة، وقدم خمس تمريرات حاسمة، وهي نسبة تعتبر مرتفعة للاعب ارتكاز دفاعي، وليس لاعب وسط مهاجم ..
يمتلك (السولية) مؤهلات خارقة للعادة تفرضه متفردا بين جميع لاعبي محور الارتكاز ، فهو يتميز بالصلابة الدفاعية، وبقدرته الفائقة على تبديل أدواره بحس تكتيكي يحسد عليه حقا ، تجده في الدفاع يقاتل بألف سيف و ألف غمد و ألف رمح و كأنه مقاتل من العصور الوسطى ، ثم تجده شاعرا و قارئا رومانسيا جيدا في الوسط عندما يتطلب الأمر أن يؤدي دور صانع الألعاب، و أحيانا تجده مهاجما يؤدي الزيادة العددية في منطقة جزاء الخصم، فيتحرر من كل رادارات الرقابة، ويوقع على أهداف ثمينة و غير متوقعة ..

من العدل أن يكافأ (السولية) على عامه الاستثنائي مع الأهلي باختياره لاعب العام بلا منازع ، فقد كان (السولية) بقدراته و مهاراته و حدسه الرفيع البوصلة التي أرشدت سفينة الأهلي إلى شاطئ الثلاثية التاريخية في عام أحمر الهوى و الهوية ..

و (عمر السولية) ليس لاعب ارتكاز كلاسيكيا تقليديا، يؤدي فقط دور الجندي المجهول في عمق وسط ميدان يضج بالكثير من الثوابت الفنية و المتغيرات التكتيكية ، لكنه لاعب يجسد عقلية كرة القدم الحديثة التي تتخذ من السرعة منطلق و مستقر لها، فهو لاعب متعدد المهام ، مرة ينصب خيمة تفتيش جمركية لمنع تسلل الخصوم إلى منطقة الجزاء ، ومرة يتحول إلى منشار حقيقي (طالع واكل .. نازل واكل) يمنع أي مهاجم من استنشاق هواء منطقة جزاء الأهلي ، و مرة ثالثة يطلق العنان لمواهبه في رصد تموضعات زملائه ، فيؤدي دور صانع الألعاب بمهارة فائقة ، و عندما تتعقد الأمور على مهاجمي الأهلي في المباريات المغلقة، يظهر (عمرو السولية) كبدر مكتمل في الليلة الظلماء، فيحل كل الإشكاليات التكتيكية المعقدة في رمشة عين ..

ولهواة الاستفتاءات البعيدة عن العقل و المنطق أقول : إنكم تنتصرون للباطل و ترتكبون حماقة حين تضعون (السولية) في كفة المفاضلة، دون النظر إلى مقومات اللاعب و خدماته الكثيرة و أرقامه التي لا تكذب و لا تتجمل، وهو اللاعب الذي كان ثابت المستوى طوال الموسم الماضي، و اللاعب الذي يمثل ثقلا تكتيكيا كبيرا في وسط ميدان الأهلي و المنتخب، و اللاعب الذي صال و جال و حقق الفارق في معظم مباريات الأهلي الصعبة محليا و أفريقيا ، امنحوه لقب نجم الموسم دون تردد، ودون إقحامه في مزاد مفاضلة مع لاعبين يعترفون بأنه كان (بريمو) الموسم الماضي على بساط الجدارة و الاستحقاق، و على رأي المعلق الكروي الكبير ميمي الشربيني : (السولية) يا جماعة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى