الأهلي .. اغبطوه لا تحسدوه ..!

كتب: محمد العولقي

قف يا زمن للأهلي ووفه التبجيلا، قف قليلا ودعنا نبكي فرحا لملحمة عربية صنعها النادي الأهلي مرة و مرتين و ثالثة الأثافي قادمة لا محالة ..

قف يا زمن و كن شاهدا على (أيزو) الأهلي، كن شاهدا على شهادة دولية تتيح لحبيب الملايين مزاولة عمله الإداري عالميا بقريحة شاعر، كأول سبق في أفريقيا و آسيا و وطني حبيبي الوطن الأكبر ، هذا هو الأهلي يأتيك دائما بالمجد و الأمجاد في عز محنتنا العربية، وفي أوج ضعفنا و انكسارنا، لا صوت يعلو فوق صوت الأهلي، إن لاح إنجاز جديد في أفق الملاعب زالت عنا كل المتاعب، و إن لاح برقه الأحمر الفيروزي في ليل عروبتنا الدجي أنار ما بين السماء والأرض، هذا الأهلي في عصر الكابتن محمود الخطيب، ما إن يخرج من حفلة صاخبة، حتى يولج هودج زفة جديدة من ألف ليلة وليلة ..

مع (الأيزو) تطاول بنيان الأهلي، ارتفعت هامته عالميا، سهر الخطيب الليالي في صمت، فجاءه العلا نورا يسعى بين يديه ليفجر كل ظلام الترقب و الانتظار، يوم وراء يوم أمجاد الأهلي تكبر و تتضخم و تتمدد على صدر كل عربي، نادي القرن في العقد الثاني من الألفية الثالثة في أفريقيا و الشرق الأوسط، و الثاني عالميا خلف نادي ريال مدريد الإسباني بفارق ضئيل للغاية، و الآن مرتبة (أيزو) العالمية بامتياز، سترفعون رؤوسكم عاليا، و سترون الأهلي كوكبا يدور في فلك كواكب من وزن ريال مدريد وبرشلونة و مانشستر يونايتد و ليفربول و يوفنتوس لن تخجلوا بعد اليوم من تلك المقارنات..

وقف الكابتن محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي شامخا كفارس عربي أصيل و هو يتقلد وسام (الأيزو)، شعرت أن شلالات الغبطة و السرور و الحبور تتدفق من مساماته لتغرق كل بقعة في مصر و الوطن العربي ، أحسست أن الفرحة تتفجر من قفصه الصدري و تتطاير شظاياها نحو وطن عربي مثخن بالجراح، يرى في الأهلي سحابة فرح تمطر على شرقنا الأوسط الملتهب بأحداث تراجيدية مؤلمة للعين لتحيي زرعه و ضرعه وعطش أرضه، هذا هو الأهلي في عهد محمود الخطيب لا يسأم من مطالبنا، ولا يمل من أمنياتنا، لا يشكو من وزن أحلامنا الثقيلة على كاهله، يقف على بوابة الوطن العربي كقمر ينشد للنجوم ملحمة حمراء لم تنته على أساس أن أجمل أيام الأهلي لم نعشها بعد ..

نعم أيها النجم الأسطوري، يا من كنت فريقا كاملا باحتياطييه، ومنبعا للفن الكروي النبيل، هذا عهدنا برجالاتك في مجلس الإدارة، العمل على تطوير الجانب الإداري في ترو و بخطوات مدروسة و موزونة، و التحرك الإنشائي رأسيا و أفقيا في ثبات و تواضع دون ضجيج أو أبواق دعاية ، لستم يا رجال الأهلي من النوع الذي يشطح و ينطح إعلاميا، لستم من هواة أقطاب الأبهة الذين غرهم سراب المكاتب، و ازكمت أنوفهم رائحة رسومات الورق، أنتم فرسان الميدان، أبطال النهضة الحديثة ، رموز العالمية ، موطن لحضارة رياضية جديدة شبت عن الطوق، فخرجت إلى النور تزغرد في فضاء العالمية بكل قوافي و أوزان وبحور الشعر الأصيل، أنتم من تطيرون بنا على بساط أحمر نحو حلم وردي لا يسكن غير ثريا مصرية جميلة ملأى بضوء الليلك، أنتم هكذا يا فرسان الحضارة، يا من جعلتوا لرياضتنا العربية معنى و مبنى و مغنى، أنتم القمة و القيمة و المقامة، أنتم الحق الصارخ الذي نعترف به عند اشتداد موسم العواصف و لحظة تشفير العواطف ..

تأتون إلينا من كل فج عميق، تخرجون من مسلات التاريخ فاتحين على ضفاف ذات الصواري، تصغون دائما إلى نيلكم العظيم وهو يقول : تجددوا يرحمكم الله، ثم اعطوا ظهوركم للترعة..

أنتم هكذا، صلاة استسقاء تحملها سحبكم الحمراء التي تمطر على رؤوسنا عزة و كرامة، أنتم أصل حروف الهجاء ، و منبع لغة الضاد، أنتم القصيدة التي لم تكتب بعد، و أنتم الدر الكامن في أحشائنا، أنتم من ترسو سفن خيركم على ضفاف قلوبنا و حبال أصواتنا و تموجات حناجرنا ، أنتم نحن ، و نحن أنتم، ، صرت لا أعرف الفرق ما بيننا، هل نحن الأهلي أم أنتم ..؟ آه إنها كيمياء الحياة، جسد واحد ينبض بقلب أحمر الهوى و الهوية ، فهل لنا أن نصادر فرحا هو فرحنا و عيدا هو عيدنا ..؟

هل لنا أن نسأل الرمز محمود الخطيب عن العشق و الهوى و الانتماء و الحب الصارخ في زمن العواطف المشفرة و الثراء الاحترافي الباذخ ..؟

لا يهم، فأنتم يا مهجة الروح انتبذتم جانبا بعيدا عن عراء الحاسدين الناقمين الذين يعيبون على الورد أنه أحمر الخدين، ففاضت يمينكم ألقابا عالمية طافت كل البقاع و المرتفعات، وهي تحمل الختم المصري غير القابل للتقليد ، عرفناكم منذ نعومة أظفارنا مهبطا للوحي الإداري المنغم ، تبتكرون و تخترعون و تتفوقون و تغنون لفارسكم الشطرنجي : قد يكون الغيب حلوا، إنما الحاضر أحلى ..

عندما تسلم محمود الخطيب شهادة (الأيزو) انتصب كقامة أبي الهول، هرم مصري رابع يشيده الخطيب مطرزا بكل ألوان قوس قزح و حوريات البحور،  تدفقت الصور من عينيه بانسيابية و بأسلوب السهل الممتنع، فالخطيب لم يكن يحتاج إلى هوية تقديم في ليلة تنصيب الأهلي في مصاف أندية (سوبر ستار)، فلو قال وقتها : أنا محمود الخطيب، لتوقفت عجلة الزمن عن الدوران (فيمتو ثانية)، و لما أحتجنا لأكثر من ذلك لمعرفة عملية التفاعل الإداري الخلاق داخل القلعة الحمراء،  ولما سأل الذين يجهلون هوية الأهلي كيف يختزل الأهلي قرنا كاملا و يسبق في ابتكاراته هوليود الأمريكية التي تنتج لزعيمة العالم زرعها السينمائي..؟

نعم أيها المصريون من أهلاوية و زملكاوية و إسماعيلية و اتحادية، أنتم الآن تلتئمون في جسد إنجاز  مصري غير مسبوق بنكهة أهلاوية، أنتم الآن خارج حسابات التعصب، و خارج نطاق الغيرة العمياء، الأهلي حقنا و حقكم، ولكم أن تغبطوه على إنجازه الجديد و لا تحسدوه، ستركلون كرة التعصب إلى الأوت، سيعانق الزملكاوي الأهلاوي بروح رياضية،  سيبارك هذا الاستحقاق الكبير ، لأنه بذلك يفتح للكرة المصرية ثغرة للنور يمكن للزمالك و غيره الاهتداء بها، ستهتفون لمن خبأ الفرحة في قلوبكم إلى الوقت المناسب، ستتعانقون و ستهتفون للأهلي الذي جعل لكم قوة أبصار حمراء تتوارى أمامها قوة أبصار زرقاء اليمامة خجلا و كسوفا ، فقد عرفناكم منذ هبط الإسلام دينا على أرض الكنانة دعاة سلام، دعاة رحمة، ولاكم الله على فسطاطها فعمرتموها، و ملأتم السموات المفتوحة بهديل  الحمام، و تراتيل صوت الحق (حي على الصلاة .. حي على الفلاح) ..

أنتم هكذا يا أبناء محمود الخطيب تدخلون قلوبنا في بساطة السهل الممتنع، نعيش تحت جلودكم، نشهق و نزفر من رئاتكم، ننام ملء جفوننا عن شواردها داخل مآقيكم، تسهرون على حلمنا و لا تختصمون ، تفتحون أشرعة التفوق على شواطئ قلوبنا، تقاسموننا حياتنا بكل حمولتها و قتامتها، أنتم السواعد التي تشتد وقت الهجير، أنتم ترياقنا وقت الملمات ، و لقاحنا وقت الأزمات ، أنتم لسان يلهج رحمة “رب اجعل هذا البلد آمنا “، الأهلي هو الأصل و الفصل، خلق لتطارده الألقاب ، و وجد فقط لتتزين به النياشين و الأوسمة وتتشرف به أرقى الشهادات العالمية، هو ذلك الكنز الأكثر بريقا من كنز قارون النائم في بحيرة ناصر، هو الطيف الفرعوني الذي يحتفظ بأسرار البقاء و الخلود في تجاويف العظمة الى ما شاء الله ..

كابتن محمود الخطيب أكرر لعل التكرار يعلم الشطار، بالأصالة عن نفسي أزجي لك و للأهلي تحية خاصة من موروث سبأ التي لم تقطع أمرا حتى يشهد أهلها بذلك، و أخص أهلي مصر و أهلي اليمن و أهلي الوطن العربي مقامة فرائحية تليق بأهلي العزم و العزائم و أهلي الكرم و المكارم، و الفضل دوما للمتقدم ..

ولأن صحافة التعصب في مصر تعددت فيها أنماط السلوك السلبي، ولم تعد تفرق في خضم إنجازات الأهلي المتسارعة بين الحرية الشخصية و الحيلولة دون إلحاق الأذى بحقوق الأبطال، أرغمتني شهادة (الأيزو) الأهلاوية الحمراء الفاقعة على تدوين إلياذة تخلد هذا الحق ، فهذا الإنجاز الجديد لنا جميعا، و من الغباء أن نسمح لقراصنة الاضطهاد المزعوم التشكيك في حقنا أو التقليل من شأنه ..

لا أدري، لقد وقف شعر رأسي و محمود الخطيب يختال ضاحكا وهو يلتقط صورة للذكرى مع شهادة الاستحقاق العالمي، كانت لحظة فارقة في تاريخنا العربي المعاصر، بارقة أمل تجسد حلمنا العربي من المحيط إلى الخليج، شعرت و محمود الخطيب يؤكد أن البطولات لا تأتي على طبق من الأماني، بل تؤخذ غلابا بحسن العمل و السيرة و السلوك، شعرت بنشوة ذلك الحلم العربي يزكم أنفي مجددا و يدغدغ مشاعري، لقد زالت الحدود بين العرب، و ألف هذا الإنجاز بين قلوبنا فارتفعت الأكف و الأيدي في كل الدول تلتهب بتصفيق حار لفارس كل القرون أمس و اليوم و غدا، ومن غيره يستحق هذا الخلود، إنه أهلي زمانه ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى