فائز 67 .. الحب كله!

كتب- محمد العولقي

ما رأيك في باقة زهور حمراء قطفتها من بستان قلبي.. حيث تسكن روحك جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ..؟أعرف أنك تعشق الورد الأحمر بالذات، منذ أن كنت جناينيا في حديقة الأهلي الغناء.. الورد عندك بهجة.. والزهور عندك مهجة.. سأصوب نحو قلبك الأبيض قنبلة ورود وزهور قطوفها دانية.. لكن ما جدوى أن نرميك برومانسبة بعيدة المدى .. وأنت خير من يعلمنا الرماية نحو شباك الإنسانية ..؟

فرصة في عيد ميلادك السابع والستين أن أبوح لك بالسر .. أنت دافئ المشاعر.. ملتهب الجوانح.. دائما الخير معقود بنواصيك.. منذ أن رضعنا رصانة حروفك.. وأنت تتجول في أقفاصنا الصدرية كنسيم عليل مشبع برائحة النيل.. ننمو بطيبتك.. ونشب على أخلاقك .. ونسمو مع زهدك وقناعتك .. سأدنو قليلا من تضاريس سماتك وأخاديد بركاتك ..أنت صديق وقت الضيق .. صديق نبيل العطاء كالبحر تماما .. نزوره كلما ضاقت بنا الآلام .. نسامرك .. نبوح لك .. نلقي بظلنا على قلبك .. ولا نغادر إلا وقد انزاح همنا .. قد لا نبوح لك أحيانا بشيء .. لكنك رادار يكمن في العيون .. هواك غلاب .. تبتسم ثم تمضي .. وتدور بك الأيام ما بين بعاد وخصام .. فجأة تزهر موازينك .. تنبت كل يوم شجرة يكاد زيتها يغشي الأبصار ..

فرصة مواتية للخلاص من تركة الشوق إلى روحك الحالمة.. حيث تحوم حول قلوبنا كنحلة حمراء ليس لها إلا الورود والزهور لتصنع لنا رحيقا مختوما ختامه مسك .. ماذا عساي أن أهديك أستاذ فائز عبدالهادي في ليلة عيد ميلادك ..؟، أنت أكبر من كل مفردات القاموس المحيط .. وأغلى من الميزان الصرفي لمختار الصحاح .. يكفي أنك في داخلي نعمة باركها الله لتزهر وسط قلب ربيعي يلوذ بدفاك كلما حل الصقيع ..

بصرت وفكرت كثيرا لكنني عجزت عن قراءة فنجانك .. ربما لأنك دائما تبدو لي كتابا لا يقرأ إلا من العناوين .. وربما لأن بساطتك وتبسطك أصعب من أن يحتويهما معجم تخلد سيرة قلب أرهقته الصبابة والجوى .. أنت نادر بالفعل لأنك تعيش لأجل غيرك .. تنام ملء جفونك عن شواردها تحت ظلال الدوحة .. وتسهر الخلق طربا وشغفا وولعا ..

سبعة وستون عاما .. وأنت ظاهرة إنسانية رفيعة المقام .. لا تخاصم .. لا تزعل .. لا تغضب .. ولا تتذمر .. نجلدك بتأوهاتنا ولا تتألم .. نثقل كاهلك بنرجسيتنا ولا تتكلم .. نسكب الكثير من حبر العقوق على بساط قلبك الأبيض .. ولا تشكو .. أو تتبرم .. مشاعرك في خدمتنا .. أحاسيسك لنا .. شرابك .. مأكلك .. مأواك لغيرك .. فأي طيف أنت يا هذا القزاح المنغم بالوفاء .. والمثخن بمراوغاتنا وعقوقنا ومقالبنا الصبيانية ..

في مصر المحروسة نمت سنبلتك .. أسقتها (فريال) ضحكات ودموع وابتسامات .. وأطعمتك إيثارا وحبا ونبلا كامل الدسم .. كتبت سيرتك الأولى بنبض الوفاء .. شبيت عن الطوق .. ترعرعت وكبرت والصراط المستقيم طريقك .. مرت أجيال وأجيال على صحراء قلبك .. مروا على زهر القرنفل تاركين أزيز نحلة .. وعلى شبابيك قلبك رسموا بأعينهم أهلة .. رحلتك مضنية .. وكأنك كنت تفتش عنا في كل مكان .. تسأل هناك موج البحر .. وتسأل هنا فيروز الشطآن .. لا أحد يقرأ أحزانك مثلي .. لا أحد يئن لأنينك في الغربة مثلي .. أعرف تماما أنهم جحدوك .. تنكروا لك .. هجروا ربيعك الفائض بالحكمة .. قاطعوا منتجات مزرعة قلب يكتنز فاكهة و أبا .. وأعلم أن دموعك فاضت أنهارا .. فهذا الذي خرج من صلبك يغني للطير المسافر .. سيسأل .. ماذا أهديك في عيدك السابع والستين ..؟

أدري أنك تقاوم شلالات التوجس بضحكة أنغامها ورود حمراء .. لكن أحزانك التي تسكنك وتسكنها تحفر في أعماقك جرحا غائرا .. كل عام وجرح غربتك بخير .. أدري أيضا أنك تكابد هاجس التقاعد .. تنهض من بين ركام مخاوفك كالفنينيق .. يشتد ساعدك و(محمد) يتمدد يوميا على مساحة صدرك .. كيف له أن يحمل أمانة رجل عصامي مثلك .. مشاوير مرسومة لخطاوينا في غربة ليالينا .. هكذا كانت حياتك الزاخرة عطاء ليل طويل أرخى سدوله و ناء بكلكل .. من مشوار إلى مشوار .. ومن خطوة إلى خطوة .. رمش الصحافة الرياضية خذ لياليك .. وها أنت تلقى قلبك بعد غربة يوبيل ذهبي كامل يدق في عنف .. وكأنه يلح على البقاء في كنف نجوم عشقتهم وعشقوك .. عارف ليه .. من غير ليه ..

لماذا أنت فائز بيننا .. متفرد بيننا .. أجيال وراء أجيال تبجلك .. تجلك .. تصفق لك .. تحتويك حد الالتصاق ..؟، أجيب نيابة عنك في عيد ميلادك : أنت متفرد بيننا .. لأنك تسودنا بأربعة وجوه لقمرك الهادي الفائز بين دروب الخنس و الجوار الكنس : الأدب .. والعلم ..والعفة ..والأمانة .. هذا أنت أدب في الأخلاق وفي المبادئ والقيم .. علم في البساطة وفي فن التواضع .. عفة في قناعتك .. وفي زهدك .. أمانة في كلامك .. في أعمالك وعلاقاتك .. في فلتات لسانك .. وفي آثار يديك ..

مهلا فائز .. هناك المزيد لأوجه القمر في عيد ميلاده السابع والستين .. فؤادك الرحيب معبد للجمال .. عزلتك مثل محراب تلوت فيه الصلاة في خشوع الظلال .. ثم تحرق البخور وتضيئ الشموع .. دموعك دائما جواز سفرك نحو مسقط رأسك .. وابتساماتك تذاكر طيران إلى خلانك ومعابد الاشتياق .. هكذا أنت تمشي كما شئت بين المروج .. وتقطف ورد الربى في رباه ..الورد صديقك .. توأم يومك .. تميمة حياتك .. أنت بيننا تتكلم بلغة الأرواح .. تناجي ليلك العاري في خشوع .. فيصل ابتهالك إلى عقولنا .. مسيرة طويلة شاحنة بالزفرات ومشحونة بالتأوهات ..

من قال إنك لم تشبع من خبز الغربة .. أنك هناك تلعق الفراق .. تكتم أنفاس آلام التبرز .. موحلة هذه الغربة التي لا تود أن تضع أوزارها بعد خمسين عاما من الاغتراب الفكري والروحي .. لكنك دائما لا تستسلم لرائحة المطارات التي تزكم أنفك .. يضيق صدرك ولا ينطق لسانك .. نحن نراك وطنا لنا .. ظلا نحتمي به .. قبسا نهتدي به .. قمرا لا يخسف .. ونجما لا يأفل ..

أستاذ فائز .. وأنت محاط بأسرتك الصغيرة في الغربة .. وتستعد لاستقبال سنة أخرى في كعكة التوهج ..نحن محبيك في أمس الحاجة لقراءة سيرتك استنادا إلى الآية القرآنية “فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” .. وأنت يا فائز فاض نيل عطاياك وهداياك .. واسمح لنا أن نهديك ما تحب .. ورود وزهور حمراء نقتطفها من غربة ليالينا .. لتصل إلى واحة قلبك في ليلة ترحيب بعام جديد يضاف إلى رصيد لياليك .. وكل عام أستاذ (فائز عبدالهادي) وأنت الحب .. الحب كله ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى