قطر والسعودية تنتصران للهوية العربية

كتبت- ترياء البنا

منذ الإعلان عن فوز ملف قطر باستضافة نهائيات كأس العالم 2022، قبل نحو 10 سنوات، تعرضت الدوحة لحرب عالمية هوجاء، لم تتوقف عند الغرب فقط، وإنما وللأسف الشديد، شملت أيضا بعض العرب، حيث شككوا في قدرة قطر( الدولة العربية المسلمة)، على تنظيم مثل هذا الحدث الأكبر على مستوى العالم، وهو الأمر الذي لا يمت للمنطق بصلة وإنما كما نعلم جميعنا، أنه يأتي من منطلق انحياز عنصري ذات طابع سياسي أو أيديولوجي، بأن العرب ليس لديهم الخيرة أو الإمكانيات لتنظيم فعالية عالمية.

مرت السنوات، ولم تنجر قطر إلى حرب المناوشات الإعلامية، أو الرد على الاعتراضات الرسمية، لكنها تفرغت لتجهيز الرد القاتل على أرض الواقع، والذي ظهرت بوادره مع تنظيم كأس العرب، إلى أن جاء اليوم الموعود، الذي انتظرناه وأيادينا على قلوبنا، ودعواتنا بأن ينصفنا الله أمام الغرب الذي ينظر إلينا بعجرفة وغطرسة لا أساس لها سوى أننا من منحهم إياها، ومع استمرار لحظات الحدث ومنذ البداية، جاء لسان حالنا ليعلنها بصوت مسموع: لقد فعلتها قطر، فعلا ترجم العمل الكبير إلى حقيقة مادية أخرست كل ألسنة اللهب من الداخل قبل الخارج.

نجاح منقطع النظير لقطر، أول دولة عربية ومسلمة تستضيف مونديال العالم منذ انطلاقته في 1930، يؤكد أن العربي ليس عاجزا، وأنه قادر على فعل كل شيء وبإتقان غير مسبوق، وهو ما أعطى نسخة 2022 زاوية نظر أخرى، حيث إن الأمر لم يقتصر فقط على مباريات كرة فيها الفائز والخاسر، وإنما تخطى ذلك إلى تكثيف وتجميع صراعات ثقافية.

في مونديال العرب، شاهدنا أعلام فلسطين حاضرة بقوة تجسد قيمة القضية الفلسطينية لدى كل العرب، وليس العرب فقط، فقد شاهدنا احتفال جماهير البرازيل بالفوز على صربيا وهي تحمل العلم الفلسطيني، وهنا لا يسعني إلا أن أقول: شكرا قطر، لقد أظهرت طرقا جديدة للتعامل مع أقدس قضية عربية، خاصة إذا كانت دولة الاحتلال أول المهاجمين لاستضافة الدوحة للبطولة.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل نجحت قطر باقتدار في فرض سيطرتها وأظهرت قوة كبيرة في دحض كل ما هو مشين لتاريخنا، حين منعت دخول مشجعي إنجلترا بملابس تحمل شعار الصليبيين، وكذلك منع ارتداء البعض شارات استفزازية للمسلمين وقيمهم، والعجب العجاب أن نرى وزيرة داخلية ألمانيا ترتدي تلك الشارة، في محاولة لفرض قيم الغرب اللاآدمية في بلادنا، وهم الذين يأمرون العالم بأن يحترم قيمهم مادام على أرضهم( تناقض مستفز يعكس مدى كرههم للعرب)، كما أن ألمانيا كانت في مقدمة المعارضين لإقامة البطولة في قطر، وأعلن هانز فليك أن ألمانيا إذا حققت اللقب فلن يحتفل في قطر، ولكن قطر نجحت في الانتصار للهوية العربية وفرضت الاحترام على الجميع لكل ما يمت للثقافة العربية والإسلامية، ليس هذا فقط، ولكنها عملت بشكل يفرض علينا رفع القبعات لها، على استقطاب أصحاب الديانات الأخرى إلى الإسلام، فقامت بدور أساسي للمسلمين تخلوا عنه لقرون طويلة.

وعلى الجانب الآخر، والذي لا يقل شأنا عن سابقه، نجحت السعودية ولأول مرة في الفوز على الأرجنتين، والتي تمثل بمعنى آخر ليونيل ميسي، وحطم لاعبو الأخضر السعودي( العرب)، أسطورة ميسي، وهذا في حد ذاته يمثل بعدا ثقافيا آخر، لأن معظم شباب العرب يعتبرون ميسي ملهما ويرونه أيقونة، يعلقون صوره بغرفهم، ويرتدون قمصانا تحمل صورته، وصورته تتقدم بروفايلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فجاء العربي المسلم وقدم بديلا أو على أقل تقدير نجح في زعزعة صورة ميسي داخل مخيلتهم، حين تفوق عليه وبكل جرأة وشجاعة، بل وظهر بصورة أجبرت العالم كله على الاعتراف بقدرات العربي وإمكانياته.

باختصار.. نجحت قطر بامتياز خارج الملعب، في تنظيم كأس العالم، منتصرة في كل خطوة ومع كل يوم للهوية العربية، ونجحت السعودية داخل الملعب في تحطيم أسطورة عششت في عقول شبابنا لسنوات، فارضة شخصية عربية قادرة على فعل ما توهمنا طيلة السنوات الماضية أنه مستحيل، شكرا قطر، شكرا السعودية، لقد انتصرتما للثقافة والهوية العربية باقتدار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى