“شيزوفرينيا” رياضتنا

بقلم- سالم ربيع الغيلاني

تعاني رياضتنا من حالة انفصام حاد للشخصية؛ فالأندية التي يجمع ممثلوها على اختيار مجالس إدارات الاتحادات الرياضية هي ذاتها من يشكو من تواضع أدائها! والجماهير التي تنتقد بشدة ضعف جمعياتها العمومية وسوء اختياراتها -لاسيما القدم- هي من أتت بممثلي هذه الجمعيات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والغريب في الأمر أن هؤلاء جميعهم يعيدون ارتكاب الأخطاء ذاتها كأنهم يعيشون في دوامة زمنية تعيد الأحداث نفسها مرارًا وتكرارًا.

في غالبية دول العالم الفاعلة رياضيًا تدخل المصالح الشخصية في العملية الانتخابية أيضًا؛ فعندما تقرع أجراس الانتخابات نجد قليل الكفاءة يتفوق في العديد من المناسبات على من هو أكفأ منه؛ لكن الفرق بيننا وبينهم أن لدى أولئك حدودًا يحرصون على عدم تجاوزها، وجميعها قائمة على ضمان تحقق المصلحة العامة وعدم الإضرار بها، فلا يمكن بحال من الأحول أن يأتي المصوتون بشخصيات تفتقد للقدر المطلوب من الحنكة الإدارية أو الفنية لقيادة كياناتها الرياضية؛ لأنهم يعلمون أن ذلك سيعد خروجًا عن السياق المرسوم، وتعديا صارخا على المبادئ الأخلاقية التي تقوم عليها الرياضة، وهدرا كبيرا للجهود ووأد للأحلام والطموحات؛ لذلك هم يعتمدون في خياراتهم على مفهوم النسبة والتناسب؛ حتى لا تأكل نتائج خياراتهم مكاسبها.

أما ما يحدث لدينا فهو حالة غريبة يصعب توصيفها، فالقائمون على رياضتنا والفاعلون فيها جميعهم يرون مكمن الخلل ويدركون تشخيصه لكنهم بدلا عن معالجته يقومون بتأصيله وتمكينه. إنهم ملوك التناقضات تسكنهم “شيزوفرينيا” عجيبة فلسانهم ينطق بأمر وأفعالهم تأتي بأمرٍ آخر، والفاشل لديهم مسكين، والناجح متعجرف، والمتطلع للتغيير متهور، ومن يحارب الخطأ ويتصدى له متكبر. لهم معايير خاصة جدًا لتقدير الأمور تشبه المعايير التي تحرك تلك الكائنات الليلية الصغيرة تجاه اللهب بحثًا عن دفئ لحظي يعقبه احتراق مميت. أغلبهم مسكون باللحظة وما تجلبه لهم من فتات المصالح دون إمعان التفكير فيما يليها؛ لذلك رياضتنا متأخرة وغير قادرة حتى على السير في آخر الركب.

العالم يتغير وهناك “تسونامي” رياضي هائل ضرب العديد من دول المنطقة فدمر الأفكار السائدة وجرف مده جميع الثوابت والرواسخ القائمة ليؤسس لواقع جديد قائم على الابتكار وتغليب المصلحة العامة للرياضة دون الالتفات للشعارات الرنانة التي ما فتئت تجر الرياضة لعصور الظلام والجاهلية؛ كجاهلية “الخصوصية العمانية” التي أصبحت وسيلة مسؤولينا لتبرير عجزهم وقلة حيلتهم في مواكبة ما يحدث حولهم في العالم الفسيح، ففي الوقت الذي ترصد فيه بعض دول الجوار مليارات الدولارات للنهوض برياضتها تجمد أنديتنا نشاط أهم لعبة عرفها التاريخ من أجل رأب صدع ديونها الذي يتسع باستمرار ناهيك عن الألعاب الأخرى التي تعيش حالة موت سريري في أغلب أنديتنا.

الأنظمة الرياضية حولنا تبتكر الوسائل لمنافسة العالم ونحن نبتكر الوسائل من أجل مواصلة التنفس وعدم الموت اختناقًا!

سوء الاختيار وضعف التمويل حبال تلتف حول رقبة كرة القدم المحلية وبقية الرياضات، ورغم أن المشكلة واضحة وعلاجها أكثر وضوحًا؛ إلا أننا مصرون على تكرار نهجنا والمضي فيه.

خياراتنا قائمة على هذا أحب وهذا أريد، دون النظر إلى الكفاءة كعامل رئيسي في تحديد من يصلح لهذا المنصب أو ذاك، ودون الاعتراف بأن التمويل المناسب هو بوابة النجاح في زمن مادي جدًا لا يعترف إلا بالبذل؛ لصناعة التغيير وخلق فرص النجاح والتفوق. وحتى يعي من بيده القرار هذا الأمر سنظل ندور في دوامة وضع الخطط والاستراتيجيات التي تستمر سنوات طويلة حتى ترى النور، بينما يكون العالم خلالها قد قفز قفزات هائلة في عصر باتت كل لحظة فيه أمًا يخرج من رحمها عشرات الأفكار والمنجزات والمتغيرات.

شعار هذا أحب وهذا أريد لن يجدي نفعًا في زمننا هذا، وعلينا أن نتجاوز معتقدات الأمس “وهذا ما كان عليه أباؤنا” واعتناق معتقدات اليوم والرضوخ لمتطلباتها بما يتناسب مع تطلعاتنا ويحقق أهدافنا” أما إطلاق الشعارات المنادية بالتغيير والتحديث في حين أن واقعنا يكذبها جملة وتفصيلا فهذه “شيزوفرينيا” لا يحتملها وضعنا الراهن، وستجعلنا نغرد بعيدًا.. بعيدًا جدًا عن السرب بكل ما يحمله هذا المعني من سلبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى