كريم بنزيما.. رحلتي من الشك إلى الإيمان

تحليل- أحمد مختار

يتعادل فريقه أو يخسر، يضيع فرصة، اثنتين، وثلاث، بنزيما فاشل وعالة وكيف يلعب في ريال مدريد؟ لكن عندما يغيب عن المشاركة، تقل فعالية هجوم فريقه، ويتعرض أيضا لتعادل وخسارة، لا أحد يتكلم.

يعود ويتألق ويمرر ويصنع ويسجل، فتجد مديحا قليلا مقارنة بأسماء أخرى. صحيح أن مستواه المحلي أقل من أقرانه على مستوى التسجيل، لكنه واحد من أكثر المهاجمين حسما في التاريخ الحديث للشامبيونزليج، البطولة الأهم جماهيريا وإعلاميا، على الأقل من وجهة نظر الاتحاد الدولي لكرة القدم.

هذه هي دورة حياة جمهور السوشيال ميديا، أو أنصار “التريند”، ما يعرف بالشيء الأكثر رواجا عبر منصات التواصل الاجتماعي، مع كريم بنزيما، مهاجم ريال مدريد ومنتخب فرنسا.

اللاعب الذي وضعه حظه أو شيء من هذا القبيل في دائرة السخرية، مثله مثل أكثر من اسم غيره، كأرسين فينجر على سبيل المثال.

كريم بنزيمة هذا الموسم

عندما يقوم أي محلل أداء  بمتابعة لاعب ما، تمهيدا لضمه أو التعاقد معه، وليكن هذا اللاعب في مركز المهاجم الصريح، فإن صديقنا يحدد عدة نقاط للتحليل، حتى يعرضها في النهاية على المدير الرياضي أو المدرب، من أجل وضع قرار نهائي بالموافقة على جلبه أو نسف الصفقة قبل أن تتم.

بعد رصد أسلوب اللعب، وأرقامه الهجومية، وواجباته الدفاعية، عدد الفرص التي صنعها، كل هذه الإحصاءات التي يعرفها الجميع، تأتي الخطوة الأخرى بتقييمه في عدة نقاط:-

– الحسم.

تسجيله للأهداف، ترجمة الفرص، استغلال التمريرات، مردوده أمام المرمى. ويعطيه رقم من 10.

– بناء اللعب.

أي كيف يتعاون مع زملائه، أين يتمركز من دون الكرة، كيف يمرر ولمن، هل هو لاعب يجيد الاحتفاظ بالكرة أم لا، يستطيع اللعب كمهاجم متأخر أم لا، مع إمكانية الاستلام والتسليم، ويعطيه رقم من 10.

– التحركات.

كل الفرق الكبيرة يفترض الآن أن تعتمد على أكثر من 4-5 هدافين في الموسم، وبالتالي حركة المهاجم مهمة جدا حتى يفتح الطريق أمام القادمين من الخلف، لذلك تدخل في تقييمه ويعطيه رقم من 10.

– الصراعات

كيف يلعب في الهواء، تميزه في الـ 1 ضد 1، ضغطه على دفاعات الخصوم، كم مراوغة يقوم بها، كم عرقلة يستطيع الهروب منها، وهكذا. وبالتأكيد التقييم من 10.

– المباريات الكبيرة.

هناك أسماء تتألق أمام الصغار، لكن تحت الضغط تغيب، بالإضافة إلى أرقامه في دوري الأبطال والمباريات الكبيرة، وهذا الجانب أيضا تقييمه من 10.

يمكن القول بأن خاصية الحسم عند بنزيما ليست في أفضل حال، المهاجم يضيع عدة فرص، بعضها نتيجة رعونته، والبعض الآخر بسبب تألق الحراس. لكن في المقابل كريم مميز جدا في بناء اللعب.

والدليل أن رونالدو من غيره، بالمواسم السابقة، يقل بنسبة تصل إلى 40-50 % كمعدل تهديفي، لأنه لا يجد الزميل الذي يمرر له، ويعتمد عليه كمحطة بين القنوات الدفاعية.

على مستوى التحركات، تجده نصف مهاجم وجناح عند الحاجة، يعود للخلف عند صعود رونالدو، يفتح الملعب بشكل رائع أمام صعود الظهيرين، ويتعاون مع الوسط كثيرا على مستوى التمرير والحيازة.

يقول لؤي علم، أحد مشجعي ريال مدريد في تعليق سابق، “الصعود بالكرة يتأثر عادة بغياب أحد قلوب الدفاع أو لاعبي الوسط، إلا أنه يتأثر بغياب المهاجم في ريال مدريد أكثر من غيره.

يخلق المهاجم خيارات وزوايا تمرير إضافية، ويمنح الريال سلاسة أكبر بالخروج بالكرة وبناء الهجمات، بالإضافة لمثلثات التمرير التي يخلقها مع الظهير ولاعب الوسط على الطرف.

الصراعات أيضا لديه نسبة جيدة، مهاجم سريع، يمكنه المراوغة في بعض الأحيان، كذلك يمكنه اللعب بالرأس والقدم. بينما في المباريات الكبيرة لا خلاف أنه أحد الوجوه المبشرة في كل كلاسيكو بين فريقه وغريمه برشلونة.

البنز مهاجم شامبيونزليج، نعم هناك تعريف خاص لهذه المقولة، لأن هذا اللاعب يتألق بشدة في المباريات التي تمتاز بالتكافؤ والتوازن.

عندما يلاقي الريال خصما قويا مثله، لا يعود إلى مناطقه فقط، يبادله الهجوم ويهدد مرماه ويصعد لصناعة الفرص، فإنه بالمقابل يترك فراغات بالخلف، ليستغلها سريعا أمثال كريم، بالتسجيل والصناعة وخلق الفرص.

سيطر عالم الإحصاءات على اللعبة في السنوات الأخيرة، مافيا الأرقام وشركات الدعاية هما الحاكم الناهي لآراء الجمهور.

سجل هذا اللاعب رقما معينا من الأهداف، بالتالي هو الأفضل دون نقاش، دخل زميله كبديل ليسجل، ليصبح هو الأحق بالخانة الأساسية، دون وضع أي اعتبار لقيمة “التحرك” في التكتيك الجديد، لأن هذا الجانب من الصعب قياسه وفق منظورهم، لأنه يحتاج إلى التدقيق في كل حركة يقوم بها اللاعب، سواء لمس الكرة أو لا خلال المباراة.

بنزيما ملك هذه المهارة، يتحرك باستمرار في الاتجاه الصحيح، ليس بالضرورة أن يكون تحركه من أجل التسجيل أو الأسيست، أحيانا تزيد قيمة الحركة لخلق الفراغ للآخرين، وهذا ما يحدث كثيرا في علاقة المهاجم بزملائه في هجوم الملكي..

فرونالدو كمثال يجد فراغا أكبر للتحرك عندما يلعب أمامه كريم، لأن الفرنسي مهاجم متحرك غير ثابت، يحجز المدافع لصالح رفيقه، ويقطع من العمق إلى الطرف أو العكس، في سبيل استلام كريستيانو للكرات في مناطق خطيرة بالقرب من المرمى.

ريال مدريد لديه أكثر من عنصر للتسجيل، لكنه ليس لديه أبدا أكثر من عنصر للتحرك وإرهاق مدافعي الغير في نصف ملعبهم، لذلك كريم بنزيما مثالي لهذا الأسلوب، والدليل أن ريال زيدان وصل إلى القمة حينما تخلص فقط من وهم الـ BBC واعتماده بشكل شبه كلي على ثلاثي الهجوم، ليتم تنويع اللعب وتنتقل السطوة للارتكاز والأظهرة.

بكل تأكيد أسهل شيء ممكن حاليا هو ركب الموجة، وسب بنزيما ليل نهار كأي شخص آخر، لكن في النهاية المنطق سيبقى، حتى بعد 10 سنوات!

كل شيء تغير مؤخرا، لأنه أصبح هداف الفريق، وبدأ بشكل مثالي في الليجا. الجمهور في النهاية يعشق القوي، والقوة بالنسبة لهم تعني الأهداف أولا وثانيا وثالثا، لذلك كان المهاجم شيطانا منذ شهور، وأصبح بطلا لا يقهر خلال أيام، لكن ماذا تغير في هذه الفترة الزمنية القصيرة؟

يقوم بنزيما بنفس مهامه السابقة، لكن الشيء الجديد فقط أنه اقترب من المرمى أكثر، لم يعد هناك رونالدو، لذلك لم تعد هناك حاجة ماسة لوجود لاعب مزور أمامه، يقوم بحجز الدفاع لكي يسجل البرتغالي من مناطق أقرب.

كريم كان بمثابة “السنيد” أو البطل المساعد للدون، لكن بعد ذهاب كريستيانو إلى يوفنتوس، ورهان لوبيتيجي على مزيج بين 4-2-3-1 و 4-3-3، صارت مهام الجزائري الأصل واضحة وصريحة، التحرك خارج وداخل منطقة الجزاء، مع زيادة نسبة الفرص التي تصل إليه، نتيجة عدم وجود نجم بعينه يلعب من أجله الفريق.

تتمحور فكرة هجوم لوبيتيجي في جعل الهجوم قائم على اللا مركزية، من خلال اللعب بثلاثي مرن ومتحرك في أرجاء الثلث الهجومي كافة، مع بيل، أسينسيو أو إيسكو، وبنزيما، وبالتأكيد المهاجم رقم 9 هو أقربهم للمرمى، لذلك ترتفع حظوظه في التسجيل، أكثر من زملائه، وهذا ما حدث عمليا في بداية الدوري الحالي.

الشيء بالشيء يذكر، فإن نجاعة بنزيما التهديفية تبقى محل خلاف، فاللاعب لديه أرقام مبهرة في دوري الأبطال، لكنه يملك سجلا عاديا في بطولات الليجا، وعليه تغيير ذلك هذا الموسم.

يظل الفارق الرئيسي بين رونالدو وأي لاعب آخر في مدريد، مرتبط بالاستمرارية، التي تجعله لاعبا استثنائيا مقارنة بغيره، فالبرتغالي كان يسجل بمعدل كبير في مختلف البطولات.

صحيح أن بنزيما ليس مطالبا بهذا الكم الرهيب من الأهداف، لكن أيضا عليه تعديل بعض أرقامه المحلية، حتى يرتفع تقديره من لاعب هجومي جيد جدا، إلى ممتاز!

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى