هواجس (صلاح) ..!

 

كتب- محمد العولقي

* لا أجد علاقة موضوعية بين تراجع مردود النجم المصري (محمد صلاح) مع ليفربول هذه الأيام، وبين الانتقادات الساخرة التي يوزعها قليلو الخير بهدف تصدير التشنج وتعكير مزاج (صلاح) وإخراجه عن الخدمة ميدانيا لأجل اهتزاز صورته في عيون محبيه حول العالم وما أكثرهم ..

الذين ينتقدون (محمد صلاح) بطريقة كاريكاتيرية قليلون، لكنهم في الواقع مؤثرون، الحبة من أفواههم (قبة)، وطالما وأن (صلاح) يتعامل معها ويتأثر بها فإنها تتوغل إلى أعماقه لتضيف على عاتقه ضغطا نفسيا جديدا يضاف إلى الأعباء التي يعاني منها جراء النزاع الخفي بينه وبين (سيدو ماني) حول الأحق بنجم شباك التذاكر الأول في (ليفربول)، فصلاح رجل شرقي رومانسي من لحم ودم يؤثر ويتأثر بما يحيط به من أجواء داخلية وخارجية غير صحية ..

وعذرا ، فالعبد لله لا يفهم كثيرا أو حتى قليلا في خلاف (البيزنس) بين الفرعون (صلاح) واتحاد الكرة المصري الذي أساء فهم العلاقة بينه وبين لاعبه الدولي، فحول صور نجمه العالمي إلى تجارة رائجة ومزاد علني مفتوح دون علم اللاعب..

لكن الغصة التي تسكن حنجرة النجم المصري الكبير (محمد صلاح) دليل قوي على أن هناك في اتحاد الكرة من يريد تدمير (محمد صلاح) نفسيا بإدخاله أتون حرب نفسية متعددة الاتجاهات فتشتت ذهنه وتسلبه كل الامتيازات التي حصدها الموسم، وهي حرب نفسية كان (صلاح) في غنى عنها في ظل طمع بعض لاعبي ليفربول في منازعته الشعبية والنجومية المطلقة..

لا أود الخوض في الملابسات المونديالية التي تعرض لها (صلاح)، ولا أود تذكيركم أن إدارة المنتخب عجزت عن حماية (صلاح)، وتاجرت بسمعة لاعبها في مواقف ليست بريئة من علامات الغمز والهمز واللمز ، لكن وجب الإشارة إلى حقيقة أن (صلاح) عاد من مونديال روسيا مريضا نفسيا، فقد كان بحاجة إلى مصحة نقاهة حتى يتخلص من رواسب العاهات الإدارية التي سلبته كل سبل الراحة والهدوء والاستقرار ..

لا شك أن أزمة (صلاح) مع الاتحاد المصري ألقت بظلالها على مستواه مع ليفربول، ولا شك أيضا أن الاتحاد المصري بنى بينه وبين نجمه الأول حاجزا نفسيا انعكس على مردوده العام مع فريقه، فرغم كل ما يقال عن حالة (الجفاء) بين (صلاح) والسنغالي المسلم (سيدو ماني) إلا أن التعاطي مع هذا العارض لا يلغي حقيقة أن ثلاثة أرباع الضغط الذي ينوء به كاهل صلاح صناعة مصرية لا تشوبها شائبة ..

لا يمكن للمهاجم الفنان (محمد صلاح) إنكار أنه يعاني من (هواجس) نفسيه نصفها على الأقل يعود إلى تألقه الخارق الموسم الماضي، وهو ما يتجلى في أرقامه و قدراته التهديفية العالية، هذا التألق على مستوى مراقصة الشباك 43 مرة خلق بين جماعية (صلاح) وفردياته (فجوة) واضحة يستطيع (محمد صلاح) ردمها لو أقتنع أن كرة القدم لعبة السهل الممتنع، لا تهوى التعقيد، ولا ترغب في الفرديات الزائدة عن الحد ..

مشكلة (محمد صلاح) أن (هواجس) الموسم الماضي تحاصره، لأنه دائم التفكير في إنجازاته الفردية التي جعلته يناطح رأسا برأس رونالدو وميسي ويتفوق عليهما أرقاما وتأثيرا، وهو يحاول معالجة تلك (الهواجس) بعملية انتحارية يفرضها الضغط النفسي المسلط عليه، فتتحكم تلك الضغوط في ردة فعله التي تبدو انفعالية، بدليل أنه يحاول كثيرا أن يأتي بالخوارق الفردية في غير وقتها..

ولو ارتاحت أعصابه قليلا وهدأت ثورة الهواجس في أعماقه سيكتشف أن هذه الخوارق التي يعول عليها في البقاء على القمة لن تخضع لملكاته إلا إذا كان رائق الذهن، صافي البال ، خال تماما من أرق هواجس الموسم الماضي، متعاون بحب وشغف مع زملائه..

على (صلاح) أن يتعامل مع الكرة على أنها لعبة جماعية ذات السهل الممتنع، عليه أن يستمتع بالكرة دون شرود أو انفعال، والأهم أن يكون حازما في التحكم بهرمون (الأدرينالين) حتى لا يعميه رد الفعل عن واجباته كلاعب يمثل حلقة وصل بينه وبين زملائه من جهة، وبينه وبين جمهور ليفربول من جهة أخرى، عندها ستأتي لحظات خارقة دون ترتيب مسبق تقوده من مجد الى آخر ..

لا أريد لنجمنا الكبير (محمد صلاح) الوقوع في نفس خطأ الممثل الكوميدي الصامت (مستر بين) الذي كان لا يشاهد أعماله من أفلام ومسلسلات حتى لا يسجل عيوبه فينشغل بها ويتوقف عن إضحاك الناس، أود أن يشاهد (صلاح) مبارياته الأخيرة مع ليفربول ويحكم على نفسه بعيدا عن التشنج والتوتر والانشغال بمشكلته مع اتحاد بلاده ..

أتمنى على (صلاح) ألا يطيل النظر في (هواجس) الموسم الماضي، ولا يتوقف كثيرا عندها حتى لا تتحول تلك (الهواجس) إلى ثورة شك كلثومية تعصف بمؤهلاته الفنية و تسيطر على ملكاته وكيانه فتهوي به إلى أسفل السافلين ..

أتمنى على (صلاح) أن يسير على منهج الحكيم القائل: إن حجم الندم على الصمت أهون بكثير من حجم الندم على الكلام، نعم يجب على (صلاح) أن يتعاطى الصمت كحكمة وأن يكون رده داخل الملعب عطاء” سخيا، يكون فيه كريما مع رفاقه قبل أن يكون كريما مع الشباك ومع نفسه ..

في ظني أن (محمد صلاح) يمر بأزمة نفسية مؤقته طارئة صنعتها الأحداث الدراماتيكية المفاجئة خلال المونديال وبعده، لكني على ثقة أن (صلاح) سيعود قريبا إلى مستواه السابق، وسيثبت للشامتين أنه عملة ذهبية أصيلة تلمع في الوقت المناسب، فلاعب حاذق فنيا ومهاريا مثل (صلاح) سيحسن دائما الخاتمة، وسيعرف من أين تؤكل الكتف ، والأيام الملاح بيني وبينكم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى