كرة قدم من عالم ثالث

 

كتب – أ.د. حسني نصر

لا يمكن بأي حال أن تكون هذه كرة قدم كالتي نشاهدها في الدوريات الأوربية وغيرها. أقول ذلك بعد أن قادتني الصدفة وسوء الحظ أثناء التنقل بين المحطات التلفزيونية إلى مشاهدة مباراة كاملة، ربما لأول مرة في الدوري المصري منذ سنوات طويلة. المباراة التي جمعت نادي الزمالك متصدر بطولة الدوري حتى الآن وفريق الداخلية مساء الخميس يمكن أن تقول عنها أي شيء باستثناء أنها مباراة في كرة القدم.

كل شيء سيء.. من أرضية الملعب إلى المدرجات الخالية تقريبا من الجماهير..وأداء اللاعبين الذين يفتقد معظمهم المهارات الأساسية في كرة القدم، وابسطها مهارة التمرير. كم التمريرات المقطوعة غير معقول، لدرجة أن الفريقين لم يكمل أيا منهما خمسة تمريرات صحيحة طوال المباراة.

زاد الطين بلة الانفلات الأخلاقي الذي شهدته المباراة في نهايتها، بعد أن سجل الزمالك هدف الفوز، حيث اختلط الحابل بالنابل بعد أن تفرغ لاعبي الفريق المهزوم للضرب والشجار، الذي شارك فيه المدير الفني الذي حاول استفزاز العدد القليل من جماهير الزمالك، فناله منها ما لا يرضيه ولا يرضينا أيضا.

هذه المباراة السيئة تقدم نموذجا واضحا لما وصلت له الكرة المصرية من تراجع على كل المستويات.. فني وأخلاقي وإداري. لا أقول ذلك بالمقارنة بالدوريات الأوربية، ولكن حتى بالمقارنة ببعض الدوريات العربية القوية مثل الدوري السعودي، والمغربي، والتونسي على سبيل المثال وليس الحصر.

حقيقة لا أعرف لماذا يتابع المصريون هذا الدوري الفقير، ويخصصون له فضائيات ونقل تلفزيوني واستديوهات للتحليل، رغم أنه لا يستحق كل ذلك، خاصة وان إخراج المباراة تلفزيونيا يذكرنا بإخراج مباريات الثمانينات والتسعينيات، فالكرة في اتجاه والكاميرا في اتجاه ثاني والمعلق في اتجاه ثالث بعيد تماما.

المنظومة الكروية كلها في مصر فاشلة. يكفي أن تنظر إلى أرضية الملعب المقامة عليه المباراة وهو ملعب بتروسبورت التابع لإحدى شركات البترول، لكي تدرك أن إصلاح الوضع يحتاج إلى معجزات، وللأسف انتهى زمن المعجزات.

كنت قد قرأت مؤخرا خبرا عن دعوات لإلغاء الدوري العام المصري هذا العام. وبعد مشاهدتي لهذه المباراة التي لا تمت لكرة القدم بصلة، فإنني أؤيد هذه الدعوة بشدة، لأكثر من سبب.

السبب الأول أن الجماهير المصرية العاشقة لكرة القدم لن تشعر بأي فقد لهذا الدوري الخالي من المتعة ومن النجوم، والذي أشك أن له متابعين كثر كما كان في السابق. والسبب الثاني توفير الأموال التي تنفق هباءً منثورا على أنصاف لاعبين وأجهزة فنية وقنوات فضائية، واستثمارها في بناء ملاعب جديدة أو لسد عجز موازنة وزارة التعليم مثلا. أما السبب الثالث فيتمثل في إتاحة الفرصة لأعداد أكبر من الجماهير لمتابعة كرة القدم الحقيقية وإشباع حاجاتها من هذه الرياضة، عبر متابعة الدوريات الأوربية الكبرى والبطولات العالمية.

من غير المقبول إطلاقا أن تتحول أقدم بطولة دورى عام عربية إلى هذا المسخ المشوه الذي لا يرضى أحد سوى المنتفعين منه، سواء في اتحاد الكرة أو الأندية أو الفضائيات الرياضية الذين لا يهمهم سوى الأموال التي تدخل حساباتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى