الكرة الذهبية .. لمن؟

كتب- محمد العولقي

افرض مثلا مثلا يعني، أنك كنت من المدعوين للتصويت على الكرة الذهبية التي ستمنحها مجلة (فرانس فوتبول) الفرنسية الشهيرة في الثالث من ديسمبر القادم، ترى لمن ستعطي صوتك ..؟

ضع في بالك قبل الاختيار أن التصويت على الفائز بالكرة الذهبية يخص فقط طبقة (الناس اللي فوق)، هؤلاء الناس هم: الصحفيون حول العالم، من كتاب ومحللين ونقاد ..

أمامك قائمة نهائية تضم أربعة لاعبين، ثلاثة فرنسيين وكرواتي، تكاد تكون الفوارق بينهم معدومة، وهو أمر لم يحدث على الأقل في العقد الأخير من الألفية الثالثة ..

ريما تكون هذه السنة (الكبيسة) هي الأصعب في معرفة هوية الفائز، فمنذ أن خرجت الكرة الذهبية من بطن الشركات التجارية قبل عامين، يبدو أمر التكهن بالفائز هذا العام ضربا من الخيال  ..

لن يدعي الإعلام الفرنسي في العلم فلسفة، عندما يجزم أن الكرة الذهبية ستستقر أخيرا في فرنسا، وهذا الجزم يعني أن ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو سيكونان خارج سرب السباق للمرة الأولى منذ عشر سنوات تقريبا..

لنضع الأمور في نصابها المنطقي بعيدا عن التعصب الأرعن، لو فعلنا ذلك فإن أرقام المنطق تقول بلسان البال وشاهد الحال : إن الكرة الذهبية ستذهب إلى ديك من الديوك الفرنسية التي علا صياحها عند فجر المونديال، لكن هذه ليست قاعدة يمكن القياس عليها، بحكم أن المفاجأة واردة، والاستثناء دائما موجود في كرة القدم. .

لست في حاجة لأن أستنجد بحدسي في شم هوية الفائز، ففي كل الأحوال سيحتدم الصراع بين الثلاثي الفرنسي : رافائيل فاران وأنطوان جريزمان وكليان مبابي بالإضافة إلى الكرواتي الأنيق لوكا مودريتش ..

لاشك عندي هذه المرة أن العاطفة لن تتدخل لتتعاطى  الغرائب المريبة، كما أن رياح (الميول) لن تهب مجددا بعد أن انفصلت الكرة الذهبية عن (الفيفا)، فالصحفيون المحترفون أقل تعصبا وأخفض ميولا من مدربين ولاعبين وجمهور يركضون خلف (العاطفة) ..

وإذا كانت الكرة الذهبية قد فقدت بريقها، ونضب معين مصداقيتها بعد زواج المتعة بينها وبين (الفيفا) ، فإنها هذا العام تسترد توهجها ولمعانها وغموضها بالعودة إلى مقاييس معقولة، ليس من بينها الضحك على الذقون كما كان الحال في التسع سنوات الأخيرة، عندما كانت الشركات ومصالح (الفيفا) تنظر للجائزة على أنها دعاية فوق العادة ،لا يفوز بها أي لاعب مهما حقق من إنجازات إلا إذا كان اسمه ميسي أو رونالدو ..

لو أن الثلاثي الفرنسي (فاران وجريزمان ومبابي) ورابعهم الكرواتي (مودريتش) يتكلمون لغة عربية مكسرة لفضلوا الاستماع طويلا للعندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ) وهو يغني: (اللي شبكنا يخلصنا) ..

لو كنت واحدا من هؤلاء المصوتين لوقعت في حيرة شديدة الشبه بحيرة (أهل بيزنطة) التي أدخلتهم في جدل تاريخي عقيم لم يحسم حتى الساعة ..

لا بأس من قراءة خريطة المنطق لفض الاشتباك بين الديكة الثلاثة والنسر الكرواتي، لاشك أن المنطق يقف إلى جانب مدافع ريال مدريد ومنتخب فرنسا (رافائيل فاران)، فهو الوحيد المتوج بلقبين كبيرين (كأس العالم ودوري أبطال أوروبا)، وعندما يغمز (ميشيل بلاتيني) إلى (فاران)، فلا شك أن الكثيرين سيتعاملون مع (الغمزة) البلاتينية على أنها أمر، ودائما طلبات النجم الفرنسي السابق أوامر ..

حسنا ، لا يمكن في ظروف معقدة كهذه تجاهل الواقعية في الاختيار، والواقعية هنا ملازمة  لمهاجم أتلتيكو مدريد ومنتخب فرنسا (أنطوان جريزمان)، فهو المتوج بالدوري الأوروبي وكأس السوبر الأوروبي مع (الأتلتيك)، والمؤثر في فوز فرنسا بكأس العالم في روسيا بتسجيله لأربعة أهداف ..

لنفرض أن المعايير الاستثتائية تلعب دورا في تحديد هوية الفائز، في هذه الحالة ستكون حظوظ (موزارت) الشرق (مودريتش) هي الأرجح، خاصة لو وضعنا في الاعتبار أنه أحدث نقلة مستحيلة في كأس العالم عندما صعد بمنتخب كرواتيا قمة المجد، وهو حدث نادر قاده للفوز بجائزة الفيفا لأفضل لاعب في العالم، ثم اكتساحه لمنافسيه في سباق أفضل لاعب في أوروبا ..

فلماذا لا تكون الكرة الذهبية من نصيبه لتكتمل أركان المفاجأة الكراوتية التي لن تزور الأرض إلا بعد 76 سنة، كما يفعل مذنب (هالي) .. ؟

أما إذا وضعت المنطق والواقعية على جنب، واعتمدت مبدأ (الدهشة)، فبدون شك سيكون تصويتك بالفم المليان للفرخ الفرنسي (كليان مبابي)، السهم الفرنسي الذي ينطلق بسرعة الصاروخ من قوس المنتخب ونادي (باريس سان جرمان) ..

يميل الكثير من النقاد والمحللين في مختلف أنحاء العالم للعب الفردي الجمالي والمبهر، من هذه الزاوية ينفرد (مبابي) بالكثير من الفرديات، فهو اللاعب الصغير الذي انحنى له الملك (بيليه) عطفا على أدائه الفردي الخرافي في المونديال، وأهدافه الحاسمة التي جعلت فرنسا تتبوأ صدارة العالم، وهو المهاجم الصغير الذي نافس سيارات (الفيراري) من حيث الجودة والسرعة، وهو أكبر ظاهرة فردية احتضنتها بطولات كأس العالم بعد العبقري (بيليه) ..

وهكذا تتشابك أمور الرباعي  بصورة لا ينفع معها تقليص الكثير من الفوارق  فالمنطق ينحاز للمدافع (فاران)، والواقعية تتعصب للسهم الكرواتي الأشقر، والعاطفة تنحاز للمهاجم الوديع (جريزمان)، والنهج الاستعراضي المقرون بالدهشة يساند (مبابي)، يالها من حيرة تطير البرج من النفوخ ..

غريزتي التحليلية للحدث تحرضني على اختزال السباق نحو الكرة الذهبية بين الفرنسي (رافائيل فاران ) والكرواتي (لوكا مودريتش)، لكن أيهما سيكون فارس الذهب؟ سأحتفظ بالإجابة لنفسي، ولنترقب نهاية السباق المحموم يوم الثالث من ديسمبر، فعند (الفرانس فوتبول) الخبر اليقين ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى