(عصام الشوالي) إلى أين ..؟

 

كتب- محمد العولقي

شخصيا لا يهمني من سيتولى التعليق على المباريات القوية في دوري أبطال أوروبا، الشيء المؤكد أن الإخوة المعلقين تشابهوا علينا، لا فرق بين (سوار) و(غوار) إلا بالقدرة على تحطيم الأرقام القياسية في نفاد حبوب الأسبرين من الصيدليات المناوبة لبيوتنا..

أصبح التنافس على أشده بين المعلقين لتصدير الصداع إلى رأس كل مشاهد غلبان، قاده حظه العاثر لمشاهدة مباراة في الزعيق والنعيق، إلى آخر مفردات قاموس (خذوهم بالصوت) ..

لا أخفي عليكم أنني كنت مبهورا بأسلوب المعلق الفرانكفوني (عصام الشوالي)، كنت أفضله ضيفا على الأذن التي تعشق قبل العين أحيانا، لكن بعد ما يزيد عن عقد ونصف استماع، لم أعد أجد في أسلوب (عصام) إغراء يحفزني على متابعته ومراقبته(مان تو مان)، كانت رقابة بريئة لا ترتقي لرقابة الإيطالي جينتيللي للأرجنتيني مارادونا ..

حبا في (عصام) أقول:” إن الملعق التونسي الذي يحقن مفردات اللغة بكلمات عامية تونسية وأخرى أعجمية بدأ يستنزف الكثير من مخزونه اللياقي، بدليل أنه يلوك نفس المفردات ويمضغ نفس المصطلحات، كما لو أننا نستمع لنفس الأغنية بلحنها المحفوظ عن ظهر قلب ..

ومع أن (الشوالي) يفضل أن يمسك عصا اللغة من المنتصف عند مخاطبته بلدان وطني حبيبي الوطن الأكبر، إلا أنني لن أتبرم منه كما تبرم أمير الشعراء (أحمد شوقي) من أمير العامية (بيرم التونسي)، فقال عبارته الشهيرة : “أخشى على الفصحى من بيرم”..

بالمناسبة يبدو (عصام) أهون الشرين على منهاج (سيبويه)، فهو على الأقل لم يمثل باللغة العربية كما يفعل بعض تلاميذ مدرسة (خذوهم بالصوت)، يقيني أن (الشوالي) يمسك بزمام اللغة نحوا وصرفا، لكنه مثله مثل غيره يرى في حقن التعليق بخليط من العامية والأعجمية ضرورة تبيح المحظورات..

يمكن للمعلق (عصام الشوالي) أن يرجع البصر كرتين، ليتأكد أنه لازال يدور في فلك التكرار الذي لا يعلم الشطار، نفس الاقتباسات الشعرية التي ركبها حرفا حرفا عن زين الدين زيدان قبل اثني عشر عاما، راح يسبغ بها اليوم على ليونيل ميسي، وقس على ذلك مفارقات يشيب لها ريش الغراب ..

لن أدخل في مناظرة كلامية مع محبي (عصام) وما أكثرهم، لكن لا مانع من تنبيه (عصام) بأنه يكرر نفسه، و يستهلك لياقته بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، ويدور حول نفسه دون جديد، أما أم الدواهي فتتعلق بتعصب (عصام) الواضح للون على حساب الألوان الأخرى، ويقرن هذا التعصب بآراء شخصية يراها حكما لا يقبل الاستئناف ..

عندما بدأ صوت (عصام) يدخل كل بيت عربي دون استئذان، كنا نستأنس بوصفه المنفعل لأحداث كل مباراة، كان واضحا أن (عصام) يداري (ميوله) تحت جلباب مفردات فيها الكثير من الهمز والغمز واللمز، لكنه كان يحمي ميوله متسترا بنبرة النفس الواحد في التعليق ..

* وعلى العكس تماما، بات (الشوالي) اليوم لا يجمع فقط بين العجز والإفلاس على مستوى التجديد في الأسلوب العقيم، لكنه في ظل تدهور لياقته الصوتية لم يعد يتحكم في عواطفه المفضوحة على الهواء، ولم يعد قادرا على ربط لسانه من لغلوغه حتى لا يضعه محبوه في خانة الشك والارتياب ..

إذا كان هناك من مأخذ يؤخذ على (عصام) عندما بدأ نجمه يبزغ في ليلة التعليق الظلماء، فهي تكمن في النفس الواحد، النفس الذي يجعلنا نركض على مقياس انفعالاته اللاهثة دون أن يكون لنا ذنب في هذا السباق الذي يقطع القلب ..

زمان، ربما كنا نمتلك المخزون الذهني واللياقي لنركض خلف أنفاس (الشوالي) وذبذباته التي تتأين في الهواء، لكن بعد أن دخلنا مرحلة الخريف وما يترتب عليها من وقار وهدوء، لا أظن أن فلسفة (الشوالي) التي ترتكز على مبدأ الصراخ والصياح تناسبنا، فحواسنا يا(عصام) تضعف وتتراجع بحكم نداء الجسد، فلا تكن عبئا يتسبب في تهتك طبلات آذننا الهرمة ..

أعلم أن (الشوالي) لازال صاحب شعبية جارفة عند الشباب والأطفال والمراهقين، وهذه حقيقة تحركها الأرقام، لكن بالنسبة لمن عاشوا وتعايشوا مع ازدهاره يرونه يستنسخ نفسه، ويستهلك كل مفردات معاجمه دون تقنين ..

قد يقول أحدكم : “إنني أتمرجح على الحبال دون الدخول في الموضوع (دغري)”، وقد يقطب أحدكم جبينه قائلا : “يعني هي جاءت على (الشوالي) فقط، في حين أن معلقين آخرين يصلحون للتعليق على الأفراح والأعراس ومحطات السيارات”؟ ..

أقول لكم : “نعم لا يعنيني أمر معلق مثل (سوار الذهب) يفعل باللغة صرفا ونحوا ما فعله (المغول) ببغداد، الذي يعنيني فقط هو (الشوالي) الذي لا نريد أن يفقد حباله الصوتية قبل بلوغ الخمسين “..

ربما أكون قد تعاملت مع (عصام الشوالي) بقدح كالسم ومدح كالعسل، فقط الشيء الذي لا يقبل الجدل أو النقاش أنني واحد من الذين يتمنون على ابن تونس الخضراء الضغط على الفرامل ومراجعة حساباته بذكاء، لأن القمة التي بلغها بعرق حنجرته الذهبية تهتز بقوة، وعليه أن يعيد لها السكينة قبل أن يتحول عند محبيه إلى (موضة) قديمة تنضح بالكثير من العيوب غير البريئة ..

المعلق الرياضي مثل الفنان، رأس ماله في الحياة حنجرته، وهذه الحنجرة تتغذى حبالها الصوتية على ألوان مختلفة من المفردات والألحان، والذكي هو الذي يتحكم في طبقاته الصوتية، حتى لا تنتهي صلاحيته، حاله حال علب الفول والفاصوليا ..

أخي العزيز (عصام الشوالي) عليك أن تتعلم من كوكب الشرق (أم كلثوم) مهارة التربع على القمة رغم وفرة المتربصين، كانت (أم كلثوم) تجدد نفسها بين كل لحن وآخر، في كل أغنية تكتشف طبقات وتنوع مناخي في صوتها وأسلوبها، حتى عندما رحلت قبل ما يزيد عن أربعين عاما حافظت على القمة حتى اليوم بدون منافس، رغم ظهور فنانات متشبهات عزفن على البرتقالة والباذنجانة دون أن يحركن غريزة الذوق عند كل مستمع أصيل ..

يمكنك يا (عصام ) أن تضع روشتة تحمي بها مكانتك كمعلق فنان بارع في جذب انتباه أهم الفئات في مجتمعنا العربي ، وأظن أن تعليقك على مباراة كبيرة كل شهر روشتة مناسبة من شأنها أن توقف عملية استهلاكك السريع، كما أنها ستتيح لك فرصة التجديد والخروج من جلباب الانفعال الصارخ إلى فضاء الوقار غير الباذخ ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى