توتنهام وإنتر.. حيرة العلماء في وصف سباليتي

 

تحليل – يوسف حمدي

الكل يعرف قصة السفينة تيتانيك بالطبع، إلا أنه هناك معلومة مجهولة بالنسبة لكثيرين، أنه وقبل تحرك السفينة من ميناء ساوثهامبتون البريطاني صرخت سيدة تتوسل بأن لا تتحرك السفينة، لماذا؟ لأنها ستغرق!

لم يلتفت أحد لها أحد باعتبارها سيدة تهذي، لأنه ببساطة لا يوجد أي مؤشر على هذا الذي تقوله، ثم ماذا؟ ثم حدثت الكارثة الكبرى بغرق السفينة، ولا يدري أحد حتى الآن ما الذي جعل هذه السيدة تتفوه بما قالته، ومن أين كانت تعلم أن هذه الفاجعة ستحدث بالفعل.

بالطبع يبدو الأمر مبهمًا، وأن قصة كتلك لا علاقة لها بمباراة بين توتنهام وإنتر ميلانو في دوري أبطال أوروبا، الأمر كذلك بالفعل، كل ما في الأمر أن هذه الواقعة دخلت تحت نطاق الأشياء التي لم يجد العلماء لها تفسيرًا حتى اليوم، تمامًا كرجلٌ يدعى لوتشيانو سباليتي.

عكس المتوقع

مما شاهده العالم في مواجهتي إنتر أمام برشلونة، ومما يعلمه الكل عن بوتشيتينو وكرته الهجومية، ومن سيناريو لقاء العام الماضي بين السبيرز ويوفنتوس، انتظر الكل أن يكون سيناريو المواجهة بين إنتر وتوتنهام دفاعيًا من الأول وهجوميًا من الثاني، الثاني الذي سيستحوذ على الكرة بدوره طوال المباراة بينما سيكتفي الفريق الإيطالي بالبقاء في الخلف بحثًا عن المرتدات كعادة الطليان في مثل هذه المواقف.

على أية حال الأمور لم تكن كذلك، توتنهام تفوق بفارقٍ نسبي بسيط، فقط لأن سباليتي لعب من أجل التعادل، وكانت قناعته بالنتيجة السلبية تزداد بمرور الوقت، ما جلعه يرفض المقامرة والمغامرة من أجل الفوز، نظرًا لأن التعادل كان سيحسم له بطاقة العبور، وفي نفس الوقت فإنه لم يبق بلاعبيه جميعًا في الخلف، هل فهمت شيئًا؟

أعلم بأن الأمر معقدٌ، وهذا ما يجعله غير قابل للاختصار، من الممكن أن تقول أن جوارديولا استحوذ على الكرة، أو بأن مورينيو دافع واعتمد على المرتدات، أو أن كلوب ترك الكرة للخصم ثم فاجأه بضغطٍ عال بخمسة لاعبين أو أكثر في الثلث الأخير له، ولكن على أية حال لن تستطيع تفسير ما فعله سباليتي في كلمتين كما يحدث مع الآخرين.

عن العمق والأطراف

بالـ 4/2/3/1 بدأ المدربان، سباليتي بالتشكيل الذي لعب كل المباريات الكبرى سواء في الدوري أو دوري الأبطال، وبوتشيتينو ببعض التعديلات المعتادة، وينكس سيجاور سيسوكو كثنائي ارتكاز، وسيلعب لوكاس مورا ولاميلا على الأجنحة وبينهما ديلي آلي خلف هاري كين.

“تشكيل الفريقين – هوسكورد”

سون وإيريكسين سيجلسان على دكة البدلاء، سيلعب ديلي آلي كصانع لعب على الورق، لأنه بالطبع أنشط وأكثر حركية من إيريكسين في التحولات، ولأنه قادرٌ على اللعب كمهاجم ثاني وكذلك اللعب على الأطراف، وهو ما سيحتاجه توتنهام من أجل تنويع الحلول أمام دفاع من المتوقع أنه سيتكتل في أغلب فترات المباراة.

لوكاس مورا بدلًا من سون الذي ركض كثيرًا أمام تشيلسي مطلع الأسبوع، ومن البديهي أنه لن يستطيع لعب 90 دقيقة أخرى باندفاع بدني أقوى بعدها بأقل من 96 ساعة، بينما سيعطي لوكاس مورا المهام المطلوبة لسحب مدافعي الإنتر من القلب ولإجبار الظهير أسامواه على البقاء في الخلف، وما تبقى من السرعة والفرديات التي يؤديها كلاهما على مركز الجناح.

الخطة نجحت بالفعل، وكان لمورا قدرة هائلة على إخراج شكرينيار من القلب كثيرًا، مع إنهاء تام لأي أدوار هجومية كان من الممكن أن يؤديها أسامواه، الرجل الذي تقدم إلى النصف الأمامي في مرات قليلة، وكان أغلبها إما مرتدات وإما للضغط المبكر على الجناح البرازيلي.

شكرينيار نجح بالفعل في الحد من خطورة لوكاس وفي تقديم المساندة لأسامواه، وفي نفس الوقت نجح في مراقبة هاري كين الذي فشل في دخول منطقة الجزاء إلا في كرات تعد على أصابع اليد الواحدة، صحيح وأن أغلب أدوار كين تكون بداية من الدائرة ومرورًا بكل ما هو بينها وبين منطقة الجزاء، إلا أنه في هذه المرة بدا وكأنه يبتعد عن شكرينيار حتى في الأوقات التي كان من البديهي أن تشاهده كأول لاعب في الملعب بالنسبة لتوتنهام.

“الخريطة الحرارية لديلي آلي والتي توضح انتشاره في كل أرجاء الملعب – هوسكورد”

 

القدر يصحح الأخطاء

في كل مباريات الإنتر التي بدأها سباليتي بثنائية فينشينو وناينجولان ظهر العجز على خط وسط سباليتي، اللاعبان يتشابهان إلى حد كبير، ومن أجل إعطاء كل منهما أدوارًا غير الآخر أصبح ناينجولان هو لاعب رأس المثلث للأمام والذي يكوِّن قاعدته بروزوفيتش رفقة فينشينو، ونظرًا لعدم قدرة ناينجولان على أداء هذا الدور بحكم لياقته الحالية، فإنه غالبًا إما يفقد إنتر أحد أهم نقاط قوته، وإما يخرج ناينجولان مصابًا تمامًا كما حدث بالأمس.

في السنوات الأخيرة كان من الممكن تبرير شيء كهذا بسؤال “ومن البديل؟” إلا أنه الآن سيكون هناك أسئلة كثيرة أمام هذا السؤال، تلك التي تدور حول وماذا عن، ماذا عن جاليارديني وماذا عن جواو ماريو الذي يعيش أفضل أيامه، وماذا عن إدخال بوليتانو إلى العمق وإقحام كيتا بالدي على الطرف..

وماذا عن الدفع ببورخا فاليرو مع استبداله في حين فشل في إكمال الدقائق الـ90، المهم أن ما لم يفكر فيه سباليتي حدث بالإجبار، وأصيب ناينجولان ليحل فاليرو محله، ويعود شكل وسط ملعب الإنتر إلى الشكل الطبيعي الذي يرفضه سباليتي إيمانًا منه بثنائية فينشينو وناينجولان التي تقتل كليهما.

بمجرد نزول فاليرو أصبحت الأوضاع أفضل بكثير، الرجل الذي لعب أمام فروزينوني مطلع الأسبوع كان أكثر جاهزية مما كان متوقعًا، لم يبد عليه أبدًا إرهاق المباريات كما كان يحدث في السابق، الرجل دخل بديلًا ولمس الكرة في 46 مرة وصنع 4 فرص من أصل 10 صنعها الإنتر طوال المباراة، منهما كرتان على المرمى، وهما بالمناسبة الكرتان الوحيدتان على المرمى للإنتر طوال المباراة.

فينشينو يميل يمينًا وفاليرو يميل يسارًا، معادلة أظهرت بيريزيتش المختفي لسوء مستواه منذ بداية الموسم، والمختفي في هذه المباراة بالتحديد خلف واجباته الدفاعية لمساندة أسامواه الظهير الذي لا يعتمد عليه وحده على أية حال، وجود فاليرو هنا عطَل الجبهة اليمنى لتوتنهام نظرًا لنجاح ثنائيته مع بيريزيتش في خلق خطورة وفي قطع عدد لا بأس به من الكرات في مهدها.

سباليتي بعد المباراة اعترف بأن فاليرو لعب بشكل جيد، ولكنه أشار إلى أنه لو لعب منذ البداية لما استطاع إكمال المباراة بنفس النسق، نظرًا لأنه ضعيف نوعًا ما في الصراعات الثنائية، لذا من الأفضل أن يدخل بديلًا، ربما عليه أن يدرك أن ناينجولان كذلك أصبح يعاني من أغلب هذه العيوب التي تمنع فاليرو من اللعب أساسيًا، خاصة وأنه اعترف بعد المباراة بأن رادجا كان يعرج، وأنه كان يجب عليه ألا يشركه أساسيًا، وعلى الرغم من ذلك أشركه ألم أقل أقص عليك نبأ حيرة العلماء في تفسير ما يدور في رأس سباليتي بداية؟

“الخريطة الحرارية لبورخا فاليرو – هوسكورد”

عبقرية سباليتي!

لاميلا كان جيدًا في الدخول إلى العمق، في الحقيقة لا مركزية لاعبي توتنهام جميعًا أتت بالمطلوب، وطبقت بالكيفية المثالية التي خطط لها بوتشيتينو، ولكن ما يحسب للإنتر في كل مبارياته أنه حتى في حال كان أسوإ من خصمه فإنه لا ينهار، يستطيع الصمود حتى النهاية وغالبًا ما يخرج بأقل الخسائر أو يحصد ما أراده بدايةً.

لم يحتج بوتشيتينو إلى التراجع خطوة في الشوط الثاني كما يفعل أحيانًا، التراجع خطوة بأن يترك للخصم الاستحواذ السلبي ــ في حال أراد خصمه ذلك ــ نظرًا بالطبع لأن سباليتي لم يكن يريد الكرة، وعلى الرغم من أن سباليتي يصنف كمدرب دفاعي زورًا لأنه إيطالي إلا أن الرجل يمتلك من المرونة ما يجعله يلعب وفق سير المباراة..

وفي أغلب الأحيان يفضل أن تكون الكرة في حوزته، إلا أنه اقتنع بالتعادل السلبي كوسيلة للصعود، والاستحواذ على الكرة يستخدم من أجل تسجيل الأهداف فقط، إذًا لا حاجة لنا في الكرة لأننا لا نريد التسجيل، أقسم لك أنك لن تفهم شيئًا يدور حول لوتشيانو.

المحاولات هنا وهناك، وشوط ثان أكثر حركية وخطورة من الجانبين، وفي مشهد منتظر يدخل كريستيان إيريكسين، لترتفع نسبة تحكم وسيطرة توتنهام على النسق، وتصبح الكرة في أقدام لاعبي توتنهام أكثر تنظيمًا، وفي لعبة منظمة يتمركز فيها إيريكسين داخل منطقة الجزاء بعد أن قطع مسافة 40 مترًا تقريبًا، يترجم مجموعة النقلات بين سيسوكو الذي اخترق الدفاع وديلي آلي الذي دار 360 درجة وإيريكسين بالطبع الذي لم يجعل كل ذلك يمر هباءً، 1/0 لتوتنهام، إنتر يتراجع إلى المركز الثالث الذي سيطيح به من البطولة، حسنًا حان وقت المخاطرة يا لوتشيانو، لوتشيانو، لوتشيانو! ….

مشهدٌ سينيمائي بامتياز، تبحث عن هدف لحسم التأهل، وليس هناك شيئًا للبكاء عليه حتى تدافع عنه بعد تلقيك الهدف، 10 دقائق فقط أو أقل تتبقى على صافرة النهاية، والرجل الأصلع يقف على الخط ينظر على يمينه بحثًا عن الحل، تقع عيناه على لوتارو مارتينيز المهاجم الأرجنتيني الواعد، يحدق في عينيه ويتذكر هدفه الذي سجله مطلع الأسبوع أمام فروزينوني، تغمض عيناه ويسرح ويتخيل أنه أقحمه جنبًا إلى جنب مع إيكاردي بين كيتا بالدي وبوليتانو، رباعي قادر على فرض الضغط على توتنهام بكل تأكيد..

يفتح عيناه ويقرر أخذ الخطوة، وداخل رأسه يعلو الصخب وتعزف مقطوعة الحرب العالمية لبيتهوفن، يدعو دي فري بصوت متهدج، ويخبره بأنه سيخرج من أجل أن يحدث السيناريو المنتظر، وأن يجلب لوتارو هدف التأهل وسط أجواء ويمبلي الباردة، الحكم الرابع يرفع لوحته مشيرًا إلى خروج دي فري، ودخول المهاجم الأرجنتيني لوتارو بالطبع؟ لا، جواو ميراندا يدخل ليحل محل صديقه في قلب الدفاع، تنطفئ الموسيقى والصخب وسيمفونيات بيتهوفن جميعًا ويحل الهدوء، وتنطلق أصواتٌ أخرى غريبة من جهة جمهور الإنتر، على الأرجح كانت صافرات استهجان من نوع آخر.

ناينجولان لم يأتِ ليكون صانع ألعاب بالطبع، ولوتارو لم يرتدِ الرقم 10 ليكون بديلًا، هناك شيء ما يدعى 4/4/2 من الممكن أن يضع لوتارو رفقة إيكاردي، ومن الممكن أن يجعلك تتخلى عن ناينجولان وفاليرو إذا كنت تبحث عن من يكمل الـ 90 دقيقة كشرط أساسي للعب، هناك الكثير من الحلول ولكن هناك لوتشيانو سباليتي القادر على غض بصره عن كل هذا والنظر إلى ميراندا في الدقيقة الرابعة والثمانين وأنت تبحث عن هدف النجاة.

على أية حال جميع الظروف ابتسمت منذ البداية في وجه الإنتر، خطف ثلاثة نقاط من توتنهام في مباراته الأولى بسيناريو مجنون، لو تمت إعادته مائة مرة لفاز السبيرز، خطف نقطة عجيبة من برشلونة في مباراة لم يحضر فيها، وتفنن توتنهام في تضييع نقطتين أمام أيندهوفن أبعداه أكثر عن الصراع.

دخل إنتر مباراته أمام السبيرز في ويمبلي في حال جيد، يمتلك الكثير من الحلول ولكنه يرفضها، ويعقد وضعه بيديه بعدما كان كل شيء يسير في الاتجاه الذي أحبه، الطريف في الأمر أن سيناريو التأهل لدوري الأبطال العام الماضي يعاد، حين خسر تقدمه أمام يوفنتوس بسبب تبديل على نفس درجة الحماقة مع تبديل دخول ميراندا، يوم أخرج إيكاردي لأنه لا يريد تسجيل أهداف أخرى..

تمامًا كنفس السبب الذي جعله يترك الكرة أمام السبيرز، وكما أهداه لاتسيو هدية الصعود بخسارتين متتاليتين، من الممكن أن يهديه برشلونة الصعود بفوزه على توتنهام الجولة القادمة، يبدو أنه اعتاد أن يخطئ لتخدمه الظروف، تلك التي لن تمحو كوارثه على أية حال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى