الحصاد التكتيكي العربي في بداية بطولة أفريقيا

تقرير _ أحمد مختار

انطلقت منافسات بطولة أفريقيا في مرحلة المجموعات بقوة دون توقف، مع حضور عربي لافت بتواجد خمسة منتخبات دفعة واحدة، هي مصر، الجزائر، المغرب، تونس، وموريتانيا، لتزيد فرص حصول فريق عربي على اللقب في نهاية المطاف، خصوصاً مع تألق البعض ولعب البطولة وإقامتها على أراضي عربية وسط حضور جماهيري لافت.

يمكن القول أن المنتخب المصري لم يقدم الشيء الكبير بعد رغم تواجد أفضل لاعب أفريقي في صفوفه، بينما أقنعت الجزائر سريعاً مع بلماضي، ونجحت المغرب في الدخول بقوة وسط الكبار، أما تونس فعانت كثيراً مقارنة بالمشاركة الرمزية والجيدة حتى الآن للمرابطين الموريتانيين.

خطف محمود “تريزيجيه” الأضواء من الجميع مع منتخب مصر، لكن لا تزال هناك مشاكل تكتيكية واضحة فيما يخص منطقة الوسط، والفقر الشديد في الابتكار سواء من لاعبي الارتكاز أو الظهيرين. لاعب الوسط بالمركز 8 في رسم 4-2-3-1 يكون في الأغلب ارتكاز مساند، لديه مهام هجومية أكثر منها دفاعية.

محمد النني لم يقم بهذه الأدوار بعد، ليظهر بصورة سيئة فيما يتعلق بالتمريرات القطرية والعمودية، بالإضافة إلى تمركزه السيء في وبين الخطوط، وعدم نجاحه في نقل الهجمة من لاعبي الدفاع رفقة طارق حامد إلى صناع اللعب والمهاجمين بقيادة صلاح.

عبد الله السعيد هو الآخر ليس أفضل حالاً، حيث أنه تواجد باستمرار قريباً من مرمى المنافس، ولم يعد كثيراً لمنطقة وسطه مما جعل عمق الارتكاز الهجومي فارغاً من مضمونه، لعدم نجاح النني في الربط وفشل السعيد في القيام بدور لاعب الوسط الثالث، بالإضافة إلى ضعف الزيادة العددية من جانب الظهيرين.

4-2-3-1 لمنتخب مصر مع أجيري لم تأت بجديد بعد، لذلك لا بد من تجربة أفكار جديدة سواء بإضافة لاعب وسط إضافي مكان النني، أو حتى التحول إلى 3-5-2 بتواجد علي غزال كنصف لاعب وسط ونصف ليبرو على مقربة من النني، وعودة السعيد خطوات للخلف للاستلام والصناعة من بعيد.

الجزائر مع جمال بلماضي وبداية أراها موفقة على الصعيد الخططي، 4-2-3-1 على الورق لكن 4-1-4-1 داخل الملعب، بأسلوب لعب قائم على المبادرة والهجوم، مع تطبيق إستراتيجية نقل اللعب من جانب لآخر فيما يعرف تكتيكياً بالـ Switching play.

الاحتفاظ بالكرة، الحيازة تحت الضغط، المراوغة ونقل التمريرة في المساحات الضيقة، ومن ثم قلب اللعب مباشرة من الوسط إلى الأطراف، أو عن طريق الأظهرة/قلبي الدفاع إلى المنطلقين تجاه منطقة جزاء المنافس.

بونجاح وبلايلي، ثنائي انطلق كثيرا خلف دفاعات كينيا على مدار الشوطين، لكن العمل الأكبر بدأ عن طريق مجموعة لاعبي الوسط والأطراف. في اليسار بن سبعيني يتقدم بينما بلايلي يتحرك أكثر. في اليمين محرز يهاجم ويقف على الكرة وعطال يدافع خلفه.

في الوسط عدلان قديورة يدافع باستمرار، فيجولي يتقدم للأمام، بينما إسماعيل بن ناصر يبدع في الاستلام والتسليم في وبين الخطوط، وسحب دفاع كينيا تجاهه من أجل فتح المساحات أمام الثنائي بنسبعيني وبلايلي على اليسار هجومياً.

لاعب جيد في التمرير، الاستحواذ، المراوغة، وفوق ذلك المساندة الدفاعية، لذلك هو أقرب لدور الـ Free Number 8 في رسم 4-4-3 أو 4-1-4-1، اي لاعب الوسط الريشة الذي يهاجم في أنصاف المسافات، ويقوم بدور صناعة اللعب في العمق بالتبادل مع زميله الجناح على الخط.

المغرب تزيد مع الوقت، فريق يعرف كيف يواجه الكبار ولديه مرونة تكتيكية كبيرة تحسب لمدربه الرائع هيرفي رونار، مع تفوق واضح للمايسترو مبارك بوصوفة في المنتصف، وزميله بلهندة الذي يقدم بطولة ممتازة حتى الآن. من الصعب وصف خطة المغرب بـ 4-3-3 أو 4-1-4-1 أو حتى 4-2-3-1، لأن الفريق يلعب بمرونة شديدة وديناميكية واضحة، سواء في التمركز أو التحرك من دون كرة.

يملك أسود الأطلس مجموعة تجيد اللعب في المساحات الضيقة، ولديها القدرة على خلق الفرص وتسجيل الأهداف، لكن الفريق يمتاز أكثر بالقدرة على التحولات السريعة من الدفاع إلى الهجوم، لذلك يظهر بشكل أفضل أمام الفرق الكبيرة، من خلال ترك الكرة لها في بعض المناسبات ومن ثم لعب المرتدات الخاطفة بأقل عدد من التمريرات.

‏المغرب مع رونار فريق يجيد اللعب امام الكبار، سواء في صناعة الفرص او الاحتفاظ بالكرة او تسيير اللقاء على مراحل من شوط لشوط، وهذا يحسب للمدرب بالتأكيد. لا عجب أبدا من هذا المزج الغريب بين أكثر من استراتيجية في المباراة الواحدة، لأن رينارد نفسه يرى جوزيه مورينيو أفضل مدرب ممكن ويفضل طريقته كثيرا، وفي نفس الوقت يثني على فلسفة برشلونة ويستمتع بمبارياتهم في أوقات فراغه، إنه رجل براغماتي إلى أقصى درجة، يفضل دائما وضع الموهبة الفردية داخل أكثر من إطار، كما يفعل حاليا مع أسود الشمال الأفريقي، الفريق صاحب الألف وجه تكتيكيا.

تونس تعتبر أقل المنتخبات العربية في هذه النسخة حتى الآن، مشاكل كبيرة بعد استبعاد علي معلول دون سبب مقنع، وعدم جاهزية فرجاني ساسي، بالإضافة إلى الاعتماد المبالغ فيه على وهبي الخزري. بالتأكيد هو نجم رائع ومميز، لكنه أقل بريق من محرز، زياش، وبالتأكيد محمد صلاح، لذلك لا يساند فريقه بالشكل المطلوب عندما يتطلب الأمر ذلك.

يعاني يوسف المساكني بعد غياب طويل، ولا يتواجد أجنحة حقيقية قادرة على صناعة الفارق، مع ضعف واضح في مركز حراسة المرمى، لذلك يحتاج آلان جيريس إلى عمل تكتيكي أكبر خلال الفترة المقبلة، ليس فقط من أجل التأهل إلى الدور الثاني شبه المضمون، ولكن لكي تصل تونس إلى ما هو أبعد من ذلك، خصوصاً أن النسور يجب أن يكونوا ضمن المرشحين الكبار لنيل اللقب.

منتخب موريتانيا

في النهاية تحية خاصة جداً إلى منتخب موريتانيا، الفريق العربي الذي يصل لأول مرة إلى منافسات بطولة أفريقيا، سجل أول أهدافه في تاريخ الكان ضد مالي، وحصد أول نقاطه بجدارة ضد أنجولا، مع احتفاظه بكامل حظوظه في المواجهة الأخيرة ضد تونس، لذلك علينا شكرهم وتقديرهم وتحيتهم سواء صعدوا أم لا، لأن هذه النسخة بالنسبة لهم تعني التمثيل المشرف، وقد تحقق فعلياً بعد أول مباراتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى