منتخب اليمن .. عادت حليمة لعادتها القديمة..!

تحليل- محمد العولقي

كان منتخب أوزبكستان يثبت أن كرة القدم يمكن أن تلعب كليا بالرأس، بينما كنت أنا أشبه بالأبله الذي يفتح فاه ببلاهة، وهو يشاهد الأهداف الرأسية الغبية تسكن مرمى الحارس المغلوب على أمره سالم عوض.

( ظروف اليمن) حكاية مملة وغير مقبولة لتبرير هزيمة منتخب اليمن في طشقند بخماسية قاسية، جلها من كرات رأسية ، لدغت منها الشباك اليمنية، ليس مرة ولا مرتين ولا ثلاث ، بل خمس مرات، مع أن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين.

كالعادة .. قبل ساعات من موعد موقعة طشقند لحساب التصفيات المزدوجة، حرص موقع عربي على جس نبضي ، اكتفيت بالإشارة إلى صعوبة المباراة، ثم لخصت قناعاتي قائلا : أنا متوجس من موقعة طشقند.

لم أشأ تعكير أجواء الشارع الرياضي اليمني الذي رفع من سقف الطموحات بعد التعادل مع المنتخب السعودي، لكنني كتمت مشاعري ومقدمات حدسي، حتى لا أنال من الروح المعنوية للجماهير اليمنية التي هي أصلا في الحضيض جراء مقالب المنتخب الأول الذي يغديك بوعد كالعسل ثم يعشيك بنتيجة لها مذاق العلقم..

الطريف أن محرر الموقع الرياضي كان في قمة التجلي، وهو يقول إنه واثق من فوز منتخب اليمن في قلب عاصمة تيمورلنك.

بصراحة .. لو أن أي رجل فني في اليمن قال لي إن منتخب اليمن سيفوز على أوزبكستان في طشقند، لانتهى الشوط الأول وأنا أبحث في دليل الهاتف عن رقم مستشفى المجانين.

محاور غابت عن اليمن ..

ماذا حدث للمنتخب اليمني في طشفند ..؟
لماذا كان سيئا فنيا وتكتيكيا ..؟
كيف لم يستثمر اللاعبون التوازن النفسي الذي حقق لهم معادلة المنتخب السعودي القوي من مختلف الجبهات؟

هل كانت مشكلة منتخب اليمن تكتيكية أم تقنية أم نفسية ..؟
هل فعلا فشل مدرب اليمن سامي نعاش في قراءة الخصم الشرقي الشرس ..؟
طيب .. ماذا كان يفعل الجهاز الفني والإداري طوال شهر ونيف في الرياض ..؟

قراءة مفكرة منتخب أوزبكستان في متناول الجميع ، لا تحتاج إلى قدرات المحقق (كونان) لكشف عيوبه ومحاسنه. منتخب أوزبكستان بهويته المزورة ضعيف جدا من الناحية الفنية، ولكي تلغي هويته يجب أن تستحوذ على الكرة وتحرمه من الحصول عليها.

المنتخب الذي يركض خلف الكرة يتعب و يفقد مزاجه، فلسفة بسيطة معروفة انتهجها مدرب أوزبكستان بذكاء، في حين أحجم عنها الجهاز الفني لمنتخب اليمن..

منتخب أوزبكستان قوي جدا من الناحية البدنية، ولكي تستنفد قواه وتنهكه، يجب أن تجعل لاعبيه يركضون خلف الكرة لأطول فترة ممكنة، والمعنى أن تكتيك امتلاك الكرة وتدويرها سيؤدي إلى قتل الرتم العالي لمنتخب أوزبكستان و،سيحرر لاعبي اليمن من مغبة التخندق في الخلف دون فلسفة تكتيكية واضحة.

منتخب أوزبكستان قليل الحيلة من الناحية المهارية، لكنه شديد البأس من ناحية قوة الالتحام، ولكي تتفادى الالتحامات القوية وتتجنب الأجساد الفارعة، من الجيد ألا تنجر إلى معركة العراكية، صوصا ولاعبو اليمن في طراوة عيدان الخيزران، ولياقتهم النفسية والبدنية على قد الحال.

منتخب أوزبكستان تتلخص مفكرته التكتيكية في الكرات العرضية والكرات المتوقفة من الركنيات والمخالفات و،لو أن لمنتخب اليمن أسلوب لعب أو غطاء تكتيكي ذي مرونة لما وقع في كماشة الكرات الرأسية ثلاث مرات.

أين دفاع المنطقة؟
أين محاور الوسط؟
أين التغطية أثناء الكرات العكسية من الرواقين ..؟
حتى الهدفان الأول والخامس، واللذان جاءا هذه المرة بالقدم، كانا ثمارا لكرتين عرضيتين من الجهة اليمنى حيث الظهير الأيسر مفيد جمال..

للأسف كل هذه البديهيات التي يرتكز عليها منتخب أوزبكستان لم يولها الجهاز الفني ولا حتى اللاعبون أي اهتمام ..

كانت المصيبة أن منتخب اليمن انهار نفسيا ثم تكتيكيا، والسؤال: أين الجانب الإداري في معالجة أي طارئ نفسي؟ ، وأين الجهاز الفني من معالجة التصدع التكتيكي؟ لماذا جلس يتفرج على الطبخة التكتيكية وهي تحترق بعد مرور أربع دقائق لا غير ..؟

سذاجة وحسابات خاطئة ..

يعلم المدرب الحاذق والغبي معا أن أخطر مراحل أي مباراة هي العشر الدقائق الأولى والعشر دقائق الأخيرة ، وبين هاتين الفترتين يمكن لأي مدرب تفادي وقوع الفأس في الرأس.

منتخب اليمن استقبل هدفا بعد أربع دقائق على بداية الشوط الأول ، إذن هذا الهدف المبكر زرع الفوضى في مفكرة المدرب التكتيكية.

وفي العشر الدقائق الأخيرة استقبل مرمى اليمن هدفين خاطفين، كانا رصاصة رحمة على جدار دفاعي أوهن من بيت العنكبوت ، وهذا يعني أن المنتخب تآكل نفسيا وتحلل معنويا.

هل يتحمل المدرب سامي نعاش هذا التفتت النفسي و الإغماء التكتيكي ..؟
نعم يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، وحتى لا تسقط سقيفة النقد على رأس المدرب وحده، فاللاعبون أيضا يتحملون الجانب الآخر من المسؤولية.

أحيانا لا يلام المدرب عندما يقع اللاعبون في أخطاء ساذجة تعري ثقافتهم الكروية، ما ذنب المدرب عندما يخسر مدافع الكرة في ثلث ملعبه؟ وما ذنبه عندما تبرز الاتكالية المصحوبة بالسرحان ..؟ وماذا يفعل عندما يعتقد لاعب الوسط أنه ميسي زمانه ، فيصر على الأداء الفردي ..؟

خاض منتخب اليمن مباراة سيئة جدا من كافة الوجوه، كما لو أن اللاعبين لم يحضروا نفسيا وتكتيكيا وبدنيا للمباراة، مع العلم أن بعض اللاعبين محترفون في عمان والعراق، والآخرون وضعهم المعنيون على كفوف الراحة في الرياض.

لو أن منتخب اليمن غادر من بلاده إلى طشقند، حاملا هموم الوطن الذي يفتك به فرقاء السياسة، لالتمسنا العذر للاعبين، ولعدنا نعلق الإخفاق على شماعة سوء الإعداد وظروف البلد، لكن ماذا عسانا أن نقول والمنتخب يتبهذل في طشقند وقد كان في معسكر طويل قدم فيه الاتحاد له السعودي مشكورا كل سبل الراحة؟ كيف نعذره وهو يقدم مسرحية عبثية لا تمت لكرة القدم بأي صلة ..؟

جماعيا .. صفر .. فنيا .. صفر .. حماسيا .. صفر .. لقد جمع منتخب اليمن كل أصفار العالم في طشقند ، فمسح الذكرى الطيبة التي منحنا إياها في البحرين.

الانهيار النفسي والتكتيكي ..

لست في حاجة لأن أقدم لحضراتكم محاضرة في طريقة لعب المنتخب اليمني أمام أوزبكستان ، لأنه لم يلعب أصلا كرة قدم ، وأتحدى من يثبت العكس.

هل مارس منتخب اليمن دفاع المنطقة ضمن منهجية شاكلة قوامها تكثيف الوسط بآليات صدئة ..؟ طبعا لا .. وكيف يمارس مثل هذا الخبث التكتيكي ووسط الملعب لا يضغط على حامل الكرة.

كيف له أن ينجو من جحيم طشقند وقد افتقد المنتخب لإيقاع اللعب ..؟
نعم .. عندما تلعب أمام خصم بمؤهلات جسدية مثل منتخب أوزبكستان، يأتي الإيقاع قبل أي حسابات تكتيكية أو فنية.

ظهر منتخب اليمن بوجه شاحب هربت منه كل دماء التحدي لسببين:

الأول : نفسي .. يتعلق باللاعب اليمني الذي يفشل عندما يلعب تحت الضغط ..؟
قد يسأل أحدكم : أي ضغط تقصد ..؟

أجيبكم: ضغط مواقع التواصل الاجتماعي التي شحنت اللاعبين ووجهتهم التوجيه الخطأ ..

الضغط الشعبي الذي بلغ مداه، حتى أن البعض ظن أن المنتخب في طريقه للنزهة في طشقند..

ضغط مردود المنتخب أمام السعودية، فما قدمه من مستوى رفيع من كافة النواحي انعكس سلبا على تجهيز المنتخب نفسيا لموقعة طشقند.

السؤال المنطقي وسط هذا الهراء: أين إدارة المنتخب؟ وما دور أعضاء اتحاد الكرة الذين يسيحون من بلد إلى بلد؟

وأين اللجنة الفنية من امتصاص كل هذه الضغوطات، وتوجيه المدرب إلى استحداث نمط جديد يخرج اللاعبين من حالة المدح الزائد عن الحد؟
هل يحتاج المنتخب إلى أخصائي نفسي؟

أجيبكم : نعم .. ربما كان منتخب اليمن المنتخب الوحيد في العالم الذي يحتاج إلى جلسات نفسية عبر إشراف من أخصائي فاهم، وليس من عضو فني (متطحلب) يردد كالببغاء : شاباش يا شباب ..

السبب الثاني: تكتيكي .. اعتمد سامي نعاش على مبدأ تكثيف الوسط بأدوات متشابهة، الأمر الذي أدى إلى تضارب في المهام.

كان محور القوس ضائعا .. كان الأجدى أن يعتمد النعاش على محوري هدم .. على أساس أن ناصر محمدوه ليس سوبر مان، وعماد منصور ليس طرزان.

بدت تموضعات أحمد السروري و عبد الواسع المطري و عمر الداحي وأحمد ماهر مرتبكة، وتساءلت: أين الغطاء التكتيكي الذي يفترض أنه يمزج بين خيار تحصين المؤخرة من الغزو الأوزبكي ، ثم التمهيد لرد الفعل في الأمام ..؟

راهن النعاش على مؤخرة الدفاع، لكنه فوجئ أن أول خط انهار تماما هو خط أحمد الصادق ومدير عبدربه.

مشكلة النعاش أنه اختار طريقة التكثيف بناء على معطيات خاطئة، فكيف له أن يؤمن دفاعه والمنتخب بدون إيقاع لعب، وبدون محاور هدم تقتل الإيقاع، وبدون قطع غيار تقتل اللعب، وتمنع لاعبي أوزبكستان من التسلية دون ضوابط.

لكن كيف له أن يقتل إيقاع اللعب وهو في الأصل بدون إيقاع ..؟ قبل المباراة بأيام كنت أنوي تقديم روشتة فنية للجهاز الفني للمنتخب..

لكني تراجعت في آخر لحظة، حتى لا أثير حفيظة لجنة فنية ترى أي نصيحة تدخلا سافرا في عملها مع العلم أني مثل أي متابع ومحلل لا أعرف منهم أعضاء اللجنة ..؟
ولا أدري ما مصير آخرين وجودهم كعدمهم ..؟

وبعيدا عن الكرة البدائية التي قدمها المنتخب اليمني لشعبه، والتي ضاعفت من الأوجاع والآلام ، تبقى الحسنة الوحيدة أنني استمتعت بتعليق الدكتور محمد السعدي ابن يافع بثقافته العالية وحسن تفاعله المنطقي، ثم أشفقت عليه وهو يقدم الكثير من متواليات الصبر، مع العلم أن الجمهور اليمني حاصل على شهادة (الأيزو) في الصبر ومواويله التي لا تنتهي ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى