في مانشستر.. هل استعدوا للحياة بعد أليكس فيرجسون؟

تحليل- محمد يوسف

«أنا ديناصور، أنا ديناصور حقيقي. لكن في الواقع، أنا أسعى للفوز دائماً».

كانت هذه كلمات السير أليكس فيرجسون بعد النهاية الهوليودية لموسم 2012، وانتهاء الدوري في آخر لحظاته بالمعنى الحرفي للكلمة، وفوز السيتي بالبطولة بعد أن اعتقد لاعبي اليونايتد بأنهم أبطال الدوري.

ليأتي الموسم التالي 12-2013، ويتصدر اليونايتد جدول البطولة من شهر نوفمبر وحتى آخر يوم فيها. ويُتوج السير أليكس بالبطولة الأخيرة له، وآخر بطولة دوري للفريق منذ ذلك الحين.

أليكس فيرجسون يسار

بالرغم من الخسارة في ثلاث مناسبات على ملعب الأولد ترافورد وفي مناسبتين خارج أرضه، والخروج المبكر من دوري الأبطال أمام ريال مدريد في دور الـ 16، وكذلك الخروج من كأس الرابطة والاتحاد الإنجليزي أمام تشيلسي، إلا أن كل هذا لم يلقَ أي اهتمام. فالمهم دائماً لأنصار اليونايتد هو بطولة الدوري الإنجليزي، وفرض السيطرة على إنجلترا.

لم يخيب السير أليكس آمالهم، ففي سنواته الأخيرة، إما كان البطل أو الوصيف وفي منافسة شرسة على المركز الأول. وفي موسمه الأخير، كان اليونايتد يحلق منفرداً في صدارة جدول الترتيب، لينهي الموسم بـ 89 نقطة، متفوقاً بفارق 11 نقطة عن جاره في المدينة، ويأتي تشيلسي والأرسنال في المركز الثالث والرابع، وبفارق 28 نقطة عن خصمه اللدود ليفربول والذي جاء في المركز السابع.

بالطبع كان هذا كافياً لأنصار الفريق للإحساس بفرض سيطرتهم على إنجلترا بأكملها، ولكن ما نغّص عليهم فرحتهم كان رحيل السير أليكس فيرجسون عن أسوار النادي أخيراً، بعد 27 عام، وبعد الفوز بـ 13 بطولة دوري، وبعد أن جعل اليونايتد أحد كبار إنجلترا وقلّص الفارق في عدد البطولات مع ليفربول، ووضع منظومة لم يستطع أحد من بعده حتى الآن محاكاتها، أو بمعنى آخر لم يضع أي مدير فني من بعده أي منظومة من الأساس.

عالم ما بعد فيرجسون

ديفيد مويس

كان الانهيار متوقعاً بعد رحيل السير أليكس، وله أسبابه المنطقية كذلك؛ فعلى سبيل المثال ارتفاع معدل أعمار لاعبي الفريق، خاصةً في خطي الوسط والدفاع، وعدم تعويضهم في الموسم الأول بعد فيرجسون، وبالتأكيد تعيين مدير فني مثل ديفيد مويس.

أن تملك مجموعة من اللاعبين كبار السن، ولا تتمكن من تعويضهم بالشكل الصحيح جعل من الصعب للغاية استمرار هذا المشروع، لذا كان من الأولى أن تبدأ الإدارة بالبحث عن مدير فني جديد بمشروع رياضي جديد، مع عدم توقع نتائج فورية بالطبع، كما حدث مع السير أليكس نفسه في بدايات مشواره مع اليونايتد.

يستند تطوير فريق كرة القدم على معيارين، إما على منظومة خططية قوية، أو على النجوم. فإذا قررت الاعتماد على مجموعة من اللاعبين النجوم، ستحاول اختيار المنظومة الأقوى التي تناسب هذه التشكيلة مثلما يحدث في ريال مدريد على سبيل المثال. أما إذا قررت بناء منظومة قوية من الأساس، ستحاول اختيار اللاعبين المثاليين لهذه المنظومة، وهو ما كان يفعله السير أليكس بالفعل، باعتماده على منظومة 4-4-2، واللعب على الأطراف، وبالتالي اختيار اللاعبين المناسبين لكل موقع.

حيث امتلك السير أليكس طريقته الفريدة في تدوير لاعبيه، حيث يعرف كل منهم دوره داخل المنظومة، ويعرف ما يجب القيام به تحديداً، ولهذا لم يتأثر الفريق بمغادرة أي نجم حتى إذا كان ديفيد بيكهام أو كريستيانو رونالدو وهو في أوج قوته في ذلك الوقت.

امتلك السير أليكس قدرة فريدة للحصول على الحد الأقصى من قدرة اللاعب، وهي إحدى فوائد المنظومة كذلك، أن تحصل على أداء استثنائي من لاعبين عاديين وليسوا نجوماً من الصف الأول. مع اعتماده بالطبع على أسماء ثابتة منذ فترة طويلة، مثل سكولز وجيجز وفيردناند وفيديتش وروني، ولم يلجأ إلى التغيير كثيراً بل بوتيرة بطيئة إلى حد ما، ليخلق نوعاً من الاستقرار حتى مع زيادة معدل الأعمار وبعض المشاكل الفنية في الدفاع وخط الوسط.

ومع بداية ديفيد مويس لم يتغير شيء، سوى محاولة غريبة ومضحكة لاستبدال بول سكولز بمروان فيلايني. لكن مويس كان كالقط التائه في مبنى مطار هيثرو بلندن؛ لم يكن لديه أي فكرة أو خبرة تؤهله للعمل مع لاعبين بمثل هذا الحجم، أو حتى امتلاك الحد الأدنى من الذكاء لوضع منظومة خططية جديدة، وربما حاول فقط تحويل اليونايتد إلى نسخة من إيفرتون، وهو ما نجح فيه فعلاً باحتلال المركز السابع بنهاية الموسم، والذي انتهى بإقالته.

حاولت الإدارة الاستعانة بمدربين لديهم قدرات فنية، في محاولة لإنقاذ الموقف، مثل فان جال ومورينيو، لكن المشكلة كانت أكبر من مجرد تغيير أسماء مديرين فنيين. حتى وصل الأمر إلى أولي جونار سولشاير في النهاية، مع الأمل في استعادة المجد القديم، وبناء منظومة جديدة مع أحد أساطير النادي.

هل يمكن الاعتماد على سولشاير؟

سولشاير

يجد اليونايتد نفسه مستثمراً بكثافة في سولشاير، ليس بسبب تعاقدهم معه لمدة ثلاث سنوات في مارس الماضي فحسب، بل في محاولة إعادة بناء مشروع جديد مع واحد من أبناء النادي أيضاً.

وحقيقة أن التعاقدات الصيفية الثلاثة بدأت بداية واعدة، بما يكفي لإقناع نائب الرئيس التنفيذي إد وودوارد أن النادي يسير الآن على الطريق الصحيح. لا يوجد حتى الآن مدير للكرة في الأولد ترافورد ولكن أخيراً هناك نواة لفكرة، وهي إعادة صُنع فلسفة للنادي.

يرى أحد محللي سكاي سبورتس أنهم إذا كانوا مجبرين على إبقاء سولشاير إلى أجل غير مسمى بسبب تلك الفلسفة، سوف تتفاقم العديد من المشاكل في النادي. فدائماً كانت فلسفة النادي في المقام الأول هي مقاومة تغيير المدربين لفترة طويلة.

وخاصةً بعد الترنج والتخبط من نظام إلى آخر في السنوات التي تلت تقاعد السير أليكس فيرجسون، فهناك رغبة حقيقية للاستمرارية. حيث كان لتغيير الأسلوب من ديفيد مويس إلى لويس فان جال إلى البرتغالي جوزيه مورينيو عواقب مكلفة للغاية على الفريق.

ولكن الاقتراح بأن هذا سبباً وحيداً وكافياً لبقاء سولشاير في منصبه، بعد سلسلة من النتائج السلبية والمخيبة في الدوري الممتاز، يسيء فهم الدور الحديث للمدير الفني. يتحدث سولشاير عن خلق ثقافة للنادي، وهو طموح يستحق التقدير وضروري أيضاً. ولكن ينبغي لتلك المبادئ أن تكون ثابتة حتى بدونه.

مسؤوليته الرئيسية هي تنظيم الفريق على أرض الملعب، وتطوير الموارد المتاحة له من أجل تحقيق النتائج، والأفضل أن يكون كل هذا مع أسلوب لعب جذاب ومميز للفريق كما كان الحال مع السير أليكس. وهو ما فشل في تقديمه سولشاير حتى الآن، ولم يقدم أي بادرة أمل تُذكر لإقناع أي شخص أنه سيفعل أي شيء آخر سوى الاستمرار في هذا الفشل في المستقبل.

ويرى محلل سكاي سبورتس أن الحجة التي يسوقها البعض بأن النادي حاول الاعتماد على مدربين ذوي خبرة وفشل هي حجة غريبة، فليس لأن شخص مؤهلاً فشل في شيء ما، فتبادر بإعطائه لشخص يملك مؤهلات أقل.

والفكرة الأخرى التي تطرح دائماً للدفاع عن سولشاير هو أن هذا العمل سيستغرق وقتاً طويلاً. وهو ما طرحه سولشاير نفسه، خاصةً بعد البداية والهزائم المخيبة للآمال.

حيث ذكر لشبكة سكاي سبورتس بعد خسارته أمام نيوكاسل في الدوري: «لقد اتفقنا معاً وتناقشنا حول الاتجاه الذي نسير فيه، فإذا كنت تسير في الأيام المشمسة فقط، فلن تصل إلى وجهتك. وسوف يستغرق الأمر فترة طويلة، لأنها رحلة بدأناها بالفعل، ونحن على وشك إرجاع ثقافة النادي. لا أستطيع أن أقدم لكم أي إطار زمني، لكننا سوف نصل إلى هناك».

وبطبيعة الحال، وهو محق في ذلك تماماً، سوف يستغرق هذا العمل وقتاً طويلاً، لا يستطيع أحد أن يشكك في ذلك. وقت ليعزز مراكز الضعف في الفريق في سوق الانتقالات. ووقت للسماح بانتهاء عقود اللاعبين غير المرغوب بهم، ووقت كافٍ للمواهب الشابة هناك من أجل أن تتطور ويتحسن أدائها.

ولكن إذا اعتقد النادي أن هذه مجرد لعبة انتظار فحسب، فإنهم حتماً مخطئون؛ هذه عملية استباقية، تتطلب علامات على حدوث تطور على أرض الملعب وكذلك في السوق. تحتاج الى مدير فني بإمكانه تطوير هؤلاء اللاعبين على المدى الطويل. لكن هل هناك أدلة كافية تشير إلى أن هذا ما يحدث بالفعل في مانشستر يونايتد؟

ديفد

بعد أكثر من تسعة أشهر في مهمة الإدارة الفنية، وبعد فترة إعداد للموسم الجديد، يمكن رؤية الأمور بوضوح الآن، وهو ما صرّح به حارس مرمى النادي دافيد دي خيا رداً على سؤال لشبكة سكاي سبورتس بما هو الخطأ الذي يحدث؟ حيث أجاب: «كل شيء خطأ، وأعتقد أن كثيراً من الأشياء تحتاج إلى تحسين، ربما هذا أسوأ وأصعب وقت مر بي منذ بدأت هنا. أنا لا أعرف ما يحدث حقاً».

ربما هذه ليست نهاية المطاف بالنسبة لسولشاير، ولكن مشاكله لن تُحل بمفردها. وإما أن تكون زيارة ليفربول القادمة على ملعب أولد ترافورد أسوأ زيارة يمكن تخيلها، وإما أن تكون الأفضل.

ربما يصرّ البعض على أن هزيمة مدمرة أخرى أو اثنين لا ينبغي أن تكون كافية للمطالبة بإقالة المدرب وتغيير الفكرة من جديد، لكن هذا الأمر ليس حول نبذ الفكرة، لأن اليونايتد بحاجة إلى أكثر من مجرد فكرة؛ فهم بحاجة إلى مدرب قادر على تنفيذها بالفعل. وحتى الآن لم يُظهر سولشاير قدرته على فعل ذلك.

قد تتقبل جماهير اليونايتد هزيمة أو اثنين أو أكثر، لكن إذا حدث هذا مع تقديم الأداء المرجو، إذا استمتعوا بأداء فريقهم، وبطبيعة الحال إذا كانوا قريبين من المنافسة على البطولة، ربما ما يحتاجه اليونايتد هو أن ينظروا إلى الوراء قليلاً بحثاً عن معادلتهم الرابحة التي وضعها السير أليكس خلال سنوات قيادته، من هوية واضحة للفريق، وعدد من اللاعبين الذين امتلكوا شخصية عظيمة وقيادية، بالإضافة لعدم إظهار أحدهم أي رغبة أخرى سوى اللعب بألوان النادي، وإذا فكروا مجرد تفكير في غير هذا، يتم بيعهم على الفور.

مع مدير فني لا يرحم أحداً حتى لو كان أفضل نجومه، يمتلك زمام المبادرة وله القول الفصل في أمور النادي، وبالطبع يمتلك الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات صعبة لا يقدر أحد غيره على اتخاذها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى