محيط الرعب يدخل الهلال في ثورة شك كلثومية ..!

كتب- محمد العولقي

لو كان المخرج الإنجليزي العبقري ألفريد هتشكوك حيا بيننا لعجز تماما عن كتابة سيناريو مشوق مليء بكل فقرات الرعب، كما فعل تشافي هيرنانديز مدرب السد الذي كان قاب قوسين أو أدنى من إحداث معجزة تسونامية في ملعب جامعة الملك سعود في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا، على حساب الفريق الهلالي المنتشي بفوزه ذهابا في قلب الدوحة بأربعة أهداف لواحد ..

كانت ليلة مجنونة تلك التي امتازت بتقلبات عاصفة كطقس هذه الأيام، كان السد القطري يمارس تفوقا نفسيا كاسحا على الهلال، بينما العبد لله كان مشغولا بالبحث عن أقرب مستشفى للأمراض العقلية، كما وعدت القراء حال نزلت ريمونتادا تشافي على رؤوس الهلاليين كالصاعقة ..

انتهت المباراة بكل تقلباتها العاصفة بنتيجة هتشكوكية مرعبة، بفوز السد في قلب محيط ملعب الرعب بأربعة أهداف مقابل هدفين، في ليلة ليلاء كانت كابوسا مرعبا جثم على صدور الهلاليين حتى الثانية الأخيرة من الوقت بدل الضائع ..

جاء تأهل الهلال إلى نهائي دوري أبطال آسيا محمولا فوق أسلاك شائكة من المعاناة، وخرج السد من المشهد قبل الأخير وقد نال احترام أنصار الهلال قبل أنصار السد، تنفس الهلاليون الصعداء أخيرا بعد أن كادت قلوبهم تتوقف عن النبض، فهدف سداوي واحد كان يعني سلخ الأسد الهلالي وبيع جلده في أسوأ مزاد ..

كاد الهلال يدفع ثمن استغباء مدربه الروماني رازفان لوشيسكو، وضعف نظره في قراءة المباراة، وكدت أنا أدخل طائعا محتارا مستشفى الأمراض العقلية، بعد أن غامرت وقلت: السد ليس برشلونة والهلال ليس باريس سان جيرمان، والنجوم أقرب لتشافي من ريمونتادا كامب نو..كادت طوبة السد تقع في معطوبة الهلال لولا ألطاف الله، ولولا أن لاعبي السد أهدروا ما لا يمكن إهداره من فرص سانحة، أمام فريق هلالي كانت عيوبه الفنية والتكتيكية مثل زبد البحر ..

تأهل الهلال بعملية قيصرية، وقد كان على بعد سنتيمترات من الخروج خائبا أمام أنصاره، وفي ملعب عرف مدرب السد تشافي هيرنانديز كيف يروضه ويقلم أظافره الزرقاء ..

لماذا اختار الهلال هذا السيناريو المرعب ..؟

وماذا فعل تشافي حتى يحول السد بين عشية وضحاها من فريق جريح إلى فريق متوحش متعطش للدم الأزرق، كما هو الحال بالكونت دراكولا ..؟..

أسباب تقلبات هذه المباراة العاصفة والمرعبة تجدونها تحليليا في هذا التقرير.

لوشيسكو وعيوب الهلال ..

لم يغير مدرب الهلال لوشيسكو من نهجه التكتيكي الذي يظل ثابتا دائما، لكن التحضير النفسي للاعبين كان سيئا للغاية .. في كرة القدم يحذر أي مدرب في العالم من ردة فعل الفريق الجريح، خصوصا عندما يكون هذا الجريح زعيما في بلاده، وله كبرياؤه الخاص ..

لعب الهلاليون المباراة بأجسادهم فقط بينما كانت عقولهم في النهائي، تترقب موقعة الفصل في بكين أو طوكيو، كانوا كمن باع فراء الذئب قبل اصطياده، شاهدنا فقط قمصانا زرقاء تتحرك، ولم نشاهد من يرتدونها إلا نادرا، والنادر لا حكم له..

الفوز ذهابا في الدوحة خدر اللاعبين تماما، حتى مدربهم هو الآخر لم يفعل شيئا لهذا التشبع النفسي والتوهان الذهني، فسار على منوال اعتقاد لاعبيه، فالمباراة مجرد تحصيل حاصل، ومهما تعملق السد وتعاقد مع معجزات الكرة، فلن يتمكن من تعويض خسارته، ليس لأن الهلال فريق شرس في ملعب محيط الرعب ولم يسبق له الانكسار محليا وقاريا فقط، ولكن لأن الهلال دائما يجبر أي منافس مهما كان وزنه على الانكماش الدفاعي والاستسلام لقدره ..

يفرض الهلال أسلوب لعبه على منافسه، لكن مع السد تغيرت المعطيات وانقلبت المعايير، فبدا وكأن مدرب الهلال المخدر يقود فريقه للدخول في حسبة برما، وهي حسبة أرهقت أعصاب جماهير الهلال، وتسببت في ارتفاع الضغط إلى مستوى لا تتقبله القلوب الضعيفة…

نعم.. لم يحسب لوشيسكو حسابا لغدر الكرة ، ولم يحتط من مفاجآتها ومفارقاتها، لهذا لقن تشافي خصمه الروماني درسا قاسيا في فنون الحذق التدريبي ..

حقيقة.. كان خط وسط الهلال ودفاعه دون غطاء تكتيكي واضح، ولعل غياب محمد كنو عن المواجهة عرى الوسط الدفاعي للهلال وفضح منسوب عيوبه .. لكن كيف اكتشف تشافي أن محمد كنو هو قفل ومدار شاكلة الهلال ..؟

من الذي أوحى لتشافي بأن الهلال دون محمد كنو عريان تكتيكيا، يعني يا مولاي كما خلقتني ؟..

الإجابة بدون تردد: مدرب الهلال لوشيسكو .. كيف ..؟

1- عجز لوشيسكو عن تعويض كنو، فالبديل عبدالله عطيف لا يمتلك الحس التكتيكي الدفاعي، كما يفتقد للعراكية، ولياقته البدنية متدنية للغاية.

2- عوض عن معالجة ثغرة غياب محور الارتكاز الدفاعي كنو، لجأ لوشيسكو إلى دفن كل قدرات الظهيرين العصريين محمد البريك وياسر الشهراني.

3- أخطأ لوشيسكو تكتيكيا عندما وظف قدرات سالم الدوسري وكاريلو في الوسط بصورة مبالغ فيها، فهذا التجييش الفوضوي في الوسط قص جناحي التحليق البريك والشهراني.

4- جلس لوشيسكو لفترة طويلة جدا يتفرج مثلنا على استحواذ السد، ولم يفعل شيئا لتلافي عيوب قلبي الدفاع والوسط الارتكازي.

ثعلبية تشافي تكشف قناع لوشيسكو ..

بادئ ذي بدء، يجوز لي خلع القبعة تقديرا وإعجابا بإدارة تشافي للمباراة، وعندما لعب السد على أخطاء لاعبي الهلال في العمق تحديدا، كان تشافي قد منج فريقه المرونة التكتيكية المطلوبة في تنويع الهجوم من الرواقين والعمق..

والأهم من هذا وذاك أن تشافي استفاد من خسارة الذهاب، ثم تجاوز آثارها بصورة تبعث على التقدير، ففي وقت كان تشافي يزاوج بين الامتداد والارتداد بطريقة ذكية، في الوقت الذي تحول فيه أكرم عفيف إلى مهندس عمليات الوسط، يقدم كراته الملغومة في عمق دفاع الهلال دون تقييده ..

مارس تشافي أسلوب الضغط المباشر على حامل الكرة، وأجاد لاعبو السد احتواء فنيات لاعبي الهلال، وأثمر هذا الضغط من العمق عن أخطاء هلالية كارثية، نتج عنها ثلاثة أهداف في أربع دقائق.. تصوروا! ..

لم أصدق أن تشافي حنط مفكرة خصمه الروماني بهذه الطريقة الذكية، إلا عندما استقبل مرمى الهلال ثلاثة أهداف في ظرف أربع دقائق .. بدأها أكرم عفيف من ركلة جزاء، ثم أضاف الكوري الجنوبي تي هي نام الهدف الثاني، لحقه حسن الهيدوس بهدف ثالث..

كانت الأهداف الثلاثة كلها تمثل انتصارا صارخا لأسلوب الضغط على منطقة وسط الهلال، ومن ثم إجبار الوسط الدفاعي على ارتكاب الكوارث في العمق، فيما كان لوشيسكو في سبات عميق، ولم يحرك ساكنا وهو يرى عمق الدفاع يتحلل ويتحول إلى أثر بعد عين ..

وإذا كان تشافي قد طبق نهج الضغط على كل البناء الهلالي، فلأنه أحسن حقيقة تجهيز كتيبته من الناحيتين البدنية والنفسية ..ففي الوقت الذي ظهر الإعياء البدني والنفسي على لاعبي الهلال، كان السد يتسيد الشوط الثاني ويخلق فرصا مثل الرز أمام مرمى الحارس عبدالله المعيوف..

ضاعت تلك الفرص بسبب غياب اللمسة الأخيرة، وكان للمخزون البدني الدور الأكبر في تقزيم كل آليات الهلال في ملعبه وأمام أنصاره، وسألت نفسي وسط طوفان عيال الذيب : ترى ماذا كان سيحدث لو أن المهاجم الجزائري بغداد بو نجاح لم يكن موقوفا ..؟

بصراحة في ظل التحنيط الفرعوني الذي مارسه تشافي على لوشيسكو، وفي ظل انكشاف دفاع الهلال مرات ومرات وتدني لياقة لاعبيه، كان في متناول السد الفوز بستة أو سبعة أهداف، لو تواجد ملك منطقة الجزاء بغداد بو نجاح ..

اعتمد الهلال كثيرا على عملية الانكماش في الوسط، وهو أمر أدى إلى تضارب في المهام بين الرباعي على الرواقين سالم الدوسري وياسر الشهراني وكاريلو و محمد البريك، كانت تعليمات مدرب السد قائمة على استنزاف الحالة البدنية للاعبي الهلال من خلال تنويع اللعب، وضرب العمق الدفاعي الهلالي بأقل عدد من التمريرات، هذه الطريقة الخاطفة ما كان لها أن تنجح نجاحا كاسحا، لولا أن السد تلقى هدايا زرقاء مجانية، تارة من المدرب المندهش، وتارة أخرى من اللاعبين أنفسهم.

الهلال بلا طراوة بدنية ..

تقدم الهلال مبكرا عن طريق الثعلب سالم الدوسري بخطأ دفاعي من خورخي بو علام، هذا التقدم لعب دورا سلبيا حين اقتنع اللاعبون أن المباراة مجرد نزهة وتسلية واحتفال ..

لهذا عندما جاء التعادل من ركلة جزاء إثر خطأ مزدوج من محمد البريك على أكرم عفيف، ارتبك لاعبو الهلال، ارتباكا دام أربع دقائق، وعندما استفاقوا كانت النتيجة مروعة بحق، فالمعجزة السداوية دنت، ولم يبق بينها وبين الواقع سوى هدف وحيد، ومازلنا بعد في الدقيقة العشرين من الشوط الأول ..

ربما كان الفرنسي غوميز هو الوحيد الذي قاتل قتال الأبطال دفاعا وهجوما، ولولا هدفه الثاني قبل نهاية الشوط الأول لتلاشى حلم الهلال وتبخر مثل خيط دخان في ملعب محيط الرعب ..

الأغرب من الإبل أن مدرب الهلال لوشيسكو كان يشاهد ويرى تصدع العمق، والأغرب أنه أيضا مثلنا اكتشف أن منسوب اللياقة البدنية عند لاعبيه انخفض في الشوط الثاني إلى رقم مخيف، ومع ذلك جاءت تبديلاته متأخرة جدا ولم تمنح الفريق الطراوة البدنية التي يحتاجها في دقائق الرعب الأخيرة، كانت تغييرات كلاسيكية هدفها قتل واستنزاف الوقت، ولم تحمل طابعا فنيا على الإطلاق ..

كان عبدالله عطيف الذي يفترض أنه عنصر أمان لزميله سلمان الفرج يئن تحت وطأة الإرهاق، وكان يفترض إخراجه بعد عشر دقائق على بداية الشوط الثاني لمصلحة ناصر الدوسري، لكننا رأينا لوشيسكو يتخبط في تغييراته ويتأخر، حتى أنه سحب أفضل لاعبي الهلال جيوفينكو ليضيف إلى عمق الوسط محمد الشلهوب الذي لا يقوى على العراكية ..

سجل مدافع السد خورخي بو علام هدف السد الرابع قبل دقيقة على نهاية الوقت بدل الضائع، ثم اختنقت واحتبست أنفاس الهلاليين مع آخر ركلة حرة للسد، ومن حسن حظ الحارس المعيوف أنه وجد تسديدة بو علام بين يديه ..

أيها الهلاليون ..اقرأوا الدرس جيدا

تأهل الهلال إلى النهائي، هذا صحيح .. لكن وجب على الجهاز الفني والإداري واللاعبين مشاهدة هذه المباراة مرارا وتكرارا، والاستفادة من درس السد الذي يفترض أن يعيد لاعبي الهلال إلى أرض الواقع، لأن الخصم القادم من الشرق هذه المرة سيكون أكثر شراسة وأكثر قوة ..

الفوز بدوري أبطال آسيا بحاجة إلى بصيرة فنية وتكتيكية غنية بالجانب البدني والنفسي، الهلال قادم على مواجهتين أصعب بكل تأكيد من مواجهتي السد، الأولى في الرياض والثانية في أقصى الشرق، يجب أن يتحلى الفريق بالانضباط الكامل داخل الملعب في الرخاء والشدة، وطالما وقد أدخل فريق السد جاره الهلال في ثورة شك كلثومية، فلا مفر من قراءة محتويات هذا الدرس، حتى لا يلدغ الهلال في النهائي من جحر شرق آسيا مرتين ..

مبارك للهلاليين تأهل زعيمهم للنهائي، رغم لكن الاستدراكية وما تحمله من مخاوف مشروعة تهدد الحلم الخليجي بتزعم كبرى قارات العالم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى