جيسوس.. من الكتابة على الجدران إلى الصعود لسماء ماراكانا

تقرير- أحمد مختار

“لقد صنع جيسوس نقلة تكتيكية مع فلامنجو، أطلب من تيتي، مدرب السيلساو، التعلم من طريقة لعب نظيره البرتغالي، والسير على خطاه، جورجي يلعب بثنائي هجومي دون خوف، يصعد إلى الأمام ويسجل فريقه أهدافاً غزيرة، هذه هي كرة القدم التي يجب أن يلعبها منتخب البرازيل”.

بهذه الكلمات وصف إدموندو، لاعب برازيلي سابق، عمل المدير الفني البرتغالي مع فريق فلامنجو هذا الموسم، ليطالب جميع مدربي الكرة البرازيلية بمتابعته واتباع منهجه في التدريب.

إدموندو ليس بمفرده من فعل ذلك، بل تفاعل محللو ومقدمو ستديوهات القنوات البرازيلية بنفس الطريقة، لدرجة أن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، ليطالب الاتحاد المحلي بإقالة تيتي والتعاقد مع جيسوس، حتى ينقل تجربته الناجحة مع فلامنجو إلى السيلساو الذي يعاني مؤخراً على مستوى الأداء وانخفاض معدلات النجوم الكبار.

رحل جيسوس عن تدريب الهلال السعودي منتصف الموسم الماضي تقريباً، رغم تصدره بطولة الدوري ووجود فريقه كمنافس قوي في مختلف البطولات، والسبب بعض الخلافات الفنية وغير الفنية مع إدارة الزعيم بقيادة محمد بن فيصل، لدرجة أن الرئيس السابق للنادي قال في تصريحات تليفزيونية: “إقالة جيسوس لم تكن فنية فقط، إنما بسبب بعض تصرفات جيسوس مثل الكتابة على الجدران في غرف الملابس وغيرها”.

ابتعد البرتغالي بعض الوقت عن التدريب، حتى قرر خوض تجربة مغايرة تماماً، نحو الدوري البرازيلي وفريقه الكبير فلامنجو، من أجل النجاح في مكان بعيد، بالإضافة إلى تكرار تجربة من سبقوه من المدربين الأوروبيين في خمسينات القرن العشرين، ولأنه حقق كل شيء ممكن على الصعيد المحلي مع فرق بحجم بنفيكا وسبورتنج لشبونة، وحتى براجا، التي صنع معها فرقاً أشير إليها بالبنان في مختلف الملاعب البرتغالية.

فلامنجو وصل إلى نهائي كوبا ليبرتادوريس للمرة الأولى منذ 38 عاماً، بعد سحق منافسه جريميو بنتيجة ستة أهداف مقابل هدف بمجموع المباراتين، مع تصدره بطولة الدوري البرازيلي بفارق 10 نقاط كاملة عن بالميراس صاحب المركز الثاني، أرقام خيالية وإنجازات واقعية لجيسوس مع فريقه اللاتيني، لكن الأهم من كل ذلك أنه جلب مع الفوز أسلوب لعب فريدا من نوعه، وجمع بين الإقناع والإمتاع في قالب واحد، ليحقق المعادلة الصعبة، بل المستحيلة، في السنوات الأخيرة بأمريكا الجنوبية.

نقل المجريون كرة القدم في النصف الأول من القرن العشرين، وسافر مدربوهم إلى كل أنحاء العالم، من أجل تجديد اللعبة ونسخ أفكارهم بالملاعب المختلفة، ومن بين هؤلاء بيلا جوتمان ودوري كرايشنر، الأول قام بتدريب فريق ساو باولو، والثاني سبقه في تولي قيادة فلامنجو.

جوتمان كانت له تجربة رائعة في البرازيل مع ساو باولو، استفاد منها السيلساو كثيراً في تغيير الخطط وتطويرها وصولاً لتحقيق بطولات عديدة في كؤوس العالم بعد ذلك، قرر بيلا أن يلعب بنفس النسق التكتيكي 4-2-4، لكن بسرعة أكبر في نقل الهجمة من الدفاع إلى الهجوم، لذلك لم يأت جوتمان بخطط جديدة إلى البرازيل، لكنه أضاف بعد التوازن الخططي إلى المدربين هناك، حتى استفاد فيستني فيولا، مدرب المنتخب البرازيلي في مونديال 1958 من هذه الأفكار، وأوجد نظاما تكتيكيا يضمن الهجوم المهاري مع الثبات الدفاعي بالخلف، وفق ما جاء في رائعة “قلب الهرم”.

“حينما تستلم الكرة، مررها مباشرة إلى جارينشيا، الكرة الثانية يجب أن تكون للجناح”. يقول فيولا المدرب هذا الكلام إلى ديدي الذي يقوم بعمل التحول السريع ناحية الجناح جارينشيا، بينما زاجولو الجناح الآخر يعود لمساندة الوسط عند الحاجة، مهاجم صريح في المنطقة مع بيليه خلفه، هكذا وصل البرازيليون إلى المجد، بالأفكار الفنية القادمة من المجر، والمهارات اللاتينية الخالصة المنتشرة على شواطئ بلاد الكوبا كابانا، لذلك فإن جيسوس يعيد الآن ما قدمه أسلافه في زمن فات.

استوعب فلامنجو بسرعة أساليب جيسوس وأفكاره التدريبية، وأنتج علامة تجارية منعشة لكرة القدم في دوري تعوقه ثقافة التدريب المحافظة والتفكير على المدى القصير، كما وصفت “فوربس” بإيجاز تجربة البرتغالي في البرازيل.

خلال أيامه الأولى في مجمع التدريبات، أتقن المدرب أن بعض اللاعبين في حاجة إلى زيادة الأحمال البدنية، واستأجر طائرة بدون طيار لمراقبة التكتيكات والركض أثناء الإحماء لضبط السرعة، قال جيسوس في مؤتمر صحفي سابق: “لم أقل قط إن المدربين البرازيليين عفا عليهم الزمن، قلت فقط إن المهارات أكثر قيمة من التكتيكات هنا”.

يلعب فلامنجو مع جورجي بأكثر من رسم خططي، 4-2-3-1 في بعض المباريات، 4-2-2-2 في أحيان أخرى، بالإضافة إلى 4-1-3-2 في مباريات خارج الأرض بكوبا ليبرتادوريس، المهم في كل ذلك أن الفريق يتمتع بمرونة خططية كبيرة، مع جرأة أكبر في الهجوم، بالضغط العالي بمناطق الخصم مع التحولات السريعة، واستخدام محور دفاعي واحد أمام رباعي الدفاع، بالإضافة إلى ثنائي هجومي صريح، أو رأس حربة وخلفه لاعب متحرك بين الطرف والعمق.

عاد “جابيجول” إلى القمة مع البرتغالي، وظهر برونو هنريكي بمستوى مميز للغاية، مع نجاح جيرسون وأراو وموتا في تعويض رحيل جوستافو كويلار، المنتقل مؤخراً إلى الهلال، دون نسيان فتح الملعب عرضياً بواسطة الجناحين ريبيرو وأراسكايتا، لقد حول المدرب مجموعة من لاعبيه الجيدين إلى ممتازين في فترة زمنية قياسية، فقط لأنه قلل من لعبهم الفردي، وألزمهم بالخضوع لنظامه التكتيكي وبنيته الخططية، ليترجم ذلك إلى تحركات أفضل وضغط أكثر شراسة مع تمركز ذكي بالكرة ومن دونها، مما جعلهم يتفوقون على خصومهم، البارعين أكثر في الجانبين المهاري والفردي.

خاص جيسوس مع فلامنجو حتى الآن 25 مباراة، فاز في 19، خسر مرتين، وتعادل في 4، مع تسجيل 58 هدفا مقابل استقبال 19 فقط، والأهم من كل ذلك أن فريقه أصبح غير متوقع بالمرة في هجومه، ليسجل عن طريق اللعب المنظم، المرتدات، والضغط العكسي في نصف ملعب الخصم، ليتبقى له فقط هزيمة حامل اللقب ريفر بليت في النهائي القاري الكبير، حتى يصعد إلى عنان السماء، رفقة فريقه البرازيلي المتشوق نحو إعادة الأمجاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى