كريم بنزيما.. بين مطرقة ديشامب وسندان لوغريت..!

تحليل- محمد العولقي

كالنار في الهشيم، عادت قضية عودة كريم بنزيما لصفوف منتخب فرنسا من عدمها تشتعل، وبات حريقها يغطي كل الغابة في فرنسا، لكن مع تعديل مثير في سيناريو الحكاية التي تشغل العالم من أقصاه إلى أدناه، وقصة تجميد عضوية مهاجم ريال مدريد مع منتخب الديوك ليست وليدة اللحظة، لأن المهاجم الفرنسي الأبرز بين أبناء جيله يعاني من عقوق المدرب ديديه ديشامب منذ أربع سنوات عجاف..

لكن.. لماذا تصاعدت الملاسنات بين بنزيمة والاتحاد الفرنسي من جانب وديديه ديشامب من جانب آخر ..؟، الواقع أن الرماد الذي حاول فيه ديشامب دفن قضية بنزيمة مع المنتخب تحت حجج فنية، كان يخفي في باطنه جمرا مستعرا، بحاجة فقط إلى من ينفخ فيه، لتعود الأزمة أكثر اشتعالا وسعيرا، ومن دون أن يعمل نويل لوغريت حسابا لتبعات الحريق القادم الذي شب في البيت الفرنسي الكروي، نفخ في رماد الأزمة بغباء شديد و بعنصرية واضحة، الأمر الذي أكسب بنزيمة تعاطفا لا حدود له داخل فرنسا وخارجها، لم يكن يخطر على بال البريزيدانت لوغريت نفسه ..

الحقيقة الأخرى التي ألهبت المشهد كانت تصريحات زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد، الذي طالب زميله ديشامب بضرورة إعادة بنزيمة للمنتخب، لأنه المهاجم الأبرز على الساحتين الفرنسية والعالمية حاليا ..

تصريح أزعج ديشامب كثيرا، ووضعه بالفعل أمام مفترق طرق مع بنزيمة المبعد عن المنتخب لأسباب غير مفهومة، ولعل ردة فعل مدرب الديوك الذي يعاني من ضائقة هجومية منذ تحنيط بنزيمة، كانت دليلا على أن تصريحات زيدان كانت عود الثقاب الذي أشعل الحدث، بكل ما يحمل من خطورة في التعامل مع لاعب لم يكن مذنبا كما أكد القضاء الفرنسي نفسه ..

خطة تدمير بنزيما دوليا

ديشامب

إذا كان ديشامب يبرر دائما أن إبعاد بنزيمة عن المنتخب مجرد إجراءات احترازية، على خلفية اتهام بنزيما بالابتزاز في قضية الشريط الجنسي الخاص بماتيو فالبوينا، فإنه اليوم تخلى عن تلك النغمة التي كان يتغنى بها، فأرجع الاستغناء عن خدمات المهاجم المتألق مع ريال مدريد لأسباب فنية بحتة، تتعلق بالتكتيك الذي يعتمده مع المنتخب في البطولات الكبرى ..

ببساطة، الإجراءات الاحترازية التي يتذرع بها ديشامب لحماية المنتخب من التداعيات غير الأخلاقية لم تعد مقبولة، فبعد أن اكتشف القضاء الفرنسي حجم المؤامرة على الجزائري الأصل كريم بنزيمة برأه من تهمة الشريط الفاضح، وكان يفترض على الاتحاد الفرنسي رد اعتبار لاعبه، والذي لازال في نظر الفرنسيين المتعاطفين عطرا ذا رائحة نفاذة قادمة من مصنع العطور الأصلي زين الدين زيدان ..

لم نشاهد بعد تبرئة بنزيمة سوى رود أفعال رسمية باهتة ودون مذاق، وهذا يعني أن نوايا ديشامب وأعضاء الاتحاد الفرنسي كانت مبيتة وتستهدف تصفية بنزيمة دوليا مهما كان الثمن ..

انتهج الاتحاد الفرنسي مع بنزيمة سياسة الموت البطيء، ولا بأس في خضم أفراح الفرنسيين بالفوز ببطولة كأس العالم الأخيرة في روسيا من تدوير نفس الفكر العنصري الذي انتهجه مع بداية الأزمة المفتعلة مع بنزيمة ..

استحسنت كل الأطراف لعبة تجاهل عودة بنزيمة، مع إضافة قليل من البهارات الحراقة كلما توقف الهجوم الفرنسي عن النبض، كانت خطة تدمير كريم بنزيمة دوليا تعتمد على محورين :
الأول : إطالة أمد البت القضائي في قضية اتهامه بابتزاز زميله فالبوينا، رغم أنها منذ البداية كانت تهمة كيدية لا تستند إلى أدلة دامغة، والثاني: الرهان على أن بنزيمة سيطرد من ريال مدريد، مع فشله في شغل فراغ رحيل كريستيانو رونالدو ..

وإذا كان الاتحاد الفرنسي قد سجل نجاحا ساحقا في المحور الأول، بحكم أن المؤامرة ظلت ولازالت داخلية فقط، إلا أن بنزيمة نجح نجاحا كاسحا مع ريال مدريد، وبذلك خيب ظن الاتحاد الفرنسي في أهم محور كان يستهدف تدميره ..

قانون ديشامب الأعرج

ظل ديشامب يلوك نفس العلكة، ويتذرع بنفس الأسطوانة المشروخة مع كل مباراة للمنتخب الفرنسيء:” لم أستدع بنزيمة لأسباب فنية فقط”،كنت مثلي مثل كل محلل شاب رأسه وشيب من هول الشاكلات الفنية أتساءل حول الكواليس المحيطة بأزمة بنزيمة مع منتخب فرنسا : أية سذاجة هذه التي يبتدعها ديديه ديشامب عندما يعلق قرار عدم استدعاء كريم للمنتخب على الشماعة الفنية..؟.

كل مدربي العالم أجمعوا على أن كريم مهاجم تكتيكي من الطراز الذي يروق لأية شاكلة لعب، فكيف يكون عديم الفائدة فنيا في نظر ديشامب ..؟حسنا يا عزيزي .. هل ألوفيه جيرو المهاجم الصنم الذي لم يرفع أو ينصب حرفا في كأس العالم أهم فنيا للمنتخب من كريم بنزيمة، الذي يعد أفضل مهاجم في العالم يلعب بدون كرة في العمق ويقدم خدمات فوق العادة للقادمين من الخلف ..؟.

مرة – ربما زلة لسان – قال ديشامب إنه استدعى وسام بن يدر لأنه بحاجة إلى مهاجم يسقط للخلف بهدف تحرير المساحات أمام الرواقين كومان وكليان مبابي وحتى جريزمان في العمق، سقط فكي الأسفل من بلاهة ديشامب، فهل فنيات بن يدر أفضل من فنيات بنزيمة، رغم أن الفارق بين الاثنين فنيا وتكتيكيا يساوي بعد السماء عن الأرض ..؟، ربما يخرج ديشامب لسانه لمعارضيه وللمتعاطفين مع عودة بنزيمة مجددا للساحة الدولية، لكن الأرقام تؤكد أن فرنسا خسرت قوتها الهجومية الضاربة في غياب بنزيمة، لاحظوا أن فرنسا تفوز على الفرق المتوسطة والنص نص بطلوع الروح وبشق النفس الأمارة بالسوء، وهذا لأن ديشامب لازال عنيدا في مسألة الاعتماد الكلي على جيرو، اللاعب الاحتياطي مع تشيلسي الإنجليزي والذي يلعب الكرة برأسه فقط لا بقدميه، مفارقة تستعصي على الفهم، في وقت يكون فيه إنتاج كريم بنزيمة في أعلى معدلاته مع ريال مدريد، يفضل عليه ديشامب مهاجما صنما رصيده مع تشيلسي صفر من الأهداف .. ألا تشموا معي من هذه المفارقة رائحة عنصرية الهوى والهوية ..؟.

كان يمكن لي ولغيري هضم نظرية ديشامب لو أن إنتاج هجوم منتخب فرنسا كان غزيرا في تصفيات أمم أوروبا، لكن بنظرة إلى السجل المخجل سنجد أن فرنسا تعطلت أمام مولدوفا وكادت تسقط لعدم وجود متمم في الهجوم، حتى عندما اعتبر ديشامب مباراة العودة مع تركيا، مسألة كرامة بعد الخسارة الموجعة في اسطنبول، تعادل الفرنسيون في باريس وفشل الهجوم مجددا في القضاء على ذلك العقم..

حتى بطولة كأس العالم التي فاز بها الفرنسيون كانت بفضل صلابة خط الدفاع أولا، ثم بفضل التوفيق الذي صاحب خط وسط فرنسا من دون أن نلغي أن كليان مبابي كان القوة الضاربة على الرواق الأيمن، أي أنه رغم أهدافه الأربعة لم يكن مهاجما قارا، بعملية جرد بسيطة لأرقام منتخب فرنسا في كأس العالم سنكتشف أن الأهداف جاءت كما يلي :
– كليان مبابي .. أربعة أهداف وهو لاعب رواق وليس مهاجما
– أنطوان جريزمان .. أربعة أهداف وهو صانع ألعاب وليس مهاجما ..
– بول بوجبا .. هدف وهو لاعب ارتكاز دفاعي
– رافائيل فاران .. هدف وهو قلب دفاع ..
– صامويل أومتيتي .. هدف وهو قلب دفاع ..
– بنيمين بافارد .. هدف واحد وهو ظهير أيمن ..
لاحظوا أن تأثير قلب الهجوم كان صفرا على الشمال والجنوب، وقتها اكتفى جيرو بإهدار الفرص التي لا تضيع من مهاجم سنة أولى حضانة ..

نعم أقولها رغم أنف ديديه ديشامب: كان يمكن لإنتاج منتخب فرنسا في كأس العالم أن يكون غزيرا، لو اعتمد المدرب على فنيات كريم بنزيمة، وكان يمكن لكليان مبابي أن يكون هدافا تاريخيا في كأس العالم، لو كان يلعب أمامه في العمق كريم بنزيمة الذي يقدم الكرات الحاسمة على طبق من الحلوى، لكنه قانون ديشامب الأعرج ..

لوغريت .. عنصرية تثير السخط

نويل لوغريت

دخول رئيس الاتحاد الفرنسي نويل لوغريت على خط الأزمة كشف عن الوجه القبيح لممارسات عنصرية خطيرة، كان لوغريت يظن بتصريحه الأجوف أنه يضع النهاية لمشوار كريم بنزيمة دوليا، لكنه وقع في المحظور، عماها تماما بحجة تكحيلها، أغلق لوغريت الباب في وجه كريم بنزيمة تماما، مؤكدا أن مشواره الدولي انتهى، كلام الرئيس أثار موجة جارفة من السخط في فرنسا، ولقد كان إجماع الإعلام الفرنسي يؤكد أن بنزيمة سيعلن اعتزاله اللعب دوليا، حتى يجنب ديشامب و لوغريت المزيد من الحرج..

غير أن رد فعل الديك المغضوب عليه كان مخيبا لآمال المدرب ورئيس الاتحاد ، رد بنزيمة قائلا :
” أنا فقط من يقول إن مسيرتي الدولية انتهت ، وإذا كنت تعتقد أنني انتهيت فدعني ألعب في واحدة من البلدان التي أكون مؤهلا لها وسنرى “، رد فعل بنزيمة أشعل الكثير من الحرائق في فرنسا والجزائر معا، وبات لوغريت في وضع صعب، فهو يسلك سلوك اليمين المتطرف في فرنسا في تعامله العنصري مع أزمة كريم، الأمر الذي جعل فرنسا تخرج عن بكرة أبيها منددة بتصرف رئيس الاتحاد ..

لست هنا في وارد الانشغال عن خيوط الأزمة بأحقية ارتداء بنزيمة لقميص منتخب الجزائر من عدمه، هذا لأن المسألة ليست سهلة على الورق، رغم أنها أيضا ليست مستحيلة، لكن من الأفضل التعاطي مع أزمة كريم من بوابة رد اعتباره دوليا مع المنتخب الفرنسي دون غيره، لن يكف الديك الفرنسي عن الصياح في وجه العنصرية والتسلط العرقي، كما أن بنزيمة يعلم أنه كلما هز الشباك وقاد ريال مدريد من نصر إلى نصر، كلما وضع لوغريت وديشامب تحت الضغط الشعبي والجماهيري، وهذا هو السبيل الوحيد لعودة كريم بنزيمة إلى النخبة الفرنسية بطلا، عندها يمكنه إخراج لسانه للثنائي لوغريت وديشامب قائلا : موتا بغيظكما ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى