معضلة برشلونة.. كيف فقد النادي الكتالوني أسلوبه؟

تقرير – محمد يوسف

“بالنسبة لي، كل شيء يبدو غريباً”.

ربما اختيار ميسي لهذه الكلمات يقدم جزءاً من الإجابة عن هذا السؤال!

منذ بدء العام الجديد، قضى النادي معظم أوقاته يترنح ويتنقل بين دراما وأخرى، كلها تقريباً من داخل النادي. بدأت بالتعامل الفاشل في عملية استبدال المدرب إرنستو فالفيردي، والمغازلة العلنية، غير الضرورية وغير الناجحة في النهاية، مع تشافي هيرنانديز كبديل له. ثم المشاحنات بين المدير الرياضي إيريك أبيدال وميسي، حول ادعاء الأول بتآمر اللاعبين للإطاحة بفالفيردي.

ووصل الأمر بالنادي أن يقاضيه أحد لاعبيه، وهو أرتورو فيدال، في نزاع حول دفع المكافآت. النادي الذي باع اثنين من المهاجمين في يناير لإفساح المجال لصفقة جديدة، لكنها لم تصل أبداً. النادي الذي أوصل نفسه، بطريقة أو بأخرى، إلى وضع معقد، قد يخسر فيه أحد أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم، وبدون أي مقابل في الصيف المقبل.

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت شبكة كادينا سير أن الرئيس جوسيب ماريا بارتوميو قد استعان بإحدى شركات التكنولوجيا الرقمية، ليس فقط من أجل تعزيز وتجميل صورته في وسائل التواصل الاجتماعية، ولكن أيضاً بهدف تشويه سمعة مجموعة من الأشخاص، والتي شملت المنافسين المحتملين لرئاسة النادي، بالإضافة لعدد من لاعبي وقائدي الفريق، مثل ميسي وبيكيه.

ميسي كان في إجازة عندما حدث كل هذا، وعند عودته إلى كتالونيا، لم يجد سوى طريقة واحدة لوصف ما حدث، وهي أن: “كل شيء يبدو غريباً”.

الرجل الذي يرتدي القميص رقم 10

ليونيل ميسي

أمر معتاد من برشلونة، بالطبع، أنه في نهاية ستة أسابيع من الادّعاءات والردود المضادة وكل تلك الفوضى، أن يتربع الآن وحيداً على قمة جدول الدوري الإسباني. قبل أسبوعين فقط، بدا الفريق أنه يكافح من أجل اللحاق بـ ريال مدريد في الصدارة. ولكن الآن، بفضل السقوط المفاجئ لمنافسه، يبعد البارسا نقطتان عن غريمه التقليدي.

يوم السبت الماضي، سجل ميسي أربعة أهداف، بينما برشلونة يسحق إيبار على الكامب نو، وهو ما كان الاستعداد المثالي لمباراتهم مع نابولي في دوري أبطال أوروبا يوم الثلاثاء الماضي، حيث ذهب ميسي لأول مرة إلى استاد سان باولو، ثم يوم الأحد القادم، يأتي الكلاسيكو الثاني هذا الموسم في مدريد. وإذا انتصر الفريق هناك، فإن بطولة إسبانية ثالثة على التوالي سوف تلوح في الأفق.

على كل الأحوال، قد اعتاد برشلونة على ذلك في السنوات الأخيرة؛ فعندما تبدو لحظة الانهيار، التي طال انتظارها، قد وصلت أخيراً، يتحدى النادي أي أزمة تواجهه، ويخرج في النهاية محققاً المجد، أو ربما شيء يشبه المجد.

ليس هناك غموض حقيقي فيما يتعلق بكيفية حدوث ذلك: فالرجل الذي يرتدي القميص رقم 10 قوي بما يكفي ليحمل كل هذا الوزن الهائل على أكتافه. ولكن إن كان حضور ميسي يعني أن برشلونة الفريق قد يتمكن من تجنب التغيير الشامل لفترة من الوقت، فإن برشلونة النادي أمر مختلف.

خوان لابورتا.. وأسلوب برشلونة الجديد

خوان لابورتا

ذكر بوبي تشارلتون، النجم التاريخي لنادي مانشستر يونايتد ومنتخب إنجلترا، ذات مرة: “يجب أن تحاول كل الفرق أن تلعب بأسلوب برشلونة”.

خلال العقدين الماضيين، لم يصبح برشلونة نقطةً مرجعيةً لأسلوب لعب الفرق فحسب، ولكنه أصبح أيضاً نقطةً مرجعيةً لكيفية إدارة الأندية.

التجسد الحالي لشكل برشلونة يعود إلى عام 2003، مع انتخاب المحامي الطموح ذو الكاريزما خوان لابورتا رئيساً للنادي. كان يُمكن تشبيهه، في ذلك الوقت، بكينيدي كتالونيا: محام وسيم، انفصالي متحمس، يبشر بعصر جديد مشرق.

ترك لابورتا خلفه عدد من المسؤولين ممن تشكّلوا من نفس قماشته: ساندرو روسيل وبارتوميو أصبحوا رؤساء للنادي، وفيران سوريانو أصبح الرئيس التنفيذي لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي، بينما مارك إنجلا يدير الآن النادي الفرنسي ليل.

كان لابورتا يُمثل ما أسماه “ثورة الأجيال”؛ حيث كانت نفس الوجوه القديمة تُدير النادي لفترة طويلة، بنفس الأصوات القديمة، وبنفس الأفكار القديمة. رأى لابورتا حاجة النادي أن يتقدم إلى الأمام أكثر، وشجع مساعديه على ابتكار أفكار جديدة لزيادة عائدات برشلونة المالية.

أراد لابورتا للفريق أن يكون مرآة لبرشلونة: ليس فقط من خلال بناءه حول المواهب الرائعة من لا ماسيا، أكاديمية النادي للشباب، ولكن من خلال الاستفادة من ازدهار روح المبادرة لكتالونيا في بداية القرن الجديد.

نقطة تحول جديدة تقترب

واصل نادي برشلونة العمل بهذه الروح، حتى مع تغير الوجوه المسؤولة عن النادي. انتهت ولاية لابورتا في عام 2010، ثم جاء خليفته ساندرو روسيل، الذي استقال بعد فضيحة اتهامه بجرائم مالية في عام 2014. ولكن في عام 2017 بدأ النادي في إنشاء مركزاً للابتكار، بهدف أن يصبح وادي السيليكون لكرة القدم. وفي عام 2018، كان برشلونة أول فريق رياضي يتجاوز مليار دولار من الإيرادات.

تحول نادي برشلونة، ببطء، من فريق رياضي إلى مؤسسة أعمال تجارية. في كتابه “طريقة برشلونة”، يفصّل داميان هيوز، أستاذ علم النفس بجامعة مانشستر متروبوليتان، المبادئ الخمسة الرئيسية التي يرتكز عليها نجاح برشلونة؛ حيث كتب: “من خلال اتباع أساليب النادي، من الممكن تعلُّم فك شفرة الحمض النووي لثقافة الفوز”.

وبعد بضع سنوات فحسب، يبدو أن ثقافة برشلونة في الفوز ما زالت موجودة، بالرغم من هيكله الإداري الشبيه بالشركات، وليس بسببه.

أي رئيس تنفيذي يبحث عن الإلهام الآن قد يستنتج شيئاً واحداً: “تأكد من وجود ليونيل ميسي في شركتك”. ربما ينبغي أن يكون هذا واضحاً منذ فترة لا بأس بها.

قد تكون المشاكل التي يواجهها النادي الآن سطحية نسبياً إلى حد ما، بالمقارنة مثلاً مع عقوبة الحظر التي وقعت عليه بسبب الناشئين ومخالفة لوائح الفيفا، أو فضيحة انتقال نيمار والتي أرسلت روسيل إلى السجن في النهاية. هذا النادي أصبح معتاداً على الأشياء الغريبة التي تحدث.

والفضل يعود لـ ميسي وزملائه في الفريق أنهم حققوا الكثير في ظل كل هذه الأزمات القاتلة، ولكنه أمر حتمي لا مفر منه أنهم، في مرحلة ما، لن يتمكنوا من إخفاء فشل النادي بعد الآن.

كل نجاح نادي برشلونة، ومكانته بوصفه أبرز فريق لكرة القدم في العالم خلال القرن الواحد والعشرين حتى الآن، بدأ مع روح الثورة، بمعنى أن شيئاً جوهرياً كان يجب أن يتغير في عام 2003. والآن، يبدو أن هناك نقطة تحول جديدة تقترب.

 

تقرير مترجم من صحيفة نيويورك تايمز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى