كلاسيكو الأرض.. ريال مدريد هايص وبرشلونة لايص!

تحليل – محمد العولقي

تنفس ريال مدريد الصعداء، و استرد الفريق الملكي توازنه النفسي في الوقت المناسب، وكان ضحية هذا التنفس و التوازن فريق برشلونة ونجمه الكبير ليونيل ميسي ..

منذ زمن بعيد لم يفز ريال مدريد على غريمه برشلونة في سانتياغو برنابيو ، حتى عندما كان في أفضل أحواله، كان ريال مدريد يجني التعادل في أفضل الأحوال ..

هذه المرة حدث العكس ، عندما كان ريال مدريد في حالة ما يعلم بها إلا ربنا ، و برشلونة في وضع نفسي و معنوي أفضل ، تفوق ريال مدريد على كل مشاكله النفسية بالدرجة الأولى ، وعرف زيدان في لحظة إلهام من أين تؤكل كتف البلوجرانا ..
لم يكن هدفا فينيسيوس جونيور و ماريانو دياز سوى ترجمة فعلية لما كان عليه ريال مدريد في الشوط الثاني من حضور بدني و نفسي وفني و تكتيكي ..

وأمام دهشة أكثر المدريديين تفاؤلا أصبح سؤال كل المدريديين: كيف انقلب ريال مدريد من النقيض إلى النقيض؟

بطريقة أخرى لا لبس فيها: كيف تحول ريال مدريد من حمل وديع يتسول الرحمة على ملعبه، إلى غول متوحش تعشى ثم تجشأ على مائدة برشلونة العمرانة بكل ما لذ وطاب؟

وأيا كان منسوب التساؤلات، تظل هناك حقيقة واحدة كشفتها المباراة الكبيرة التي دارت على مرأى و مسمع من نجم ريال مدريد وأهدافه لكل الأزمنة كرستيانو رونالدو مفادها: ريال مدريد هايص في الصدارة و برشلونة لايص بعد أن خسر معركة الكلاسيكو دون أن يخسر حرب لاليجا نهائيا

الريال على بساط الريح

لم يكن مدرب برشلونة كيكي سيتين يتوقع ولا حتى في الأحلام أن زيدان سيخالف كل شيء ، ثم يغامر بالاعتماد على شاكلة 4/3/3..

كانت المفاجأة التكتيكية التي هزت برشلونة و عصفت بانضباطه التكتيكي تتمثل في فالفيردي ، رجل الوسط الذي توقعنا أن يؤدي دورا دفاعيا قاتما بالغ الغرابة .. لكن المفاجأة أن زيدان حوله إلى لاعب رواق على الجهة اليمنى ..

أكثرنا اعتبر هذا التحول هراء تكتيكيا و تخبطا زيدانيا جديدا ، فقط لأن اللعب بمحور دفاعي واحد وهو كاسيميرو يعد لعبا بالنار، أمام فريق يمتلك كل مقومات العمق ..

كيف استطاع زيدان تقديم فالفيردي لنا بصورة شاعرية عوضا دسه في المنظومة التكتيكية كبوديجارد في الوسط مهمته حراسة ميسي عند التجاوز؟

ربما بدأ ريال مدريد منقبضا بعض الشيء خلال ثلثي الشوط الأول ، لكن زيدان ادخر كل شيء للشوط الثاني ، شوط المدربين كما يعلمه كل مدرب حاذق أو خائب على حد سواء ، وهذا يعني أن زيدان راهن على السلاح البدني لضرب برشلونة من حيث لا يدري ..

ولم يكن ريال مدريد ليجني كل شيء في النهاية لولا تألق الحارس البلجيكي ثيو كورتوا الذي كان درعا واقيا في عرينه، حين أبطل مفعول ثلاثة انفرادات محققة من ميسي و أرتور ، ثم من البديل مارتن برايثوايت في الشوط الثاني ..
وإذا كان زيدان قد اقتنع بشاكلة مفتاحها الرواقين ، فلأنه كان يدرك تماما أن الخطورة الحقيقية تكمن في تسربات البرازيلي الواعد فينيسيوس جونيور بالدرجة الأولى ..

لم يكن فينيسيوس على قدر كبير من الفاعلية في الشوط الأول ، بسبب غياب التركيز أمام ظهير برشلونة الأيمن سيميدو ، لكن زيدان في الشوط الثاني منح خط الوسط الكثير من المرونة التكتيكية في تبادل الأدوار و سرعة الانتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية ..

تحرر فينيسيوس من كل رادارات دفاع برشلونة وتحول إلى سهم ينطلق من قوس خط وسط الريال الذي كان فيه الألماني توني كروس حيويا للغاية، مع المتألق في العمق إيسكو.

وإذا كان زيدان غالبا ما تكون تبديلاته كارثية، إلا أنه هذه المرة أحسن عندما أدخل ماريانو دياز بديلا عن العقيم جدا كريم بنزيمة ، ففي أول لمسه طار دياز على بساط الريح متخطيا صامويل أومتيتي، فسجل هدف التأكيد في الوقت بدل الضائع ومن زاوية صعبة للغاية ..

بالفعل كان الشوط الثاني عاصفا لبرشلونة ، فقد كان لاعبوه وجها لوجه مع الإعصار الأبيض الذي التهم الأخضر واليابس ، ولولا براعة الحارس الألماني تيرشتيجن لمني برشلونة بهزيمة نكراء ..

خجل برشلوني يثير الاستغراب..

كما توقعنا سلفا دخل كيكي سيتين المباراة بشاكلة 4/4/2 التي تبناها أمام نابولي الإيطالي في ذهاب دوري أبطال أوروبا ، غير أن أسلحة خط الوسط بدت معطوبة تماما على مستوى عملية تسريع إيقاع اللعب ..

خسر برشلونة معركة الوسط لأنه كان بطيئا جدا في بناء الهجمات ، ولأنه كان منفعلا وخارج نطاق التركيز ، حيث كثرت التمريرات الخاطئة ، وكان البطء في التحضير سمة مشتركة بين أرتور ميلو و أرتور فيدال ، فهذا الثنائي خسر المعركة البدنية أمام الضغط المدريدي العالي سواء في العمق أو على الرواقين ..

كان ليونيل ميسي محاصرا دائما، و نجح لاعبو مدريد في تحجيمه ومنعه من التمرير الدقيق أو من الاختراقات التي اشتهر بها ، لهذا ظل ميسي يسقط كثيرا إلى الخلف بلا حيلة، تاركا فجوة كبيرة في الثلث الهجومي ..

لم يكن الفرنسي أنطوان جريزمان متواجدا ذهنيا في الشوط الثاني، حين ارتمى في أحضان فاران و راموس ، على عكس الشوط الأول الذي كان فيه الفرنسي نشيطا بعض الشيء ..

لم يكن هناك أي تأثير تكتيكي لكيكي سيتين في الشوط الثاني ، فلم يخلق برشلونة سوى محاولة واحدة كان بطلها ميسي

وأبان سيتين عن قلة حيلة في تجديد دماء برشلونة بعد الهدف الصاعق الذي سجله السهم الملتهب فينيسيوس ، فقد كانت تبديلاته تقليدية وغير موفقة لأن الدفع بالمهاجم الصريح برايثوايت كجناح أيمن بديلا عن فيدال لم يكن موفقا ، أما دخول فاتي و راكيتتش بديلا عن أرتور و جريزمان فلم يكن لهما تأثير في تغيير الشكل الهجومي الخجول لبرشلونة ..

لماذا فاز ريال مدريد؟

إجمالا يمكن اختزال فوز ريال مدريد بكلاسيكو الأرض للاعتبارات التالية:

1- قراءة زين الدين زيدان للمباراة بصورة شاملة، وفرت كثيرا من المناعة التكتيكية لفريق يعاني من غياب الهداف طوال الموسم ..

2- تحريك فالفيردي إلى الجهة اليمنى، منح شاكلة زيدان توازنا كبيرا ، فأصبح الخطر خطرين في اليسار فينيسوس وفي اليمين فالفيردي وكارفخال ، هذه المفاجأة التكتيكية أربكت حسابات مدرب برشلونة كيكي سيتين ، و منحت ريال مدريد الكثير من الطراوة البدنية و الكثير من الحلول في الوسط الهجومي على مستوى البناء ..

3- الحضور البدني القوي للاعبي ريال مدريد ، حيث ظهر لاعبو ريال مدريد في فورمة بدنية مذهلة، وهذا العامل منح ريال مدريد مرونة تكتيكية افتقدها في المناسبات الكبيرة، بالإضافة إلى تألق رفائيل فاران في عمق الدفاع دون أن يرتكب أي خطأ في قطع أو تمرير الكرة ..

4- إخراج جاريث بيل من حسابات الكلاسيكو ، كان هذا القرار حتى و إن بدأ فنيا حسب كلام زيدان، إلا أن غيابه كليا كان له مفعول السحر على لاعبي الريال ، فبيل لا يرى في ريال مدريد سوى عملا إجباريا يؤديه بلا نفس، ثم إن حبل الود بينه وبين زملائه يكاد يكون مقطوعا ..

5- إعادة توني كروس إلى التشكيلة الأساسية على حساب الكرواتي لوكا مودريتش، منح ريال مدريد حلولا في الوسط ، و خلق روحا قتالية يفتقدها مودريتش ، كروس كان مهندس الهدف الأول حين بدأ وكأنه راقص باليه أقرب منه إلى لاعب كرة مقاتل ..

6- الدفع بماريانو دياز كان قرارا حكيما، لأن بنزيمة ظل يرقص بعيدا عن واجبات مهاجم الصندوق ، هدف دياز الثاني دليل على أنه يستحق فرصة جديدة ولو على حساب كريم بنزيمة نفسه ..

7- قتالية لاعبي ريال مدريد وشراسة رد الفعل ، فلاعبو الريال وضعوا في رؤوسهم أن المباراة هي مباراة إنقاذ موسم بالكامل، وأي تعثر جديد معناه رحيل زيدان بالإقالة وتسريح جل أفراد الفريق الموسم القادم ..

ولماذا خسر برشلونة؟

لم يكن أكثر المتشائمين في برشلونة يتوقع هذا السيناريو القاتم الذي انتهى بكابوس خسارة صدارة لاليجا لمصلحة ريال مدريد بفارق نقطة ، ووراء انتكاسة برشلونة أسباب موضوعية و ذاتية نوجزها كما يلي:

1- تكتيك كيكي سيتين الذي ظل بلا مناورة وبلا حلول فردية ، لأن الشاكلة كلها ارتكزت على ومضات ليونيل ميسي وحده ، وعندما تم تقييده انهار البنائين الفني و التكتيكي ..

2- مجازفة سيتين غير الحميدة بالدفع بالظهير جوردي ألبا العائد من الإصابة ولم يكن مهيأ لا بدنيا ولا نفسيا، فكانت جهته مدعاة للعبث من فالفيردي تارة و داني كارفيخال تارة أخرى..

3- الحالة البدنية المهلهلة التي ظهر عليها قلب الدفاع الفرنسي صامويل أومتيتي، فكان نقطة ضعف واضحة، لم يكن قرار سيتين بإشراك أومتيتي صائبا على حساب مواطنه المتألق كليمنت لانجليت..

4- فشل فيدال في تشكيل حائط صد مع الهولندي فرانكي دي يونج الذي أرغم على القيام بدور ضبابي بالغ الغرابة، فيدال كان عصبيا وبلا فاعلية دفاعية وهجومية، ونفس الوصف ينطبق على دي يونج الذي تاه كثيرا بين واجبات الوسط والدفاع ..

5- مبالغة سيتين في منح أنطوان جريزمان دقائق لعب طويلة مع أنه كان خيال مآتة ، وكان يستوجب تبديله بعد ربع ساعة على بداية الشوط الثاني ، لكن سيتين عاند حتى طارت طيور ريال مدريد بأرزاقها ..

6- الثقة العمياء التي غلفت لاعبي برشلونة ، ثقة بلغت حد الغرور و التعالي على ريال مدريد ، فقد كان لاعبو برشلونة يظنون أنهم في نزهة و أنهم قادرون على حسم الكلاسيكو بأقل جهد ممكن ، وهنا انقلب السحر على الساحر ولقن لاعبو الريال لاعبي برشلونة درسا قاسيا يصعب الخروج من توابعه دون رد فعل قوي في دوري أبطال أوروبا ..

7- العودة مجددا إلى أسلوب التيكي تاكا العقيم، حيث الاستحواذ السلبي و البطء في إنهاء الهجمة، ثم كثرة الكرات المقطوعة غير المركزة ، معنى ذلك أن إعداد برشلونة للكلاسيكو كان سيئا من كافة الوجوه ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى