أرسنال 2004.. كيف صنع فينجر فريقاً لا يقهر؟

تقرير – أحمد مختار

حقق مانشستر سيتي 100 نقطة في دوري 2017-2018، رقم لم يصل إليه أي فريق آخر، وربما يحطمه ليفربول هذا الموسم بعد البداية الاستثنائية لكتيبة المدرب يورجن كلوب. كذلك قدم تشيلسي نسخة دفاعية صلبة مع مورينيو في موسم 2004-2005، وحصد السير أليكس فيرجسون بطولات متتالية مع اليونايتد، لكن كل هؤلاء لم يحققوا أبداً دوري اللا هزيمة، ليظل هذا الإنجاز مقترناً بجيل آرسنال الاستثنائي في 2004، مع الأستاذ الفرنسي أرسين فينجر.

أرسين فينجر

عظمة فينجر مع أرسنال لم تكن على مستوى كم بطولة كأس أو بريميرليغ أحرزها، أو وصوله لنهائي دوري أبطال أوروبا ذات يوم، ولا حتى الفوز بدوري اللاهزيمة، ولا حتى اكتشافه لهنري وبيرجكامب وبيريس وغيرهم، ولكن، استثنائية آرسين أتت من كونه مجدداً حقيقياً في بلاد تقدس التقاليد، لقد غير شكل الكرة في الدوري الإنجليزي، من الكرات العالية واللعب البدني إلى التمريرات القصيرة واللمسة الجمالية.

وعلى مستوى أرسنال جعله نادياً ذا طابع مختلف، وكاريزما قياسية، لدرجة تأثيره على أجيال عديدة، شاهدت المستديرة وتعصبت لأجلها، عبر منتصف التسعينات وأوائل الألفية، حتى إنهم يتذكرون جيل فينجر وهنري وبيرجكامب، ويحترمونهم بمقاييس تتفوق أميالاً عن فرق فازت بدوري الأبطال، ومنتخبات أحرزت كأس العالم في الحقبة ذاتها!

في كتابه “ذا ميسكر”، يشرح “زونال ماركينج” تفاصيل تطور الدوري الإنجليزي من البدايات حتى الآن، وعند حديثه عن أرسنال، وصف المحلل فينغر كالتالي: “آرسين واحد من أكثر المدربين تأثيراً في تاريخ إنجلترا. لقد جلب أفكاراً جديدة إلى المسابقة، وأدخل نوعيات من اللاعبين لم تكن متاحة من قبل، ومزج بين الشق البدني والجانب المهاري في قالب واحد، نتج عنه صناعة فريق لا يقهر خلال حقبة ما”.

نعود لتحليل “ذا ميكسر” عند هذه النقطة: “مثل الكثير من الآخرين الثوريين، كان الفرنسي ضحية لنجاحه الخاص”. سرعان ما كرر مديرون آخرون نهجه مع إمكانات أكبر وحيوية أكثر شراسة، خاصة في المجالات الثلاثة التي غيّر فيها بشكل كبير كرة القدم الإنجليزية: الشق البدني، وجلب اللاعبين من الخارج وزيادة التركيز على الفنيات والمهارات.

لعب أرسنال مثل معظم فرق الدوري في منتصف التسعينات برسم قريب من 3-5-2 مع ثنائي هجومي وليبرو بالخلف، حتى تحول البعض إلى 4-4-2 التقليدية المعروفة في إنجلترا، حتى قرر فينجر الاعتماد على رسم 4-4-2 الخاص به والذي يختلف جذرياً عن المسار التكتيكي المعروف بالبريميرليج.

راهنت فرق إنجلترا في بدايات الألفية على رسم 4-4-2 أيضاً، لكن بطريقة أقرب إلى الخط الواحد، بمعنى وجود 4 لاعبين الدفاع، أمامهم رباعي بالوسط، وثنائي بالهجوم، عكس آرسنال الذي اعتمد على خطة قريبة من 4-2-2-2 أو 4-4-2 “دوبل 6″، بتوزيع اللاعبين في كل مكان بالملعب، لاستغلال الفراغات قدر المستطاع بين العمق والأطراف.

لاعب ارتكاز يصعد للأمام “فييرا” وآخر يعود للخلف من أجل التغطية العكسية “جلبرتو سيلفا”، جناح ينطلق من الطرف إلى العمق مستغلاً تحرك الثنائي الهجومي “ليونيرج” وآخر يصبح صانع لعب أمام ثنائي الارتكاز “بيريس”، مع ظهيرين يتحركان على الخط هجومياً في دور أقرب إلى الأجنحة فيما يعرف بـ “الأوفرلاب”، أي يدخل الجناح للعمق حتى ينطلق الظهير على الخط كجناح حر، دون نسيان انطلاقات هنري غير المتوقعة من الطرف إلى العمق والعكس، بالإضافة إلى دور بيرجكامب المحوري كنصف صانع لعب ونصف مهاجم.

حقق المدفعجية تفوقاً واضحاً في الهجوم لتنوع أسلحتهم، بصعود الأظهرة على الخط وقيام الجناح بيريس بدور صانع اللعب في العمق، بينما يتحرك ليونبيرج من الطرف إلى منطقة الجزاء، عند تحول تيري هنري لدور الجناح الأيسر في الجهة الأخرى، مع قيادة بيرجاكب لعمليات الهجوم بالثلث الأخير، بدعم كامل من باتريك فييرا، لاعب “البوكس تو بوكس”، وتغطية دفاعية ممتازة من الجندي المجهول جلبرتو سيلفا، لقد كانت سيمفونية متكاملة الأركان دفاعاً وهجومياً.

احتفال لاعبي أرسنال ببطولة دوري 2004 على ملعب هايبري القديم للنادي

لعب 49، فاز 36، تعادل 13، خسر 0 مباراة، خلال الفترة ما بين 2003 و2004. فريق آرسنال الذي سجل رقما قياسيا جديدا، بعدم هزيمته في الدوري بين مايو 2003 وأكتوبر 2004 ستعيش طويلا في الذاكرة وإلى الأبد في كتب التاريخ.

بدأ آرسنال حملة 2003/2004 بأناقة بأربعة انتصارات متتالية، لكنه كاد أن يفشل في أولد ترافورد في المباراة الثامنة. ركلة الجزاء التي نفذها رود فان نيستلروي في نهاية الشوط الأول هربت من العارضة وهرب آرسنال بالتعادل السلبي، وفق تقرير نشره الموقع الرسمي للنادي في وقت سابق.

كانت هناك انتصارات لا تنسى في ملاعب الأنفيلد وستامفورد بريدج وأماكن أخرى،، بالإضافة إلى بعض الأهداف الرائعة على طول الطريق. هدف روبرت بيريس في ليفربول في أكتوبر 2003، بينما أنتج تيري هنري كلاسيكيات لا تنسى. لقد بنى فينجر فريقًا لمقارنته بأي جانب في أوروبا. بوجود سول كامبل وكولو توري في الخلف وباتريك فييرا وبيريس في خط الوسط وشراكة هنري مع دينيس بيرجكامب في المقدمة، كان لدى أرسنال الكثير من الفولاذ وأسلوب أكثر من اللازم لمنافسيهم في الدوري الممتاز.

الكأس الذهبية في متحف ملعب الإمارات

لعبت الشخصية دوراً بارزاً أيضاً، بعد الخروج من كأس الاتحاد الإنجليزي ودوري الأبطال في غضون بضعة أيام، عاد آرسنال من الهزيمة في الشوط الأول 2-1 ضد ليفربول في هايبري، في أبريل 2004، ليفوز 4-2 والبقاء في طريقه نحو اللقب . في وقت لاحق من ذلك الشهر، استحوذ آرسنال على البطولة بالتعادل 2-2 مع توتنهام. نادراً ما تذوق النجاح أحلى ولكن لا يزال هناك تاريخ يجب تحقيقه: تجنب أرسنال على النحو الواجب الهزيمة ضد برمنغهام وبورتسموث وفولهام وليستر، ليتم أول حملة له في الدوري بدون هزيمة، منذ ما حققه بريستون في القرن التاسع عشر.

سجل نوتنجهام فورست في 42 مباراة لم يخسرها منذ 26 عامًا. قابله آرسنال في 22 أغسطس 2004، ولكن على طريقة فينجر، بعد التأخر في النتيجة بهدف مقابل ثلاثة، إلى فوز بنتيجة 5-3 أمام ميدلسبره. بعد ثلاثة أيام، كان هنري وسيسك فابريجاس وخوسيه أنطونيو رييس ضمن المتألقين، ليكتب آرسنال نفسه في كتب التاريخ بفوزه على بلاكبيرن في هايبري. مدد فريق فينجر سجله إلى 49 مباراة ، وسجل بحرية ولعب بعض من أفضل كرة القدم التي شهدتها اللعبة الإنجليزية.

انتهى الجري في الجدل على ملعب أولد ترافورد حيث أدت ركلة جزاء، تم منحها بقسوة، إلى مساعدة مانشستر يونايتد للفوز 2-0 في أكتوبر 2004. لكن هذه الهزيمة لم تفعل شيئًا لتخفيض إنجاز أرسنال. لقد كان من الشرف متابعة هذا الجيل التاريخي عن قرب حينها، ومن دواعي سرورنا الحديث عنه بكل خير، عندما تحن الفرصة كما فعل واتفورد مؤخراً أمام ليفربول، ليعيدنا من جديد إلى أيام 2004 التي لا تنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى