توماس مولر.. المستر أسيست في زمن الفوضى التكتيكية

تقرير – أحمد مختار

كان هناك مدرب ما قام بعمل اختراع اسمه “قُمع كرة القدم ” بمعني تكتيك أشبه بالدوامة، لفريق يضم مجموعة لاعبين يجب أن تتوافر فيهم شرط الصفات المتطرفة في كل شيء، “الأكثر” طولاً، “الأكثر” قصراً، “الأكثر” سرعة. والفكرة هنا في الخروج عن المألوف والإبتعاد عن القاعدة المعروفة، المدافع يجب أن يكون قوي البنية، والمهاجم طويل، بينما الظهير يكون قصير، ولاعب الوسط له صفات جسمانية خاصة.

فكرة لم تنتشر بشكل كبير، لكن هناك لاعب في كرة القدم الحالية يطبق هذه النظرية بمفهوم أوضح. إنه ليس بطول المهاجم الصريح، ولا يملك مهارة صانع اللعب، ولا خفة الجناح، ولا دقة تمرير لاعب الوسط، ولا حتي قوة تسديد المهاجم الثاني. إنه توماس مولر، اللاعب الذي يمتاز بصفة خاصة جدا، تجعله ضروري لأي فريق يريد المنافسة في المباريات الكبيرة، القدرة الفتاكة علي خلق وصناعة المساحات. التحرك بأسلوب يجعل أمامه مساحة واسعة من اجل مساعدة زملائه.

توماس مولر

مولر الباحث عن الفراغات أو كما يعرف في ألمانيا بالـ Raumdeuter، دائماً يكون الحل في المواجهات الصعبة لفريقه بايرن أو منتخب ألمانيا، لأنه يأتي من بعيد دون رقابة، ويتحرك في المساحات الشاغرة، فيصنع الأهداف ويسجلها مع برود أعصاب يُحسد عليه. قوة موللر في إختلافه، في أنه خارج عن المألوف، في تحليقه خارح السرب، في تمرده علي القوالب المعروفة.

ليست المشكلة في لعب مولر في العمق أو على الرواقين، فالنجم الكبير عاني من فترة انخفاض حاد في المستوى، سواء بآخر مواسم جوارديولا أو خلال حقبة أنشيلوتي ثم نيكو كوفاتش، لكنه استعاد أفضل مستوياته هذا الموسم مع هانز فليك وحتى قبل رحيل الكرواتي، ليصبح أهم صانع أهداف في ألمانيا وربما أوروبا كامل، ويطلق عليه الإعلام لقب “المستر أسيست”.

تحول بايرن ميونخ إلى نسخة شرسة مع هانز فليك مقارنة بالكرواتي نيكو كوفاتش. تقول إحصاءات صحيفة “أتليتك” الإنجليزية أن بايرن أصبح أقوى فريق في الضغط المرتفع بالدوري الألماني، منذ تولي فليك قيادة بايرن، لدرجة أنه أصبح يسمح بتمرير الخصم أقل من 8 كرات قبل قطعها مباشرة أمام مرماه، مقارنة بحوالي 12 تمريرة أيام كوفاتش. أيضاً سجل الفريق 5 أهداف من الضغط العكسي، أي قطع الكرة في نصف ملعب الخصم وتنفيذ المرتدة الخاطفة بأقل عدد ممكن من التمريرات، ليتفوق على الجميع في هذا المجال منذ نوفمبر، بما فيهم لايبزيج ودورتموند.

نتيجة لذلك، أصبح هجوم بايرن أفضل، زادت الفرص والأهداف، وتوحش ليفاندوفيسكي ليصبح أقرب إلى النسخة المتكاملة، بفضل أهدافه وأرقامه بالتأكيد، جنباً لجنب مع مساندة مولر له بالثلث الأخير.

توماس مولر

روبرتو مع بايرن يقوم بدور المحطة المهمة أمام خط الوسط، يتحرك ولا يقف في منطقة الجزاء، يجيد اللعب في الفراغات بين الظهير وقلب الدفاع، بالإضافة الي قدرته علي الاحتكاك مع لاعبي الخصم بدنيا. مع قدراته كلاعب 9 حقيقي هداف، مع إمكانية اللعب علي الأرض، لذلك يفتح المساحات أمام القادمين من الخلف.

ولأن ليفاندوفيسكي لاعب قوي بدنياً فإنه يحب اللعب بجوار مولر، لأن الألماني يساعده في الصناعة والتسجيل، يضغط معه باستمرار ويغلق زوايا التمرير من دون كرة، بالإضافة إلى معرفته بأبجديات التمركز والتحرك، وخلق الفراغات أثناء الهجوم. يهرب توماس بذكاء، يضع نفسه في المكان الصحيح، يعرف جيداً كيف يهزم المدافعين ويضع جسده قبلهم، ويتخذ القرار في جزء من الثانية، ليسجل ويصنع في آن واحد.

لا أحد يعلم بالضبط أسباب انخفاض مستوى مولر خلال المواسم الماضية، وأيضاً لا يوجد تفسير واحد حقيقي لسبب انفجاره هذا الموسم. صحيح أن بايرن بالكامل تحسن مع هانز فليك، لكن من الواضح أن توماس لديه التركيز منذ بداية الموسم، حتى قبل قدوم المدرب. ربما لأنه دخل في جدال مع يواكيم لوف وكبار صحف ألمانيا، بسبب انخفاض مستواه بالسابق، وربما لأنه امتلك الدافع من جديد، وربما لشيء ما لا يعرفه أحد، يشبه طريقة لعبه داخل الملعب التي تميزه باستمرار، فهو لا مهاجم صريح، ولا صانع لعب حقيقي، ولا جناح على الخط، ولا لاعب وسط إضافي، ولا حتى مهاجم وهمي، هو جزء من كل هؤلاء المسميات، إنه توماس مولر ابن نظرية الفوضى، التي خسفته وأنصفته مرات ومرات، ليصل إلى ما وصله بالوقت الراهن.

بلغة الأرقام، مولر شارك هذا الموسم في 42 مباراة بكل المسابقات، سجل 11 هدفاً وصنع 24، منهم 20 أسيست في بطولة الدوري الألماني خلال 30 مباراة، رقم لم يصله أي شخص آخر في الدوريات الأوروبية الكبيرة على مستوى الصناعة، بما فيهم ليونيل ميسي، سيد كرة القدم في هذا العصر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى