عمان الرياضية.. شكرا

كتب- محمد العولقي

العبد لله مبسوط وآخر انبساط من الوجبات المونديالية الدسمة التي تضعها فضائية عمان الرياضية على موائد الكرام مساء كل يوم.. أصبحت أضبط ساعتي البيولوجية على موعد إذاعة القناة لمباريات كأس العالم مساء كل يوم، وهو موعد مقدس بالنسبة لي لا أتنازل عنه تحت أي ظرف، ولا شك أنكم تشاطرونني هذا الشعور الذي طالما شفرته قنوات الربح التجارية..

تداركت قناة عمان الرياضية مالم تتداركه قنوات أخرى متخصصة غثت عباد الله ببرامج سطحية سامجة لا تقدم متعة ولا تأتي بإثارة، عمان الرياضية بحدس ثعلب، وبقوة إبصار زرقاء اليمامة، تنبهت إلى أنها تمتلك أرشيفا موندياليا باذخ الثراء، يمكنه أن يساهم في تشكيل وعي جديد، ويضبط بوصلة أذواقنا على مباريات إثارتها لا تطاق، لاسيما تلك الأجيال التي لم تحظ بمشاهدة مباريات مونديال إسبانيا عام 1982..

ولعل تركيز فضائية عمان الرياضية على إعادة ملاحم بطولة كأس العالم بإسبانيا بالذات، لم يشبع ظمأ أجيال كانت في رحم الغيب ترى في مباريات اليوم ماء وهو سراب فقط، ولكنه كان خيارا بارعا انتصر للذوق الكروي الرفيع ولجمال اللعبة، ودرسا كرويا لاذعا حول هوية كرة زمان بمفاجآتها الصاخبة ومفارقاتها الصارخة، فمن وجهة نظر من عاصروا تاريخ بطولات كأس العالم، يعد مونديال إسبانيا مونديالا غنيا بالمباريات النوعية ذات الجودة الفنية العالية..

أتاحت لنا عمان الرياضية بضربة معلم مشاهدة متعة منتخب البرازيل بطلاسم كعوب نجومه، من الحكيم سقراط إلى زيكو وفالكاو وجونيور، كما أتحفتنا بروائع ميشيل بلاتيني وآلان جيريس ومانويل آموروس ورومينيغه ولاتو وبلوخين، وبالطبع اللص الشريف باولو روسي الذي خرج من السجن ليحدث زلزالا مروعا في ملاعب إسبانيا، كما كشفت لنا كيف أن منتخب إيطاليا خرج من قمقم الدور الأول ماردا بعد ذلك إلى أن نال لقب المونديال وسط دهشة الجميع..

فقط يلزم فضائية عمان أثناء ربطنا بمونديال إسبانيا تحديدا توخي ذكاء الاختيار، فهناك الحد الأدنى من المباريات التي ليس لها قيمة، لا فنيا ولا رقميا، لا بأس من تجاوزها والتركيز على المباريات المثيرة التي رفعت من قيمة وأسهم ذلك المونديال المثير، فهو طبقا لكل الآراء يعتبر المونديال الأجمل بعد مونديال المكسيك عام 1970..

ربما كانت هي المرة الأولى التي فرض علينا توجيه الشكر الجزيل لوباء كورونا، فلولا شعار خليك بالبيت وبالتالي غياب المادة الرياضية المحلية، لما التفتت فضائية عمان إلى أرشيفها الدسم الغني بمباريات مونديال إسبانيا بكل هذه الكثافة التي جعلتنا نتلذذ ونستمتع بالمشاهدة المجانية، وبالتالي نبتعد مليون كيلومتر عن البرامج والمباريات السطحية المحلية التي نجح وباء كورونا في تجميدها وحجبها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..

لا يهم كثيرا أن فضائية عمان الرياضية انتبهت متأخرا إلى جودة ما لديها من مباريات مونديالية رفيعة المستوى، فالأهم من وجهة نظري أنها تعاملت مع المثل البولندي أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي، في وقت نحن في أمس الحاجة لمشاهدة مونديال سمعنا عنه كثيرا دون أن نراه، وفي زمن تلوثت فيه عيوننا بمباريات اليوم المملة والرتيبة والكئيبة الخالية من كحل الإثارة الطبيعية، وليست الإثارة المصطنعة..

لست وحدي من يشكر فضائية عمان الرياضية على حسن صنعها ومعروفها، فهناك طابور طويل من محبي كرة القدم زاد ارتباطهم بموعد إذاعة مباريات كأس العالم، وينتظرون الموعد كل ليلة بفارغ الصبر.. ولأنني هنا أتحدث بلسان كل المشاهدين والمتابعين للقناة، فمن المناسب أن أنوه إلى أهمية التركيز كليا على مونديال إسبانيا، والسبب الذي يبطل العجب أن هذا الجيل الذي جاء إلى هذه الدنيا متأخرا، حرم من مشاهدة مباريات ذلك المونديال الأروع والأجمل والأفضل..

لقد أشعرتنا فضائية عمان الرياضية أن مونديال إسبانيا يلعب داخل بيوتنا، وكأنه يبث مباشرة من ملاعب ما كان يعرف بزمان وصل الأندلس، وهي فرصة مواتية لتعرف هذه الأجيال اجتهادات معلقي زمان أمثال أكرم صالح ومؤيد البدري وخالد الحربان وعدنان بوظو ويوسف سيف وعلي حميد، في زمن داخ فيه المعلقون السبع دوخات للحصول على معلومة عن لاعب أو مدرب..

إذا كان منسوب مشاهدة فضائية عمان الرياضية قد ارتفع لحظة ذروة بث مباريات مونديال إسبانيا، فمن الأجدى أن تبقي القناة ذلك الموعد ثابتا كي تحافظ على شعبيتها عربيا، وتبقى دائما البيت الذي يجمع كل العربان كرويا من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، على أمل ألا تنتهي علاقتنا بالقناة مع رحيل كورونا..

فقط تبقى ملاحظة في صورة سؤال، أتمنى من مسؤولي القناة أخذها بعين الاعتبار، لماذا لا تعلن القناة مع نهاية كل مباراة عبر شريط تنويهي يحدد هوية المباراة القادمة، حتى يتسنى لنا ترقب المباراة بلهفة، ولخلق نوع من التهيئة والاستعداد الذهني لدى المشاهدين..؟

على كل حال، سجلت فضائية عمان الرياضية انتصارا كاسحا على القنوات الفضائية الرياضية الأخرى، فقد ركزت على الجودة وعلى إشباع رغبات وأذواق الجمهور العربي، فيما كان تفكير القنوات الأخرى تجاريا بحتا، من خلال برامج بعضها يبعث على الدوخة، وبعضها الآخر يحرض على الغثيان والتقيؤ، مليون تحية تقدير لقناة رفعت من رأس مالها شعبيا، بعيدا عن قنوات الربح التي استنزفت جيب وعقل المشاهد العربي..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى