كرة القدم في حضرة مارادونا.. المجد لفناني الشعب!

تقرير أحمد مختار

لست نادما على تدخلي العنيف تجاهه، لقد كان مستفزا إلى أقصى درجة خلال المباراة، أدعوه لاحترام منافسيه قبل الشكوى المستمرة للتحكيم والجمهور، ياسماني دوك، مهاجم منتخب بوليفيا وأشهر لاعبي أميركا اللاتينية. لا يعرف الندم ولن يعتذر أبدا، بعد تدخله العنيف ضد البرازيلي نيمار في لقاء التصفيات خلال مقابلة قديمة، اللعبة التي خطفت الأضواء من المباراة نفسها، بعد أن سالت دماء نجم السيلساو، وانتقلت المعركة إلى خارج الملعب عبر وسائل الإعلام.

مدرب البرازيل يطلب الحماية رسميا لسلاحه الفتاك، بينما بوليفيا بأكملها رفعت شعار واحد، كرة القدم للرجال“. ولا يعتبر هذا الموقف هو الأول من نوعه في هذه اللعبة، بل حدثت من قبل حرب كلامية بيب غوارديولا وميهايلوفيتش، أثناء مباراة ودية بين بايرن وميلان في وقت سابق، بعد التدخل العنيف من دي يونغ على أحد لاعبي البافاري، ليصرح المدرب الصربي للطليان وقتها قائلا، كرة القدم ليست رقصا“.

أعادتني لعبة نيمار إلى كلمات سينسيا، وذكرتني مقولة المدرب الحالي تورينو بأشهر حرب كروية في مونديال 1982، حينما فاز الأزوري بالمونديال على حساب عمالقة المتعة وأباطرة الفن، السحرة القادمين من القارة المعولة. وقتها رمى المدافع الإيطالي كلاوديو جنتيلي، المعروف بالجزار قنبلته في وجه مارادونا، كرة القدم غير متاحة لراقصي الباليه“!

كعادتهم، يعرف الفريق الإيطالي كيف ينتزع الفوز من فم الأسد، ونجحوا في تحقيق أعظم بطولة عالمية على حساب الألمان في النهائي، لكن النهائي لم يكن هو المراد بل الطريق إليه، حيث المواجهة الكلاسيكية بين إيطاليا والبرازيل، وقتها ضم المنتخب البرازيلي زيكو، فالكاو، سقراط، لكن باولو روسي سرق انتصارا لا يُنسى، لدرجة أن زيكو خرج بعدها والدموع في عينيه ليعلن وفاة كرة القدم.

عبرت إيطاليا من مجموعة الموت في الدور الثاني، فازت على الأرجنتين ثم البرازيل بخطة تكتيكية مبتكرة عرفت وقتها بـ “Zona Mista”، وتعتبر هذه الطريقة مزيج بين رقابة المنطقة والرجل لرجل، برسم تكتيكي ينبثق من “5-3-2” لكن بوجود ليبرو متأخر خلف رباعي الدفاع، مع حماية الوسط بثلاثي متحرك بين العمق والأطراف، والاكتفاء فقط بثنائي هجومي في الأمام.

كل لاعب يتحرك ويترك مركزه يتم تغطيته بلاعب آخر، هكذا يستطيع الفريق اللعب بـ 11 لاعب وكأنهم 12-13، بسبب وجود اللاعب في مركزين أو مركز ونصف، عن طريق تحركه وتغطية زميله. لكن كل ذلك لن ينجح دون وجود لاعب قوي بدنيا، يراقب نجم الفريق المنافس، يذهب معه إلى كل مكان حتى خارج الملعب، وأدى جنتيلي هذا الدور بنجاح منقطع النظير.

راقب القاتلكما وصفه نجوم 82 كلا من مارادونا الارجنتين، زيكو البرازيل، رومينيجيه ألمانيا. وبمجرد تقليل خطورة اللاعب الأفضل، تتوازن كفة إيطاليا مع منافسيها، ليحضر التكتيك ويفوز الزرق بالمباراة تلو الأخرى حتى النهائي. وبعد حرب كلامية مستمرة بين الثنائي، عاد دييغو أرماندو في الستة وثمانين، ليكتب كلمته الأبدية، بالفوز بالمونديال وتقديم أداء إعجازي.

قام الأرجنتيني بعمل 53 مراوغة خلال البطولة، أكثر من أي لاعب آخر برقم يصل إلى 37. لم ينس الملك رقم 10 جلاده جنتيلي، حتي حانت له الفرصة وانتقل الي عاصمة الجنوب، نابولي، ليصنع راقص الباليهالتاريخ الأعظم علي الاطلاق، بتحقيقه بطولتين للدوري مع فريق الشعب الجنوبي وسط أجيال عظيمة في تاريخ الكالشيو، ميلان ساكي وكاتيناتشو إنتر ويوفنتوس بلاتيني، خلال حقبة وصفها الخبراء بأنها جنة الكرة في إيطاليا.

يولد في مھد من القش وفي كوخ من الصفيح ويأتي إلى الدنيا محتضنا الكرة، هكذا يصف التاريخ مارادونا، الرجل الذي أعطى للنزعة الفردية قيمتها، وتغلب على دعاة العنف في الملاعب، لتعطي الكرة له وجهها اللطيف في بعض الأوقات، ويهتف الجمهور لأمثاله على مر التاريخ، وينصروه ظالما أو مظلوما على جنتيلي وأمثاله، إنها لعبة تفضل الفنانين، أو الراقصين كما يحلو للبعض مناداتهم!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى