هل يدق ميسي المسمار الأخير في نعش البارسا.. ؟!

كتب- محمد سالم الغزالي

يقال “إن القبطان آخر من يقفز من السفينة عند الغرق”، دافعاً حياته ثمناً لإنقاذ الركاب والسماح لهم بركوب قوارب النجاة للوصول إلى بر الأمان، لكن هناك الكثير من القصص والحكايات التاريخية التي جاءت أحداثها عكس ذلك، ضاربةً بكل الأعراف والمبادئ البشرية المتعارف عليها عرض الحائط.

ولنا في غرق أشهر سفينة في التاريخ “التايتنك” عبرة في ذلك، حيث فضل قبطانها النجاة بنفسه تاركاً للسفينة وركابها مواجهة مصيرهم بأنفُسهم.

ما دفعني لاستفتاح حديثي بهذة المقدمة، هو الضجة الإعلامية التي رافقت الخطاب الكتابي الذي وجهه أسطورة نادي برشلونة ليونيل ميسي إلى إدارة بارتيميو الصيف الماضي، مطالباً بفسخ تعاقده بالتراضي لمغادرة النادي بعد موسم كارثي هو الأسوء في تاريخ البارسا، كانت حصيلته الخروج المخزي من دوري الأبطال على يد البايرن بنتيجة(8-2).

هذا الخطاب شغل الوسط الرياضي العالمي وأقام الدنيا ولم يقعدها وعلى إثره خرجت مظاهرات في كتالونيا تطالب ليونيل ميسي بالبقاء وتضغط على الإدارة لتقديم استقالتها موجهة إليها أصابع الاتهام ومحملةً إياها السبب الرئيسي في انهيار ناد عريق بقيمة برشلونة.

وفي الحقيقة هو انهيار متوقع حدوثه منذ سنوات للكثير من المحللين الرياضيين والمتتبعين لسياسة النادي بعد الأخطاء المتكررة من قبل الإدارة التي أثبتت أنها أسوء إدارة في تاريخ برشلونه، حتى ذهب البعض في مقارنتها بإدارة جاسبارت مطلع الألفية وكلنا نعلم ماذا فعل هذا الأخير في عهده، والأزمة التي كانت تضرب برشلونة في ذلك الوقت، حتى أصبح أقصى طموح النادي هو التأهل لدوري الأبطال، وهي الغاية التي كان يقع حمل تحقيقها على أكتاف الأسطورة البرازيلية ريفالدو، في غياب واضح لمهام الإدارة، وتخبط المدربين وندرة النجوم في الفريق آنذاك.

ولأن للحقيقة عدة وجوه ومعرفة وجه واحد لا تعني أنك أصبحت تمتلك الحقيقة، الحقيقة التي يسعى جماهير ميسي لتغييبها، وأقول جماهير ميسي لأن هناك شريحة من جمهور برشلونة تشجع النادي من أجل الأرجنتيني، وفي كل نقاش تُسارع لطرح إحصائيات ومقارنات لإنجازات الفريق قبل وبعد ميسي، وهي أرقام لا تُخفى على الجميع ولا يختلف عليها اثنان، وكلنا نعلم من هو ميسي والطفرة النوعية التي حققها للنادي من تحقيق بطولات محلية وقارية في وقت قياسي بحيث أصبح جزءا لا يتجزأ من تاريخ برشلونة، ولكن هذا لا يجعلنا نتناسى أن ميسي كذلك يُدين للبارسا بالكثير فهو من احتضنه منذ الصغر عندما رفضت بعض الأندية احتضانه ووفر له المناخ المناسب وهيأ له كل الظروف التي أوصلته لما وصل إليه اليوم.

ولكن لندع العاطفة جانباً ونتكلم بصوت العقل والمنطق، الإدارة التي دخل ميسي في صراع معها هي نفس الإدارة التي كان يخرج للعلن، ويدافع عنها كثيراً بصوت عال في العديد من المناسبات التي كانت فيها الجماهير تضغط عليها وتطالب باستقالتها في كل تعثر وخسارة لقب للفريق، ولنذكر بعضا منها دون الخوض في تفاصيلها، فبعد خسارة روما وليفربول في دوري الأبطال، وخروج البارسا بريمونتادا تاريخية لموسمين متتاليين، خرج ميسي برفقة الحرس القديم من لاعبي برشلونة في وسائل الإعلام وأعلنوا تضامنهم مع الإدارة والمدرب فالفيردي الأمر الذي تكرر حدوثه كذلك بعد الخسارة في مباراة السوبر أمام فالنسيا.

بعدها دخل ميسي في صدام مع أبيدال لأن الأخير وضع مصلحة برشلونة فوق كل اعتبار ونطق بالحقيقة واعترف أن هناك مجموعة من اللاعبين في غرفة الملابس يتحكمون في الفريق ويقحمون أنفسهم بالتدخل في اختيارات المدرب، ميسي كذلك كان يضغط على الإدارة لإرجاع نيمار الذي أهان البارسا في طريقة خروجه ولم يتقبل فكرة التعاقد مع جريزمان.

ميسي يرى أن سواريز الذي أصبح عمره 33 سنة لا يُمس لماذا؟ لأنه شخص مقرب كثيراً منه ومن عائلته الأمر الذي رفضه المدرب الجديد الهولندي كومان منذ بداية توليه مهمة تدريب الفريق، حيث أبلغ سواريز بأنه خارج حساباته هذا الموسم وعليه أن يبحث عن ناد آخر، وهي الشرارة التي أشعلت نيران السخط عند ميسي ودفعته لرفع وتيرة طلبه بالخروج.

قبل ذلك والمتتبع لأخبار البارسا يعلم أن ليونيل في الأسابيع الأولى من موسم 2015 دخل في صراع مع المدرب لويس إنريكي، كانت نتيجته جلوسه على مقاعد البدلاء في العديد من المباريات، مما دفع الإدارة للتدخل وإجبار الاثنين على الجلوس على طاولة واحدة، وحل الأمر بطريقة ودية والتفاوض معه ورفع مرتبه إلى 50 مليون يورو سنوياً، وجعله اللاعب الأعلى دخلاً في العالم، وهو الأمر الذي أثقل كاهل خزينة النادي، ميسي كان يضغط بطريقة أو بأخرى في تعيين المدربين ولنا في الأرجنتيني تاتا مارتينيو مثال على ذلك، وهو الذي خرج بموسم صفري مع البارسا في 2013 وفي النهاية تمت إقالته.

إذاً ميسي مثلما صنع أمجاد الفريق الكتالوني يتحمل بطريقة أو بأخرى جزءا من المشاكل التي يمر بها النادي، ولأن عين المُحِب عن كل عيبٍ كليلة فإن محبي البرغوث يجهلون هذه الحقيقة أو يحاولون تجاهلها، نعم يحق لميسي ما لم يحق لغيره لأنه حالة استثنائية لن تتكرر في تاريخ برشلونة بل في تاريخ كرة القدم، ولكن كان الأجدر منه وهو قائد للفريق ويحمل شارته أن يتصرف بطريقة احترافية أذكى من ذلك، احتراماً وتقديراً للعلاقة الأزلية والمتينة التي تربطه بجماهير برشلونة، بعدها يحق له المغادرة بطريقة مشرفة ولائقة يبحث له عن ناد جديد، ومشروع يلبي طموحاته وهو في آخر مشواره الاحترافي.

ورغم الموقف الصارم من بارتيميو وإدارته حيال طلب الأرجنتيني ورفضهم بيعه أو التخلي عنه إلا بكسر قيمة عقده والتي تبلغ 700 مليون يورو، وهو مبلغ ضخم لا تستطيع أي من الأندية العالمية تقديمه في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمر بها العالم، إلا ان القصير انتصر في حربه مع الإدارة في نهاية المطاف، ولم يستطع بارتيميو ورفاقه تحمل ضغوط الجماهير وهجوم وسائل الإعلام مع كل إخفاق للبارسا، مما اضطر الأخير إلى تقديم استقالته وحزم حقائبه ومغادرة النادي مخلفاً وراءه كومة من المشاكل الإدارية والفنية والمالية التي تحتاج لسنوات من العمل الجاد لحلها ومحاولة تجاوزها.

وبالرغم من كل هذه الأحداث إلا أن على ما يبدو ما يزال الأرجنتيني متمسكاً برأيه في مغادرة النادي نهاية الموسم في ظل التخبط الذي يعيشه البارسا هذا الموسم على كافة الأصعدة، والنتائج السيئة التي يقدمها في مباريات الليغا وابتعاده عن صاحب الصدارة أتلتيكو مدريد بفارق 12 نقطة، إضافة لعدم وجود بوادر تلوح في الأفق تبشر بقرب خروج النادي الكتالوني من الأزمة التي يعيشها، فهل يعمق ميسي من جراح البارسا ويغادر السفينة مفضلاً النجاة بنفسه وتاركاً الفريق في مواجهة أمواج متلاطمة من الأزمات، أو يبدل موقفه ويشمر عن ساعديه ويتحمل مسؤولية القيادة، تاركاً للقدر تحديد مصيرين لا ثالث لهما، إما النجاة إلى بر الأمان والعودة إلى سكة الانتصارات وتحقيق البطولات، أو الغرق والذهاب إلى قاع المحيط برفقة من أحب وأحبه نادي برشلونة؟؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى