لماذا يحترم عمالقة اللعبة مارسيلو بييلسا بهذا الشكل؟

تقرير – أحمد مختار

“في حالة بييلسا، المدرب الذي لم يفز بألقاب عديدة حدث أقل تأثيرا من الإرث الكبير الذي تركه لكل تلاميذه، مساعديه، لاعبيه، وبقية المدربين الذين تابعوه عن قرب.

أنا أكن كل التقدير لمارسيلو، أكثر من أي مدرب آخر عرفته وشاهدته. مفهوم الكوتش بالنسبة لي هو الشخص الذي يوفر أساليب تدريبية مميزة، يقوم بتطوير لاعبيه، يجعلهم من جيد إلى جيد جدا، ومن جيد جدا إلى ممتاز، هذا هو تعريف المدرب، وبييلسا أفضل شخص ممكن في هذه المعايير”.

بيب جوارديولا عن مارسيلو بييلسا.

خسر بالخمسة في إحدى السنوات رفقة فريق النيو أولد بويز، عاد إلى بيته وأغلق باب غرفته، وانخرط في البكاء، بكاء شديد متواصل لا يتوقف، لدرجة أن زوجته التي لا تفضل الدخول في تفاصيل الكرة مثله لاحظت الأمر، وجاءت له لتحاول أن تقلل من الأمر، ثم سألته بشكل قاطع، ماذا أنت بفاعل؟

قال والدموع لم تجف من عينيه، “سأظل محافظا علي فلسفتي، ولن أتراجع أبدا ما حييت”، يحكي مارسيلو بييلسا عن أصعب موقف مر عليه خلال مسيرته الطويلة مع كرة القدم، ليصف رحلته بأنها مسألة مبدأ، شعاره فيها ثابت مهما كانت المعوقات، لا تراجع ولا استسلام.

يقول المدرب عن فلسفته في اللعبة، “أنا عاشق للعب السريع والنقل الخاطف للكرة من مناطق الدفاع إلى الهجوم، لا أعرف لماذا لكن يمكن القول لكوني غير صبور، وربما السبب للأنني أرجنتيني”! ثم يسكت قليلا ويضيف، “إن كانت كرة القدم تدار بالآلات لكنت أفضل مدرب في التاريخ”، في إجابة ساخرة على من يتهمه دائما بأنه يبحث عن “الشو” لا البطولة.

يشكك الكثيرون في مارسيلو وتبدأ الأسئلة من نوعية، لماذا لم يحصل على بطولات عديدة؟ كيف لم يدرب أي نادي أوروبي عملاق؟

والإجابة على لسان بييلسا حينما قال، “إذا كان عليً الاختيار بين الألقاب ، المال و الأحاسيس فسأختار الأخيرة. مكافأة كرة القدم ليست فقط بالمال و الألقاب، إنها القدرة على إثارة العواطف التي تربط الفريق بالمشجعين”.

ونقلا عن صحف ذات مصداقية قوية كـ “ليكيب الفرنسية”، فإن المدرب تلقى عرض من ريال مدريد في 2004 بعد رحيل كاماتشو، لكن اللوكو رفض الذهاب إلى إسبانيا، وفضل البقاء في الأرجنتين وأميركا اللاتينية، كذلك كان قاب قوسين أو أدنى من قيادة برشلونة بعد حقبة غوارديولا، إلا أنه فضل الاستمرار في الباسك.

كرة القدم ليست مجرد أرقام أو بطولات، صحيح أن تاريخ هذه اللعبة يهتم أكثر بالفائز، لكن الكتب والمراجع وقلوب العشاق ترتبط أكثر بالطريقة والأسلوب، لأن النتائج في النهاية غير قابلة أبدا للنقاش، فنحن نناقش فقط العملية وكيفية إدارتها، وبالتالي فإن اللوكو “لقب بييلسا” ترك إرث كروي حقيقي وجوهري، من خلال تأثيره على التكتيك باللعب العمودي المباشر والرغبة في تسجيل الأهداف من مختلف الفرق الكبيرة، بالإضافة إلى تأثيره على عديد المدربين في الزمن الحالي.

بوكيتينو قريب من تدريب باريس سان جيرمان، حصل البوتش على أول درس تكتيكي عندما التحق بالفريق والمنتخب الذي يدربه المجذوب عدو البطولات كما يصفه أشد كارهيه، ليقول عنه فيما بعد عندما نجح رفقة السبيرز، “هذا الرجل هو أكثر شخص في العالم يفهم كرة القدم، لقد غيًرني من الألف إلى الياء، وجعلني أتقبل التكتيك من كافة جوانبه”.

فرق عديدة خلال السنوات الأخيرة تلعب وفق رؤيته وفهمه للكرة، من خلال الضغط العالي القوي في نصف ملعب المنافس، ومحاولة الحصول على الكرة سريعا، لتنفيذ مرتدة قاتلة بأقل عدد ممكن من التمريرات، مع خنق الخصم بإجباره على نقل الهجمة بعشوائية بسبب إغلاق كافة زوايا التمرير أمامه.

رفض بييلسا تدريب الأرجنتين مؤخرا، وفسخ عقده مع لاتسيو من طرف واحد، وامتنع عن عروض عديدة من فرق بأوروبا وأميركا الجنوبية، حتى إنه لم يوافق على عرض الأخضر السعودي رغم المبلغ الفلكي المعروض عليه، كل هذا ليس لحسابات المكسب والخسارة، بل لأنه ينظر إلى الكرة بنظرية فلسفية مغايرة، وطالما أنه لم ينجح من منظور الأكثرية، سيظل مجنونا في أحكامهم وجلساتهم.

لا أعلم لماذا أربط دائما بين بييلسا وكابتن فارس بطل فيلم “الحريف” للمخرج الراحل محمد خان، وكلما حاولت توقع وجهة مارسيلو القادمة، فإنني أقف عاجزا على تحديد البوصلة، حتى أتذكر أعظم مقولة في تلك الرائعة السينمائية، حينما قال البطل في مشهد النهاية، “أنا هلعب مع الخسران يا رزق”، في إشارة واضحة على تحديه لكافة الأعراف الطبيعية، ووقوفه في صف الأضعف والأقل بريق، لذلك سأظل في انتظار الخاسر الذي سيختاره المجًدف في لعبته الأخيرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى