الأهلي.. المسألة يا عزيزي جينات

كتب- محمد العولقي

في نفس اللحظة التي صعد فيها الأسطورة محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي مسرح الأحلام لاستلام الجائزة الذهبية التي توجته بلقب نادي القرن في قارة أفريقيا والشرق الأوسط المقدمة من (جلوب سوكر)، سألت نفسي ودموع الفرح تترقرق في عيني: كيف فعلها الأهلي مرة أخرى، كيف طوى سنوات هذا القرن الجديد في يمينه وبلغ مكانة عالمية يفترض بحسابات الزمن أن يصلها الفارس الأحمر بعد 80 عاما ..؟

النادي الأهلي فعلها مبكرا هذه المرة، احتكر البطولات المحلية والقارية والعربية خلال العقدين الأولين من هذا القرن الذي يؤمن بالسرعة، لم يشارك في بطولة كروية إلا وهو يعرف أيان مجراها ومرساها، ولم يفوت حدثا إلا وفرض نفسه العريس بلا منازع في حضرة (المتاعيس)، الأهلي والبطولات وجهان لعملة مصرية واحدة، هذه أمور معتادة رددناها وكررناها بدل المرة مليون .. أين هي إذن المفاجأة في تتويج الأهلي بطلا لقرن لايزال يحبو على موال (تاتا تاتا خطي العتبة) .. انتصبت قامة الكابتن محمود الخطيب في دبي كالطود العظيم، وهو ينافس ريال مدريد الإسباني على لقب نادي القرن في العالم رأسا برأس، من منكم كان يتصور أن يحدث هذا الحلم على مرأى ومسمع من سكان البسيطة. .؟، شعرت لحظتها بقلبي يكاد يقفز من بين ضلوعي، فها هي لحظة هاربة من قمقم أوجاعنا العربية تضيء لنا عتمة ليلنا العربي البهيم، وها هو النادي الأهلي يشعل مجددا في ضلوعنا وقلوبنا نشوة الحلم العربي الذي ظنناه حبرا على ورق ..

غلبت أصالح في نفسي، وأنا أسأل من وحي هذا الإنجاز العربي الذي لم نوفه حقه إعلاميا لأسباب تتعلق بالتعصب الأرعن والجهل المركب: ما الذي يميز النادي الأهلي عن غيره من الأندية العربية والأفريقية والعالمية حتى يتبوأ هذه المكانة العالمية، وهل نجاح الأهلي يأتي دائما على ظهر كبسولة يحملها صاروخ من غياهب الفضاء ..؟، هل للأمر علاقة أبدية بالإدارة ..؟، ممكن .. ولكن كل الأندية تقودها إدارات طويلة عريضة، وإدارة الأهلي بشرية من لحم ودم وليست فضائية حتى نصفها بالمعجزة أو بنت المحظوظة ..، هل للأمر علاقة باللاعبين ونوعيتهم ..؟، برضه ممكن .. ولكن الأندية الأخرى تمتلك لاعبين وكلهم أولاد تسعة مثلهم مثل لاعبي الأهلي ..

لكن .. هنا نتوقف قليلا .. نفس اللاعبين الذين كانوا يلعبون للأندية الأخرى كان تواجدهم شرفيا، يلعبون لمجرد اللعب بلا حوافز معنوية، وعندما انتقل بعضهم إلى النادي الأهلي وفقا وقانون الاحتراف تدفقت الدورة الدموية السابحة تحت الجلد نشاطا مذهلا، فتفوقوا على أنفسهم وتطوروا وبصموا على بطولات وإنجازات لا أول لها و لا آخر، فهل يعني هذا أن إدارة الأهلي تمتلك عصا موسى وخاتم سليمان ومال قارون ..؟، طيب يا جماعة .. هل وراء إنجازات الأهلي جمهور وفي يراقب ويشجع ويفرض نفسه على المدرجات اللاعب رقم واحد في مناخ صحي خال من الشعارت الملوثة للأذن التي تعشق قبل العين أحيانا ..؟، ربما .. لكن الأهلي فاز بالثلاثية دون جمهور، متفوقا على ريال مدريد الذي يقال إنه يستمد قوته وعنفوانه من حناجر جماهيره .. هل أدخلتكم في نفس حيرة (خراش) الذي تكالبت عليه الضباع فلم يدر ماذا يصيد ..؟، حسنا كابتن محمود الخطيب، بالأصالة عن نفسي أزجي لك تحية خاصة من موروث سبأ التي لم تقطع أمرا حتى يشهد أهلها بذلك، لكن ليس قبل أن نضع النقاط فوق وتحت حروف سر الأهلي الباتع .. للأهلي يا غرمانين ويا مندهشين ومضطهدين إدارة واعية عقلها السليم في جسمها السليم، تأتي دائما من العمق وليس من الأطراف، تقسم اليمين وتلتزم بدستور الأهلي ولا تخل أبدا بقانونه، وللأهلي جمهور عربي وعالمي وفي ومخلص، تعداده يسد عين الشمس، يقف كمحفز أول لفريقه بقانون تسلم الأيادي في أغلب الأحوال وبالقلوب الرقيقة واللينة بعض الأحيان، وللأهلي لاعبون منضبطون وملتزمون يتعايشون مع الجهازين الفني والإداري كأسرة واحدة متلاحمة ومتفاهمة ، وللأهلي آلة إعلامية لها هدير المراقب والناقد والشاهد وليس التابع الذي لا يفرق بين الكذب والافتراء .. لكن تلك العوامل والثوابت الفنية والإدارية والشعبية تتمتع بها الكثير من الأندية في العالم، وليست حكرا على الأهلي وحده .. إذن ما المسألة هنا مع الأهلي بالذات..؟ لماذا يضع قدميه وحيدا على سطح القمر دون منافس طوال 113 عاما ..؟

فيكم من يكتم السر ..؟ المسألة أيها السادة مسألة جينات، جينات نجاح نادرة لا تسبح سوى في بلازما حمراء، جينات يا من تعانون من عمى الألوان، وليست فهلوة ولا فنجان قهوة مقلوب ولا نجدة من السماء، إنه الأهلي بدر الكرة العربية المكتمل الذي يردد عشاقه تحت ظلاله : إن مر يوم من غير رؤياك ما ينحسبش من عمري ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى