خوان رومان ريكلمي.. في حب الساحر الكسول!

تقرير – أحمد مختار

“إذا أردت السفر من النقطة أ إلى النقطة ب، كل الناس ستأخذ الطريق السريع ذو الحارات الواسعة حتى يتم قطع المسافة في ثلاث ساعات. كل الناس بلا استثناء ستأخذ هذا الطريق، إلا واحد فقط، خوان رومان سيأخذ فورا الطريق الجبلي البطيء، الذي يحتاج إلى ست ساعات، حتى يستمتع بجمال المناظر الطبيعية حوله، ويحيد عن مسار الأغلبية ولو لمرة، بإختصار هذا مبدأ ريكلمي في الحياة، وفي كرة القدم.

حينما عقد إدواردو جاليانو مقارنة بين فناني كرة القدم، ونجوم نوادي الرقص الأرجنتينية، كان يقصد لاعبا مثل خوان، إنه صاحب لمسة مختلفة وأسلوب لعب عتيق للغاية، يجعله آخر صناع اللعب على الطريقة القديمة. ربما سرعته القليلة هي من جعلته يلعب بهذا الشكل، وفي كل الأحوال يفك شفرة أي أيدولوجية كروية، لأنه ليس نموذجا للنقاش النظري، بل موهبة نادرة جدا ولدت في فترة تحتاج إلى مقومات مختلفة، لذلك تمثل أبرز نقاط ضعفه سمات هذا العصر، بينما لا تتواجد أهم نقاط قوته في أقرانه حاليا.

“يجب أن تحبه أو تكرهه، لا خيار ثالث أمامك”، هذه هي القاعدة التي اتبعها جميع المدربين الذين عملوا مع ريكلمي، بعضهم أحبه واعتمد عليه بشكل كلي، والبعض الآخر نشأ بينهما “ما صنع الحداد”.

سردت صحيفة “فور فور تو” مقارنة بين المدراء الذين عملوا مع الرقم 10، باساريلا استدعاه لمونديال 98 رغم صغر سنه، مارسيلو بييلسا لم يعتمد عليه مطلقا، بيكرمان جعله قائد الفريق الأوحد، بازيلي أعطاه شارة القيادة، بينما دخل مارادونا معه حرب إعلامية شهيرة. لا يمانع بيكرمان وأمثاله من الاعتماد على لاعب بعينه في سبيل الوصول إلى المجد، إنها المجموعة البراغماتية التي تنتمي لمعسكر بيلاردو، الرجل الذي قاد الأرجنتين إلى لقب 86 بالتعاون مع دييغو، لكن شنت المجموعة الأخرى بقيادة بييلسا ثم لويس فان غال الحرب على ريكلمي، لأنه يشكل المضاد الحيوي لأفكارها ومبادئها التكتيكية.

يفضل هؤلاء المجموعة لا الفرد، هم أقرب إلى الأساتذة الذين يميلون إلى الصدام بالنجم الجماهيري، لدرجة أن الخال أطلق تصريحا لا يُنسى بعد مغادرة ريكي برشلونة، “عندما نستحوذ على الكرة، فإننا نملك أفضل لاعب بالعالم. لكن في حالة فقدان الهجمة، فإننا نلعب بـ 10 لاعبين فقط”، في دلالة على عدم قيام الأرجنتيني بالواجب الدفاعي، وووقوفه فقط في نصف ملعب الخصم، بما يعاكس مفهوم الشمولية الخططية التي رسمت معالم التكتيك الجديد.

مارادونا حالة خاصة، أسطورة القرن العشرين لاعبا، وواحد من أسوأ العقول الكروية كمدرب، لم يرتبط خلافه الحاد مع ريكلمي بالتكتيك كحالة فان غال وبييلسا وحتى بليغريني، ولكن ربما لقوة شخصية النجمين وتنافسهما على قلب جمهور البومبونيرا. استبعده دييغو من مونديال 2010 وما قبله، ورفض ذكر الأسباب التي دفعته لهذا القرار، أما خوان فكان أكثر شجاعة، ليتقبل الأمر ويرفض حتى ذكر إسم أسطورة الأرجنتين في أي مقابلة إعلامية، ليقول عنه “المدرب الوطني” إذا اضطر للحديث عنه.

الوحيد الذي صنع تعريفا مغايرا لخطة لعب 4-3-1-2 المشهورة في بدايات الألفية.

تمر السنوات حتى ظهور رسم 4-4-2، هنا صانع اللعب رقم 10 هو “الرجل الكبير”، اللاعب الذي يصنع الأهداف ويسجلها، ويفعل كل شيء بالثلث الهجومي الأخير وليس له علاقة بالدفاع. في أميركا اللاتينية، جاء مصطلح “الإنغانش” أو صانع اللعب اللاتيني، أي اللاعب الذي يتألق في طريقة لعب 4-1-2-1-2، ثلاثي وسط رفقة ثنائي هجومي وبينهما صانع اللعب الذي يربط الجميع ببعض.

يستقبل ريكلمي الكرة من لاعبي الارتكاز، يحافظ عليها، يراوغ، يمرر، يسدد، ويضع المهاجمين في وضعية أفضل أمام المرمى، وفي حالة حصول المنافس على الهجمة، فإن صانع اللعب يمشي في الملعب وكأنه يحصل على قسط من الراحة، لأنه لا يدافع ولا يفضل العودة للخلف. ونتيجة لهذه الأسباب، أحب البسطاء خوان رومان لأقصى درجة ممكنة، وابتعد عنه بعض الأسماء، لأنه بمثابة العازف المنفرد الذي يسحب البساط من تحت أقدام الأباطرة الجدد خارج الخط، الذين وضعوا أنفسهم على نفس القدر مع اللاعبين، ليحصلون على لقب “سوبر ستار” من جانب وسائل الإعلام.

هو صراع على النفوذ، خلاف من أجل انتزاع دورا أكبر في “كعكة” التاريخ، اللاعب هو النجم أم المدرب؟ المهارة هي الأساس أم التكتيك؟ الفضل في نجاح أي فريق يكمن داخل الخط الجانبي أم خارجه؟ وإذا كان هناك إسم بعينه يصف بساطة اللعبة وسهولتها، ويُبعدها تماما عن فلاسفة التكتيك، فإن ريكلمي يأتي على رأس هذه القائمة المتمردة التي ترفض الانصياع لأي سلطة، وتنحاز فقط لكل ما هو مقابل للتيار، وتنظر إلى هذه الرياضة في كونها “لعبة” لا أكثر ولا أقل.

ريكلمي خارج المستطيل الأخضر، شخصية صاحبها بطل إحدى روايات الكاتب أسامة أنور عكاشة، حسن أرابيسك “أبو كيفه، نسبة إلى المزاجية والتمرد”، ابن البلد ذو اللمسة الفنية رفيعة المقام، والذي يصطدم بقوانين وأحكام الواقع، ليترنح مرات ومرات ويفقد البوصلة، لكنه يظل على الوعد ليحتفظ بمسحة الإبداع الخالصة، علامة الجودة التي تميزه عن أنصاف الموهوبين في عالمنا الرتيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى