ليفربول..غيبوبة التصدع من الداخل!

تقرير – محمد العولقي

بعينين زائغتين، و وجه محتقن، و نظارة تخفي حيرة واضحة ، يعقد الألماني يورغن كلوب يديه على خصره ، سابحا في تفكير عميق في محاولة لوضع تصور منطقي يفسر ما يحدث لفريقه ليفربول هذا الموسم، يبدو كلوب و كأنه يعاني من إشكالية معقدة ، ناتجة من تراكمات سابقة كان الألماني يتعامل معها بالترحيل تارة و بجبر الخواطر تارة أخرى ..
دق فريق أستون فيلا ناقوس الخطر في ليفربول مبكرا جدا في البريمر ليج، عندما هزمه بنتيجة تاريخية عريضة لا تليق بحامل لقب الموسم الماضي ، نتيجة بلغت سبعة أهداف عدا و نقدا ، كشفت عن عيوب كثيرة و خطيرة في الفريق كان يمكن للألماني مواجهتها و تلافيها مع نهاية الموسم الماضي، لولا أنه قلل من أهمية تلك العيوب و اعتبرها أمورا تافهة و سطحية تحدث في أحسن العائلات ..

استعاد ليفربول بعد ذلك توازنه في الدوري محققا بعض الانتصارات العابرة هنا و هناك ، لكن منسوب تلك العيوب و الأخطاء تصاعد حتى بلغ سيله زبى غيبوبة الجرح، بعد تعادل مشين في الأنفيلد أمام و ست برومتش ألبيون ، و تفاقم الوضع كثيرا مع تعادل سلبي آخر أمام نيوكاسل يونايتد ، ثم كانت الطامة الكبرى خسارته المزدوجة أمام ساوثهامبتون بهدف دون رد على خلفية أداء شاحب لم يعرف له الريدز مثيلا ..
لم تكن الخسارة من ساوثهامبتون خسارة عادية يمكن تجاوز آثارها، بل إنها فجرت تلك العيوب دفعة واحدة في ليلة خسارة صدارة البريمر ليج لمصلحة المنافس اللدود مانشستر يونايتد ..
ترى ما هي تلك العيوب و الأخطاء التي تباطأ كلوب في التعامل معها ووضع حد فاصل لها حتى لا تضرب الفريق في مقتل..؟
كيف تفاقمت و أسقطت الفريق في غيبوبة التصدع من الداخل ..؟، دعونا نلخص أزمة ليفربول هذا الموسم في النقاط التالية :

صلاح و ماني .. صداع مزمن ..

لم يعد خافيا على أحد أن الثنائي الأفريقي محمد صلاح و سادو ماني يقفان اليوم على النقيض، و تواجدهما معا في التشكيلة ترجمة حقيقية لما وصل إليه الحال من تحلل و انهيار و فوضى لا حصر لها ..
مشهد يتكرر كثيرا هذا الموسم ، صلاح يتذمر كثيرا و يحتج على تغييره في بعض المباريات ، و ماني يتبرم من جلوسه احتياطيا في بعض المباريات ..

لاحظوا هذا التنافر بين قطبي هجوم الرديز : ماني لا يمرر لصلاح و يتجاهله تماما ، وصلاح يعامل زميله بذات المعاملة، لا تمرير و لا كلام و سلام يا عبدالسلام ..
يسجل محمد صلاح فيهرع زملاؤه نحو لتهنئته ، في حين يتكاسل ماني عن تقديم واجب التهنئة، و عندما يسجل ماني يمشي صلاح الهوينا و لا يحتفل بحرارة ..
هل نار الغيرة شبت في قلبي صلاح و ماني ..؟
بالطبع نعم، لأن كليهما يرغبان في دور نجم الفريق الأول ..؟
هل تمردا على فلسفة كلوب الذي كان يراهن دائما على التوازن النفسي و جماعية الأداء ؟
أيضا نعم، لأن صلاح يرى نفسه أكثر حسما من ماني ، و ماني يرى نفسه أكثر جهدا و شقاء من صلاح ..
هل بات تواجد الثنائي الذي روع أوروبا ذات يوم كارثيا في فريق واحد ..؟

الإجابة أيضا نعم، فمحمد صلاح الذي يعد الهداف التاريخي لليفر يرغب في خوض تجربة احترافية جديدة، وطالما وأن ناديي ريال مدريد و برشلونة يلعبان في دماغه، فإن المصري يبدو شاردا و باردا في المباريات الثلاث الأخيرة ، كما لو أنها رسالة مبطنة من تحت الماء ليورغن كلوب : البقاء مع ماني الموسم القادم مستحيل ..
ماني أيضا فتح قنوات مع أندية أخرى للانتقال من الأنفيلد ، وهو لن ينسى أن زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد لطالما طالب باحضارة إلى سانتياغو برنابيو بأي ثمن ليشكل ثنائيا خطيرا مع كريم بنزيمة ..
المثل المصري يقول : شيل ذا من ذا يرتاح ذا عن ذا .. و كلوب لم يعد القرار قراره في هذا الشأن، لقد انتقل أمر ماني و صلاح إلى جهات أخرى يهمها تشتيت شمل ليفربول و القضاء على التناغم النفسي و التجانس الذهني، وهما عاملان عرف كلوب كيف يعزف عليهما لثلاثة مواسم كاملة ..

المصالحة بين صلاح و ماني برعاية كلوب لن تجدي كثيرا ، لأن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى منحدر اللاعودة، وأي تهدئة من كلوب ستكون مجرد ترقيع في خرقة حمراء بالية و مهترئة ..
هل يتخذ كلوب القرار الصعب و يجلس أحدهما على دكة الاحتياط ..؟
ربما كان هذا هو الحل المثالي لرأب التصدع التكتيكي و النفسي الذي يخلفه تواجد الديكين معا، لكن منطقيا هذا أمر قد لا يروق لإدارة ليفربول لأسباب تسويقيه، فلو أصر صلاح على الرحيل يجب أن يرحل وهو في أوج مستواه، باعتبار هذا سيشكل ورقة ضغط عند التفاوض على الانتقال و انتزاع أكبر مقابل مادي من الريال أو البرشا ..
الكرة في ملعب كلوب و القرار في النهاية سيكون عاطفيا لأن كلوب يشعر بالخيانة، وهذا أمر مؤسف لمدرب جعل من صلاح و ماني أقوى أسلحة العقد الماضي ..

فان ديك .. عرى منظومة دفاع ليفربول ..

كان كلوب يتغنى بقوة و صلابة مدافع الفريق الهولندي فيرجيل فان ديك، و كان هذا المدافع هو الأهم في كل منظومة ليفربول وليس محمد صلاح أو ماني ، وعندما أصيب إصابة خطيرة أبعدته عن الملاعب حتى نهاية الموسم، بدأ خط دفاع ليفربول هشا و عريان بلا ورقة توت تستر عورته ..

بدأ ليفربول في غياب فان ديك كمن تم تجريده من منظومة دفاع متكاملة، فتحول خط الدفاع إلى شوارع مفتوحة يتجول فيها من يشاء دون قيود، لقد أخطأ كلوب لأنه لم يخلق بديلا مناسبا لفان ديك، و اكتفى بالتعامل مع أدوات صدئة متهالكة على غرار جويل ماتيب و جو جوميز، و في حالات الطوارئ القصوى يستعين بهندرسون في قلب الدفاع كما فعل في المباراة الكارثية أمام ساوثهامبتون ..
نظرة خاطفة لعدد الأهداف التي سكنت شباك الريدز هذا الموسم ستصيبك بالدوران ، فهذا الفريق الذي كان الأقوى في أوروبا فقد أنيابه و مخالبه وبات فريقا يلعب بوسط و هجوم دون ساتر خلفي يحمي المؤخرة ..

ألكنتارا .. الخيار الناعم..

يعتقد يورغن كلوب أن صفقة التعاقد مع الإسباني تياغو ألكنتارا ستكون حلا لمعضلة صانع الألعاب، وهو بهذا الاختيار الناعم يتجاهل أن مدرسة ليفربول ليست لاتينية وان طابعها الأنجلوساكسوني هو السائد..
الليفر ليس في حاجة إلى لاعب تيكي تاكا في عمق الوسط من النوع الحريري ، إنه يحتاج إلى منشار طالع واكل نازل واكل، لاعب وسط شرس قوي من الناحية البدنية و الجسدية ، وهذا ما يتوفر في القائد جوردون أندرسون دائما أو حتى في نابي كيتا و فابينيو، فأي رسم تكتيكي يمكن أن يغير جلد الليفر مع ألكنتارا ..؟
في الواقع لم يكن الرسم التكتيكي بالنسبة لكلوب مهما، كان مجرد هامشا ورقيا، لكن الغلبة كانت عند كلوب للعامل النفسي أولا، ثم العامل الذهني ثانيا، و أخيرا العامل الفني، ظهر الليفر طوال موسمين كاملين بتوازن مذهل هذا لأن كلوب كان بارعا في تحفيز لاعبيه وفي خلق الدوافع المتتالية كي يتصاعد هذا التوازن ، لكن عندما فقد صلاح و ماني هذه الدوافع فجأة اختل الميزان و تبعثرت نجوم المجرة ..

شاكيري .. أزمة ثقة ..

يواجه كلوب معضلة فنية حقيقية في تبديلاته و تغييراته ، يمنح الثقة لبعض اللاعبين و يحجبها عن البعض الآخر ، ولعل السويسري شاكيري يدفع ثمن هذه المعضلة من روحه المعنوية التي هي أصلا في الحضيض ..

يمتلك شاكيري مؤهلات الخبرة ليكون بديلا متميزا على الرواق الأيمن أو حتى في طرف الوسط ، وهو كعقلية أكثر نضوجا من تشامبرلين ، لكن كلوب لا يثق في السويسري ولا يراه قادرا على استيعاب فلسفته النفسية ..
وكما تلاحظون المقياس الأول عند كلوب دائما الانسجام نفسيا مع اللاعبين بعيدا عن الثقل التكتيكي أو التدفق الفني و المهاري، وهنا يجد شاكيري نفسه معزولا نفسيا عن منظومة كلوب السيكولوجية، فيقضي جل وقته على دكة الاحتياط ..
ورغم أن شاكيري قدم بعض القناعات على أنه يمكن أن يكون حلا لصلاح أو لماني بعد تألقه في موقعة إياب برشلونة في الأنفيلد قبل عام ونصف تقريبا و مساهمته في إقصاء برشلونة بالرباعية التاريخية في دوري الأبطال، إلا أن كلوب ظل غير مقتنع بجدوى مشاركة شاكيري في بعض المباريات التي تتطلب المداورة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى