محمد بنيس .. للخذلان وجوه كثيرة ..!

كتب: محمد العولقي

الأستاذ محمد بنيس الأمس .. ليس هو الأستاذ محمد بنيس اليوم ..

أستاذ الأمس الذي كان قناة فضائية عربية متنقلة أيام كان فيها الحديث عن الستلايت أشبه بالحديث عن المستحيلات الثلاث الغول والعنقاء والخل الوفي .. بات اليوم بين مطرقة الخذلان وسندان النكران ..

أستاذ اليوم جار عليه الزمن .. تكالبت عليه المحن من كل حدب وصوب .. لا صديق وقت الضيق .. و لا رفيق يبلل الريق يس.. الأمراض تنهش أحشاءه وتستوطن خلاياه.. والفاقة تحاصر أسماله البالية حصار السوار للمعصم..

أستاذ الأمس الذي كان نقطة التقاء ملح البحر بعذوبة النهر .. لم يعد اليوم ذلك الناي الذي يعزف بأنامله ألحانا ليست كالألحان .. ذلك المتدثر بقافية الشعراء والمعجون بمختار الصحاح .. ليس سوى شبحا معتقلا في سجون المرض..

*كانت عقارب ساعاتنا تلتقي بأحلامه الكبيرة التي لم تفارقه في حله و ترحاله، أينما يمم وجهه تراه في غيم الخليج مزنا محملا بربيع سنونو قادما من أقصى المحيط الأطلسي .. لو كان وقتها الصحافيون يحترفون لكان محمد بنيس الآن يجلس إلى جوار ليونيل ميسي ينازعه أرقامه وكراته الذهبية .. لكنه مفكر زاهد وهب حياته للتصوف و الاحتراق في سماء ملبدة ببوم العربان وغربانهم وجرادهم..

محمد بنيس اليوم يشدو لألمه لحنا حزينا .. تجلط الدم في قلبه المثقوب وجعا .. قفصه الصدري معمل للألم المشبع بليل موجه كالبحر أرخى سدوله بكل أنواع البلايا و الرزايا .. نفر عنه الذين يدعون وصلا بإبداعه وبقي هناك في كازابلانكا على فراش المرض مثل السيف فردا ..

المعلم الذي شيد للصحافة الرياضية العربية صرحا ممردا أشبه بصرح سليمان للملكة بلقيس خذله وطنه العربي الكبير .. قلبه صحراء قاحلة تحتويها ريح صرصر .. عيناه ترقبان غيمة فرج و سماء وطني حبيبي الوطن الأكبر لا تنذر بشيء ..

  • أتابع حالة الأستاذ محمد بنيس المرضية .. ينقبض قلبي وحالته تتدهور كل دقيقة وكل ثانية .. ذلك القيدوم الذي يسكب الأفراح عطرا في وريدي بات شبحا يبكي بحرقة ماضيه التليد ..

*هدهدي هجر مملكته حلق فوق سفوح الأطلسي .. من هناك جاء بالخبر اليقين .. محمد بنيس الذي بنى للصحافة الرياضية مليون جنة أوتاره تئن .. صارت أكثر شيخوخة من كلمات النعي و الرثاء .. يومه بلا بكره .. و ليله العاري الذي يخبئه في معطف سهده ما طلع له نهار ..

من يدفع للأستاذ محمد بنيس ثمن دمعته التي لا يراها سواه ..؟

من منكم يمول مشروع انتحاره العظيم فوق أعلى نقطة من مرتفعات الأطلسي ..؟

لا أحد يسأل أو يزور .. اتحاد عربي غارق في المجاملات .. ومشغول بمناوشات الاخوة الأعداء .. وجمعية مغربية تستبدل العبط بالشيطنة ..

أعترف لقد حاولت مرارا وتكرارا التواصل مع الأستاذ محمد جميل عبدالقادر رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية .. كنت أود أن أهمس في أذنيه: محمد بنيس المكسور القلب والخاطر أمانة في عنقك .. لكن لا سبيل للوصول إلى تخومه.. و ليتني أصل إليه أو إلى غلافه الجوي ولو عن طريق عيون المها .. من يدري قد يجلبن الهوى من حيث يدري الشاعر علي بن الجهم و من حيث لا يدري ..

لا بأس من توجيه هذا النداء العاجل للنشمي الأستاذ محمد جميل عبدالقادر و معه رفيق رحلة بنيس في جريدة المنتخب الأستاذ بدر الدين الأدريسي وثالثكما فارس الزمن الإعلامي الجميل الأستاذ سعد الرميحي:

زميلكم الذي علمكم سحر الصحافة الرياضية يبكي ألمه بحرقة في اليوم مليون مرة .. ينتحر في غياب ردود أفعالكم مليون مرة .. فهل تبين لكم الرشد من الغي ..؟

الأستاذ محمد بنيس عشق الصحافة الرياضية إلى درجة الغيرة .. وعشقناه كقراء ورفعناه إلى درجة التبجيل والتدليل .. لكنه في أوج أزمته يبدو كربان سفينة ضل طريقه في عرض بحر الجحود و النكران و الخذلان ..

الأصدقاء و الزملاء في حياة الأستاذ محمد بنيس كثيرون لكنهم في النائبات أقل من القليل ..

  • الأصدقاء في محنة بنيس حب عظيم لم يعشه على فراش مأساته ..
  • الزملاء في عنفوان ألمه عطف كبير لم يشعر به ..
    و القراء الذين أدمنوا مفرداته و أسلوبه التحليلي الساحر حنان دافئ لم يتدثر به في عز زمهرير المرض ..

ماذا بقي للأستاذ محمد بنيس في ليلته المفتقد فيها لبدر زملائه المغاربة على غرار بدر الدين الأدريسي الذي يتبوأ مناصب عربية كبيرة يمكنها أن تفتح أمام زميله بنيس أبواب الرحمة في زمن باتت فيه القلوب المتحجرة سما قاتلا ..
أين مصطفى بدري الذي جعل منه بنيس عينا ثالثة أبصارها يفوق أبصار زرقاء اليمامة ..؟

أين الأستاذ سعد الرميحي الصقار الذي عاصر تجليات شاعر الصحافة الأول ..؟

أين نادي الهلال السعودي الذي جعل منه بنيس في كتاباته الرياضية بدرا مكتملا لا يسأل بأي حال عدت يا عيد الموج الأزرق ..؟

بحاستي و عاطفتي اقتربت من مجال الأستاذ محمد بنيس .. دخل طيفي غلافه الجوي .. وجدت العجب العجاب:

وجدته يطبب جرحه .. يسقي ألمه آهات آناء الليل و أطراف النهار .. يضبط (ريموت كنترول) لوعته و يمنح الآخرين حلاوة نهره الرقراق .. يشكو للبحر اضطراب خواطره..
الغريب أنه يفعل ذلك و في داخله ألم عظيم يفتك بكل بوديجارد أحلامه ..

داعبته في محنته .. أهديته الكثير من متواليات الصبر .. ورغم ذلك ظل دوما صقرا شرها جائعا لطرائدي حتى لو كانت أحيانا في بشاعة الغربان .. هو دائما هكذا وفي لأطلال صحافة الوقار .. يقدم عقله و يؤخر عاطفته .. فتأتي أحكامه أمينة موزونة بأوقيات الزئبق ..

زملاء وأصدقاء ورفقاء وذوي قربى الأستاذ محمد بنيس تجاهلكم لقمركم أشد ألما و وطأة على نفس زميلكم وأستاذكم من وقع الحسام المهند .. هل تعلمون كيف يلعق صبره في رمضاء مرضه ..؟

حسنا .. يعيش داخل نفسه وحيدا بلا صديق .. بلا رفيق .. بلا غد يشعره بقبس العيد .. بلا شمس أصيل .. هناك يتلوى وحيدا يهادن جرحا ساقطا لا يطيب .. جرح عميق و عنيد .. جرح أصدقاء لا يداويه طبيب ..

شاطروك أستاذ محمد نفسك في أيام وصلك .. لذائذيون سطوا على نهارك .. و تلصصوا على معجمك الكبير ..في الليلة الظلماء أفقدوك مناعتك .. إحساسك .. مؤلم أنهم كانوا في أول موكب رحلتك .. و عندما عطبت سفينتك باختبار من المولى عز و جل قفزوا .. الأكثر ألما أن كل الذين قالوا فيك معلقات النفاق أخذوا جزء كبيرا منك و مضوا يحتفلون بجرحك الغائر ..

هل تعرفون كيف يقتات أستاذكم محمد بنيس .. كيف يخبيء ليله العاري في معطف ألمه ..؟

في داخله ألم عميق .. يقاومه ببقايا صبر .. بلا طريق .. بلا هدف .. بلا رفيق .. كبر الحزن في قلبه حتى أصبح أشجارا ..متلازمة الألم و الوحدة تصيغها دموع لم تعد تتعرف على وجنتيه .. صارت الدموع بريقا لوحي قد يأتي و قد لا يأتي ..

عندما كان يكتب الأستاذ محمد بنيس باحترافية عن الكرة تشعر أن لهذا الجلد المنفوخ نبضا خالدا .. و حده بنيس كان ينفخ في روحه .. و حده كان يعتقل مشاعرنا و حواسنا يقودنا في رحلة تنويم مغناطيسي إلى عالمه المهووس .. عالم له رائحة الورق .. و عندما تستمع إلى مقطوعة (توكاتا) ليوهان سيباستيان باخ تشعر أن هذه المقطوعة جديرة بأن تعزف فقط لمحمد بنيس و هو يحلل المباريات بحذق من يخرج الشعرة من العجين ..

لا أريد للاتحاد العربي للصحافة الرياضية أن يدير ظهره للوضع الصحي المتأزم لرمز عربي إعلامي يحتضر ، لا أريده أن يتعاطى الخذلان شرابا وحبوبا وتحاميل في أزمة الأستاذ محمد بنيس، أريد فقط أن يقول الأستاذ محمد جميل عبدالقادر : لقد وصلت رسالة ابن سبأ دون الحاجة لعفريت من الجن وسنعلن أقصى درجات الطوارئ لإنقاذ حياة الكاتب الرياضي الكبير محمد بنيس ..

ويا زملاء وأصدقاء ومحبي الكاتب الكبير محمد بنيس .. تذكروا أن أقسى أنواع الألم تلمسه في ثلاث : رحيل الأحبة و حقد الأقارب و خذلان الأصدقاء ، و طبعا المرء حيث يضع نفسه عزيزي محمد جميل عبدالقادر ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى