تحقيق ميدالية أولمبية.. وتحديث استراتيجية الرياضة العمانية

كتب- المر الهاشمي

(1)
في 31 يوليو 2021، طالعتنا القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بتتويج الرباع القطري فارس إبراهيم بأول ميدالية ذهبية في تاريخ مشاركات دولة قطر بل والدول الخليجية بالألعاب الأولمبية، وتتالت الإنجازات بفوز بطل الوثب العالي معتز برشم بميدالية ذهبية أخرى، ليرتفع عدد الميداليات التي حققتها قطر بالأولمبياد تاريخيا إلى 7ميداليات (ذهبيتان، فضية، و4 برونزيات)، كما توج منتخبها الكروي بكأس أمم آسيا عام 2019، قبل ذلك لأول مرة في تاريخه، وهذا لم يتأت من فراغ، بل جاء نتيجة العمل الصحيح والتخطيط السليم والصبر الطويل واهتمام وجذب ورعاية للمواهب منذ الصغر، وإنشاء أكاديمية إسباير للتفوق الرياضي عام 2004، إضافة لبرامج ومنافسات المواهب التي أطلقتها قطر بالأندية والاتحادات والمدارس والخاصة بتنمية المواهب ورعايتها منذ الصغر.

ولا ريب أن تجربة قطر وغيرها من الدول المتقدمة رياضيا جديرة بالاهتمام والاستفادة من تجاربها، فهذه الدول لم تتعجل في تحقيق إنجازات وقتية بل تحققت إنجازاتها كنتيجة طبيعية وتلقائية للعمل الصحيح وخصوصا فيما يتعلق بالرعاية والاهتمام بالمواهب، فهي خططت واجتهدت وثابرت عبر خطط وبرامج سليمة تحلت خلالها بالصبر وفعل العمل الصحيح، ورغم تحقيق الميداليات إلا أن مسؤولي الرياضة بدولة قطر أكدوا أن المشاركة لم تكن بتحقيق الميداليات فقط! بل أيضا لصقل المواهب الأبطال الصاعدين، حيث كان الاحتكاك والتنافس مع نخبة أبطال العالم عاملا مهما في بناء جيل جديد للفرق القطرية في إشارة واضحة لعنصر الاستدامة في رعاية المواهب.

ومن خلال متابعتي واطلاعي للخطة الاستراتيجية للجنة الأولمبية القطرية 2017-2022 وجدت أنها ارتكزت على عوامل وأهداف رئيسية ثلاثة كان أولها (ضمان التفوق الرياضي) وثانيها (إحياء القيم الأولمبية) وثالثها(زيادة ممارسة الرياضة)، ولا شك أن من يريد أن يكتب التاريخ الأولمبي بأحرف من ذهب، عليه أن يدرك ويعمل بالأولويات لتحقيق ذلك وأهمها العناية وجذب المواهب وتقديم كافة الدعم لهم والصبر عليهم من خلال العمل الصحيح، فحسب ما ذكرته قناة الجزيرة الإخبارية عند سؤال والد البطل فارس حسونة المتوج بذهبية رفع الأثقال عن صناعة البطل الأولمبي قال إنه بدأ إعداد نجله ليكون بطلا أولمبيا منذ نعومة أظفاره كما يفعل مع أحفاده الآن، حيث كان يعلمه(تكنيك) رفع الأثقال حتى سن 12 سنة وبعدها بدأ يضيف الأثقال إلى التكنيك بشكل علمي مدروس، حتى بدأ يحصد ثمار هذا الإعداد الطويل بتحقيقه الميدالية الفضية في بطولة العالم للكبار عام 2019 وعمره 19 عاما فقط وكان أصغر رباع يحقق هذا الإنجاز في تاريخ اللعبة، كما قال برشم الفائز بذهبية الوثب العالي “إن الحلم بدأ على مضمار نادي الريان ثم تطور مع أكاديمية أسباير ثم الدعم الكامل من قطر قيادة وشعبا الذي جعلني بطلا رياضيا”، وهو ما يؤكد ويبرهن أن بداية صناعة بطل أولمبي تبدأ من رعاية وتطوير المواهب والاهتمام بها.

(2)
مع بداية عمل ورشة تحديث استراتيجية الرياضة العمانية، بات لزاما أن أشير إلى صناع ومتخذي القرار برياضتنا العمانية وخصوصا وزارة الثقافة والرياضة والشباب واللجنة الأولمبية العمانية، أن يكون الاهتمام وجذب ورعاية المواهب في المرتبة الأولى من النقاشات وأن تعطى الأولوية القصوى من الاهتمام، فالرياضيون لا يولدون بل يصبحون أبطالا من عدمه نتيجة للتنشئة والبيئة التي ينشأون بها ونتيجة للمشاركة الطويلة بالتدريب المنظم، لذلك هناك ما يسمى بدورة النمو والنضج للرياضيين التي أرى أنه يجب أن يعرفها متخذو وصناع القرار والتنفيذيون المتخصصون والمخططون برياضتنا العمانية للخروج بخطة عمل أفضل وصحيحة تراعي المواهب العمانية وتوفر البيئة المناسبة لهم كأولوية، فالعمر الذي يبدأ به الأطفال ممارسة الرياضة مهم جدا جدا في أن يصبحوا أبطالا، فعدد الساعات التي يقضيها الطفل الرياضي بالتدريب بالأسبوع مهم جدا جدا، والتي يجب أن تتراكم لتصل للمستوى المطلوب بناء على ما وصلت إليه التجارب والدراسات السابقة، فمشوار الميدالية الأولمبية ليس سهلا يتطلب تراكما طويلا من التدريبات والمشاركات.

لذلك إن كان لدينا إرادة حقيقة ورغبة مشتعلة في تحقيق ميدالية أولمبية، علينا الاستفادة من تجارب من سبقنا ونبني عليها ونبدأ أولا بتطوير بيئات رياضية مثالية تحاكي متطلبات المنافسة للحصول على أبطال أولمبيين مستقبلا على كافة المستويات، هذه البيئات تعمل على تطوير القدرات التنافسية التي نطمح أن يخرج منها أبطال أولمبيون مستقبلا، ، ولا شك أن توسيع دائرة ممارسة الرياضة لجميع الفئات وخصوصا الأطفال أمر يجب أن يحظى بالأولوية، فدولة عظمى كالصين مثلا لديها أكثر من 3000 مدرسة رياضية إلى جانب 20 برنامجا تدريبيا متخصصا تعمل على استقطاب الآلاف من الأطفال في عمر مبكرة، ولإشراك أكبر عدد من الأطفال في الرياضة بسن مبكرة وإبقائهم مشاركين لأكبر فترة ممكنة، يجب أن نعمل على تأهيل المرافق والمنشآت الرياضية بالأندية وكذلك بالمدارس لتكون مهيأة مع وضع برامج تأهيلية بمستوى عال تعطي معرفة حقيقية للمربين والمدربين والإداريين لتكون لديهم المعرفة الكافية ومؤهلين تأهيلا علميا عاليا، مع ضرورة أن نضع باعتبارنا سهولة الوصول لهذه المرافق والمنشآت من قبل الأطفال وأسرهم.

(3)
إن أي تطوير رياضي لا بد أن يتزامن معه برنامج لتوعية وتثقيف الأسر وخصوصا الوالدين بأهمية النشاط الرياضي للأطفال، وإيجاد حوافز مناسبة لجذب هذه الأسر وأطفالها للرياضة، حيث إن ذلك يلعب دورا رئيسيا في التحاق الأطفال بأنشطة رياضية مختلفة وإثارة اهتمامهم ودافعيتهم وتحفيزهم للانخراط في الرياضة للحصول على الموهبة البطل الأولمبي الذي نطمح إليه من بينهم، فالتحفيز النفسي والمعنوي وإثارة الدافعية وبيان الصورة الإيجابية للرياضة، مهمة جدا فالعوامل النفسية وبرامجها تلعب دورا كبيرا في الرياضة، فإيجاد البيئة المناسبة مع تدريب جيد الجودة وتوجيه ودعم جيد هو ما سيمكن من تطوير المهارات في العمل مع الرياضيين، إذ لا يوجد دليل قاطع يشير أن العوامل الجينية(الوراثية) تشكل عاملا حاسما في الوصول لمستوى النخبة في الرياضة، فما يحدث في التعليم والتدريب الرياضي يجب أن يكون متوافقا مع جو المنافسات، الأمر الذي ينبغي أن يعيه القائمون على تحديث استراتيجية الرياضة العمانية ومن سيعمل على تنفيذها مستقبلا.

(4)
تطوير البيئات الرياضية المثالية التي تحاكي متطلبات المنافسة والاهتمام ورعاية وجذب المواهب، وتأهيل بمستوى عال للكادر البشري ينبغي أن يكون الجانب الأكبر من نقاشات الشركاء والمتخصصين في تحديث استراتيجية الرياضة العمانية مع العمل الصحيح طويل الأمد المستدام والصبر، حيث إننا كمواطنين نتطلع من خلال وزارة الثقافة والرياضة والشباب واللجنة الأولمبية العمانية لنقلة نوعية للرياضة بوطننا الغالي عمان بالمستقبل القريب، عملا بهدف ورؤية واضحة يسودها التناغم والتفاعل بين العلم والمعرفة والمدربين والمربين والإداريين المتخصصين مع أصحاب القرار لفهم أفضل لكيفية إنشاء بيئات رياضية مناسبة وممارسة أكثر واقعية وذي فاعلية أكبر مع إنفاق المال لتحقيق ذلك، فعلم عمان يستحق أن نراه مرفوعا خفاقا في المحافل الرياضية العالمية والأولمبية وهذا لن يتأتى إلا إذا أدرج (صناعة بطل أولمبي وتحقيق ميدالية ذهبية أولمبية)كهدف للدولة وضمن خطتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى