* الوصايا العشر .. هل تقود الأخضر السعودي للاحتفال بالعيد على المائدة الروسية ..؟

تحليل: محمد العولقي 

* من محاسن الصدف أن يفتتح منتخب عربي إحدى نسخ نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم، سيسجل التاريخ الحديث أن منتخب المملكة العربية السعودية هو أول منتخب عربي ينال هذا الشرف العالمي الكبير، فمع مغرب يوم الخميس القادم يقص المنتخب السعودي شريط نهائيات بطولة كأس العالم في نسختها الحادية والعشرين، عندما يلاقي منتخب روسيا (البلد المنظم للحدث العالمي)، ولعله من النادر جدا أن يستقبل المنتخب السعودي عيد الفطر المبارك على المائدة الروسية، والأمل أن يجعل الأخضر السعودي الفرحة فرحتين ، فرحة عيد الفطر ، وفرحة الخروج بنتيجة إيجابية أمام صاحب الأرض والجمهور ..

ستتجه أنظار ما يزيد من مائتي مليون عربي نحو ملعب الحدث الكبير ، وستتسمر أعين الصائمين في الدول العربية والإسلامية أمام الشاشات المسطحة والمحدبة وهم يمنون أنفسهم بوجبة إفطار شهية، على أمل ألا يفسد الروس فرحة البداية السعودية ، وستكون دعوات الملايين من العرب الجسر الذي سيعبر عليه السعوديون المحطة الافتتاحية الصعبة بإذن واحد أحد ..

وبقراءة لواقع المنتخب الروسي على حسب حصاده المخيب في مبارياته الودية ، يستطيع المنتخب السعودي بالكثير من الحرص واللعب القتالي الفاعل أن يسلخ جلد الدب الروسي مبكرا ، ومن ثم بيعه في أسوأ مزاد ..
أما وقد غادرت السكرة بيت التجارب وولدت فكرة البقاء للأقوى والأشطر والأمهر ، فلا بأس أن يراهن (بيتزي) مدرب المنتخب السعودي على عنصري المباغتة والمفاجأة ، فقد  أكدت تجارب المباريات الافتتاحية أنها دائما مففخة حسابيا ، وأن صاحب الأرض والجمهور يلعب تحت ضغط نفسي هائل ورهيب ، يستثمره الخصم جيدا ، ثم يستخدم سلاح المباغتة بعد المناوشة وتنتهي الحكاية مبكرا ، حدث هذا لمنتخب الأرجنتين مرتين عندما كان بطلا لكأس العالم ، ففي مونديال إسبانيا عام 1982 خسر منتخب الأرجنتين المباراة الافتتاحية أمام منتخب بلجيكا بهدف صاعق ماحق سجله أروين فاندربيرج في الشوط الثاني ، ثم كانت أم المفاجآت فوز منتخب الكاميرون على منتخب الأرجنتين بقيادة مارادونا بهدف مثير للدهشة سجله المهاجم فرانسوا أومام بيك في الشوط الثاني، عندما حول الكرة برأسه من ارتفاع مترين في مرمى بومبيدو الحارس الأرجنتيني، كان ذلك في مونديال إيطاليا عام 1990 ، وكان حينها منتخب الأرجنتين بطلا للعالم ، حتى المنتخب الإيطالي وقع في فخ المباريات الافتتاحية بتعادله الغريب مع بلغاريا في افتتاح بطولة كاس العالم بالمكسيك عام 1986 ، يستطيع المنتخب السعودي أن ينسج على ذات المنوال ، فهو فنيا أفضل من   منتخب روسيا ، ومعنويا تصاعدت الروح المعنوية في صورة شلال مع توصل المدرب (بيتزي) للتشكيلة المثالية ، والتي رفعت منسوب التفاؤل في الشارعين العربي والسعودي مع مردود المنتخب الأخضر أمام منتخب ألمانيا بطل العالم ، حيث أرسل اللاعبون رسائل تطمين توحي بأن كل شيء تحت السيطرة ..

ولكي يحقق المنتخب السعودي المفاجأة أمام روسيا في مباراة الافتتاح عليه أولا أن يؤمن بحظوظه في مجموعته التي تضم إلى جانبه وجانب روسيا منتخبي الأوروغواي ومصر ، ولكي يجتاز السعوديون عقبة مباراة الافتتاح ويخرجوا من المعمعة دون أضرار، أو كما تخرج الشعرة من العجينة لابد من الحيطة والحذر ، ومن ثم تطبيق الوصايا العشر التالية :

الأولى:
على المنتخب السعودي ألا يتهيب من طلوع جبال التحدي حتى لا يعيش بين الحفر ، وهو مطالب بتجهيز وصفة فنية وتكتيكية تحبط البداية الروسية ، فبدون أدنى شك سيندفع لاعبو روسيا نحو نصف ملعب المنتخب السعودي ، وهم يضعون نصب أعينهم أهمية تسجيل هدف مبكر في مرمى عبدالله المعيوف ، يريح أعصابهم ويربك حسابات خصمهم ، ولكي لا يحدث ذلك المكروه على المنتخب السعودي أن يكون مستعدا وجاهزا لإجهاض العاصفة الروسية في شوطها الأول ، ضرورة الالتزام بتعليمات الجهاز الفني ، وعدم الخروج عن النص فرديا ودون سابق إنذار ، ولكي تطفئ اللهيب الروسي تزود بالماء أولا ، ولا تكن سببا في اندلاع النيران من داخل شاكلة بيتك ..

الثانية:
من الأهمية بمكان أن يترك السعوديون عملية إمتلاك الكرة للخصم الروسي ، و إجهاده بدنيا ونفسيا ، مع الاعتماد على التحرك السريع في الفراغات الروسية وما أكثرها ، وسينجز السعوديون الكثير لو أنهم حافظوا على شباكهم في الشوط الأول ، وتحلوا بثقة في النفس يغلفها الحرص والحذر الشديدين ، فنحن نعلم أن آفة اللاعبين العرب وعدوهم الأول هو السرحان والتوهان وخروج على قواعد الطاقة الذهنية ..

الثالثة:
إذا أكرمنا الله وانتهى الشوط الأول بشباك سعودية نظيفة، سيضرب المنتخب الروسي في مقتل ، هذا لأن الإحباط سيتراكم عند الروس ويبلغ مبلغه ، ومع مرور الوقت سيتحول إلى شك، ومن ثم إلى هاجس ، وهنا ستتراجع الروح المعنوية عند الروس حتى الضاءلة ، ستنكشف كل العورات الروسية ، لذا يجب استغلال فقدان التوازن الروسي عن طريق تضييق الخناق عليه ، وجرجرة لاعبيه إلى لعبة المصاقرة السيكولوجية ، ولو أحسن السعوديون استغلال الخبث الكروي ستنفتح أمامهم مغارة الدب الروسي فيسهل الإجهاز عليه ، فقط ألفت نظر السعوديين إلى نقطة مهمة جدا يجب أن يضعوا لها حسابا من الآن ، وتتعلق بأن المنتخب الروسي بصفته المضيف سيتلقى الكثير من المساعدات والهدايا الصغيرة من الحكم داخل الملعب ، وسينقب عن الأخطاء ليمنح الروس تفوقا معنويا ، ولتفادي أي كارثة تحكيمية يجب أن يتحكم اللاعبون السعوديون في رد الفعل ، ويجب أن يتفادوا ارتكاب الأخطاء في منطقة الجزاء ، يجب أن تكون الالتحامات مع اللاعبين الروس تكتيكية بحتة وليست نتاج يأس أو تشنج ، نصيحة لا يجب أن ينشغل السعوديون بقرارات الحكم مهما بدت جائرة وظالمة ، يجب التكيف مع الحكم و رفع درجة الحدس إلى أقصى درجة ..

الرابعة:
هنا يأتي دور المدرب (بيتزي) في تحريك عصاه التكتيكية ، فمع مهارة لاعبيه الفنية يستطيع المدرب الانتقال من خانة قراءة الخصم وتحجيم نواياه إلى خانة المباغتة الفاعلة ، شريطة أن لا يؤدي هذا التطور التكتيكي إلى ضرب الشاكلة في العمق ، في وسع فهد المولد وسالم الدوسري ويحيى الشهري وياسر الشهراني والسهلاوي تطبيق جمل فنية يتصدع معها الحائط الدفاعي الروسي الذي يعاني من شرخ واضح على مستوى التفاهم ، يمكنهم تنظيم حملة مداهمات هجومية فدائية في العمق الروسي ، سيكتشفون أن الوصول إلى المرمى الروسي في المتناول ..

الخامسة:
من المفيد للمنتخب السعودي أن يؤدي وظيفة الضغط العالي على البناء الروسي نفسه ، لا يجب تطبيق هذا الضغط في صورة حراسة فردية معينة، ولا يجب مجاراة الروس في الالتحامات المقصودة، لأن المنتخب الروسي قوي من حيث الرصيد البدني الاندفاع الجسدي ، وأي مخاطرة من هذا النوع ستستنزف طاقة اللاعبين البدنية فيصبح الأخضر عاجزا عن أداء الشوط الثاني بنفس القوة البدنية وبنفس الطاقة الذهنية ..

السادسة:
حذاري من فلسفة الكرات التليفونية القصيرة في ثلث ملعب المنتخب السعودي ، الأولوية أمام رباعي الدفاع تنظيف المنطقة أولا بأول مع ترك البناء الهجومي لمحوري الوسط ، وهنا لابد أن تكون المهام التكتيكية واضحة ، فليس من المعقول أن تلعب بمحورين لهما نفس المواصفات ، يجب أن يكون هناك المحور الهدام ، الذي يكسر هجمات الخصم ، والمحور البناء الذي يحيي الكرة ويحولها إلى مضادات خاطفة ، والحذر من الركنيات على القائم الأول ، عند الركنيات أو الكرات المؤطرة لابد من مراقبة تحركات الخصم وليس منحنى الكرة ، الروس بارعون في الكرات الهوائية بحكم طبيعتهم وفارق أطوالهم ، لذا يجب إلغاء نقطة التفوق الروسي في الكرات الهوائية بعيدا عن التهور ..

السابعة:
سيكون الضغط الجماهيري الروسي على لاعبي المنتخب السعودي هائلا ، لذا من الأنجع بلورة رؤية هادئة تمتص عاملي الأرض والجمهور ، والأهم أن تكون نسبة تركيز اللاعبين السعوديين مائة في المائة ، التفكير يجب أن ينصب على التفاصيل داخل الملعب وعدم الإكتراث لعملية الشحن النفسي الروسي ، فليبدأ السعوديون بجس النبض وضمان عدم اهتزاز الشباك في العشرين الدقيقة الأولى من الشوط الأول ، بعدها ستتم عملية التكيف مع الخصم أوتوماتيكيا ، وستتضاعف الثقة بما يسمح بإحداث المفاجأة ، كل المنتخبات المغمورة التي لعبت الافتتاح أمام الأبطال اعتنقوا هذا الفكر، ونجحوا في قلب الطاولة ، والمنتخب السعودي بتطبيق كل الوصايا الفنية و التكتيكية والمعنوية قادر بعون الله على اعتقال الدب الروسي واعادته إلى حجمه الطبيعي ..

الثامنة:
المنتخب الروسي قليل الحيلة على المستوى الفني ، ينفر لاعبوه أمام أول أشكال هجومي مركز ، وفرصة المنتخب السعودي كبيرة في تسيير اللقاء على مراحل حتى لا تخور قوى اللاعبين في الأوقات التي تتطلب تركيزا كبيرا ، لاعبو روسيا سلاحمهم الأول السرعة والركض إلى الأمام بغير هدى ، بالإضافة إلى الكرات العرضية المتحركة والثابتة ، وعندما يشعرون أن المنافس قوي لياقيا وأذكى مهاريا تتسم تصرفاتهم بالتوتر والنرفزة ، وهنا يمكن للمنتخب السعودي ضرب ضربته الأولى من خلال تصدير التوتر و التشنج إلى نفوس لاعبي روسيا ، سيجدون أن النظام الروسي ليس محكما ، بل مليء بالثغرات والعيوب في العمق والمتوسط الدفاعي ، على (بيتزي) قراءة خصمه جيدا والتركيز على تلك الثغرات القاتلة في عمق ووسط روسيا ..

التاسعة:

أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه لاعبو المنتخب السعودي هو تطبيق مبدأ القتال داخل الملعب دون وعي ، ودون حماية تكتيكية ، القتال في كرة القدم ينتج من طبيعة الحافز الذي يحرك اللاعبين ، وبدون هذا الحافز يصبح القتال فوضويا ما لم يتم تغطيته بفلسفة تكتيكية تحدد المهام وتقضي على عملية الازدواج الوظيفي داخل الملعب ، على (بيتزي) تطويق عناصره البشرية ، أعدادهم نفسيا ومعنويا لمواجهة هيبة مباريات الافتتاح بما يسهم في وأد (الخضة) في مهدها ، فشرف أن تلعب الافتتاح وتفوز على صاحب الأرض والجمهور لا يدانيه شرف آخر غير الفوز بكأس العالم ..

العاشرة:

لن نتحدث كثيرا عن الطراوة البدنية ، ولن نسهب في الحديث عن المرونة التكتيكية ، على أساس أن (بيتزي) يفترض أنه خير من يعزف على هذين الوترين ، لكن أن تلعب الافتتاح شيء و أن  تلعب في يوم آخر شيء مختلف تماما ، هنا لابد من التعويل على مبدأ الانتقال الآمن و السلس من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية ، لابد من المزاوجة بين عمليتي الامتداد و الارتداد دون الأضرار بالمفكرة التكتيكية ، دائما مباريات الافتتاح تلعب على جزئيات صغيرة ، من يغفلها ويتجاهلها يفرط في عاملي المباغتة والمفاجأة ، وهذا ما يجب أن يدور في أذهان اللاعبين بعيدا عن الانشغال بالفضائيات والجمهور والشحن النفسي ..
أتمنى على لاعبي الأخضر السعودي الاستمتاع بهذه اللحظة التاريخية التي لن تتكرر إلا بعد قرن كامل ، على أمل أن يبحر اللاعبون بقارب النجاة أمام روسيا ، اعملوا كثيرا في الافتتاح ، اجتهدوا وثابروا ، فإن اطلقتوا فرحة العيد من روسيا فلكم أجران ، وأن خابت مساعيكم فلكم أجر المحاولة ، قلوب كل العرب والمسلمين معكم في الافتتاح فلا تخشوا خصمكم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى