ناصر الشاذلي .. شائعة يمنية تشعل دراما مونديالية..!

 

توووفه – محمد العولقي

* ما إن أطلق الحكم صافرة نهاية مباراة بلجيكا و اليابان ، برسم الدور ثمن النهائي لبطولة كأس العالم المقامة في روسيا ، حتى تدافع اليمنيون شمالا وجنوبا للاحتفال بهذا النصر البلجيكي المؤزر ، أطلق اليمنيون العنان للألعاب النارية ابتهاجا بتأهل منتخب بلجيكا إلى الدور ربع النهائي ، أثارت هذه الفرحة اليمنية العارمة التي اجتاحت مفاصل البلد المنهك حروبا واقتصادا الكثير من علامات الدهشة لدى المراقبين المحليين ، فمن المعروف أن منتخب بلجيكا ليس من بين المنتخبات الكبيرة المفضلة التي يستوجب مساندتها معنويا ، لكن لدى الجماهير اليمنية دافعا عاطفيا كبيرا كان سببا مباشرا في ارتفاع حمى التعاطف مع بلجيكا دون منتخبات من العيار الثقيل على غرار البرازيل وفرنسا والأوروجواي و انجلترا ..

قبل مباراة منتخبي بلجيكا واليابان سرت شائعة عاطفية انتشرت في الشارع اليمني الرياضي انتشار النار في الهشيم ، فقد أدعى مجموعة من المغردين اليمنيين أن اللاعب (ناصر الشاذلي) من أصول يمنية ، بل إنهم لم يتوقفوا عند هذه المعلومة (المغلوطة) حين أضافوا للشائعة الطائرة توابلا وبهارات عاطفية جعلت من (ناصر الشاذلي) سليل أسرة (نصر الشاذلي) ، نجم كرة القدم في (اليمن الجنوبي) في الستينات ، وليت الأمر توقف عند هذا الحد ، على العكس لقد تم تفعيل دراما الشائعة الطائرة بمعلومة عاطفية في غاية الخطورة ، فقد أكدت مطابخ هذه الشائعة أن النجم البلجيكي الذي سجل هدف الفوز للمنتخب البلجيكي في الأنفاس الأخيرة في مرمى اليابان ما هو إلا نجل الكابتن (وجدان الشاذلي)، مهاجم منتخب (جمهورية اليمن الديمقراطية) سابقا ، وقائد منتخب اليمن الموحد لاحقا ..

يبدو أن الجمهور اليمني في ظل ويلات الحرب التي تدور رحاها شمالا ، ووضع اقتصادي متردي جنوبا وجد في الشائعة المونديالية قشاية يتعلق بها من الغرق الفوضوي الداخلي ، لهذا تعاطى مع (يمننة) نجم بلجيكا (ناصر الشاذلي) بتفاعل صارخ أنساه للحظات مآسيه الكارثية على مختلف الأصعدة ، بدليل أن الجمهور اليمني نقل عواطفه مباشرة من البرازيل والأرجنتين وفرنسا وألمانيا وصبها في منتخب (بلجيكا) بين عشية وضحاها ، ووسط الفرح اليمني الهستيري لا غرابة أن تتصدر صورة لاعب الوسط البلجيكي (ناصر الشاذلي) حسابات اليمنيين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ، وتحت صورته عبارة : الشاذلي ابن اليمن البار ينقذ بلجيكا ..

في اليوم التالي لمباراة بلجيكا واليابان شاهدت مجموعة صبية يرفعون صورة (ناصر الشاذلي) ، ثم يهتفون للقائد اليمني ذائع الصيت (وجدان شاذلي) ، سألتهم بعفوية : ما علاقة النجم اليمني السابق (وجدان الشاذلي) بصورة النجم البلجيكي (ناصر الشاذلي)..؟


كان ردهم صاعقا ، ويوحي بخطورة الشائعة التي صكت أذني قبل أيام ، كان جوابهم :
هذا الشبل البلجيكي من ذاك الأسد اليمني .. استوعبت الأمر مباشرة ، فلم أكن أحتاج إلى ذكاء (شارلوك هولمز) كي أستنتج أن بعض اليمنيين صدقوا الشائعة ، وليسوا على استعداد للتنازل عنها تحت أي مبرر ، حتى لو كان هذا المبرر يتعلق بحقيقة أن البلجيكي (ناصر الشاذلي) لا يمت بصلة لنجم الكرة اليمنية السابق (وجدان الشاذلي) لا من قريب ولا من بعيد ، فكيف سيكون حالي معهم لو عريت الحقيقة وكشفت النقاب عن هوية وجذور (ناصر الشاذلي) الحقيقية وسط كل هذه الدراما اليمنية و الأمواج الفرائحية العاتية ..؟

لاحظت أن الصبية المراهقين تبرموا من كلامي ، حتى إن أحدهم نهرني قائلا :
نعلم أنك كبير المحللين في اليمن ، لكنك لن تستطيع كسر الفرحة في قلوبنا ، ثم أضاف أحدهم بنبرة حملت تهديدا حقيقيا : وعلى عين أي حاسد ، ناصر الشاذلي ابن اليمني الدولي وجدان الشاذلي ، ثم حدق في وجههي ثالث وقال و الشرر يتطاير من عينيه الضيقتين : إذا كان كلامنا لا يعجبك اشرب من البحر ..

الواقع أنني كنت على وشك الشرب من البحر فعلا لولا أن ترعة خلفي حذرتني من عواقب فعل ذلك ، والسبب بطبيعة الحال البلهارسيا التي تنشط في الريف اليمني تحديدا ..

ليومين متتاليين طغت شهرة (ناصر الشاذلي) اليمني على شهرة (ناصر الشاذلي) البلجيكي ، ولقد تناهى إلى مسمعي أن المهاجم اليمني ( وجدان الشاذلي) تلقى سيولا من التهاني بنجاح نجله مع منتخب بلجيكا ، ورأوا في تألق (ناصر الشاذلي) انتصارا للكرة العربية التي توارت عن المشهد المونديالي مبكرا ، وعلاجا ناجعا لأوضاعهم الاقتصادية الصعبة ، مع العلم أن اليمني (وجدان الشاذلي) اعتزل الكرة نهائيا قبل عقدين من الزمن ، وحاليا يستقر أسريا في (سويسرا) بعد أن لاقى الكثير من الاجحاف يمنيا ، ولوجدان اليمني ولدان يلعبان محترفين في نادي (سيون) السويسري ، ليس من بينهما من يحمل اسم (ناصر ) ..

ومن يربط بين أسرة الشاذلي العدنية وأسرة ناصر الشاذلي البلجيكية يسقط في خطأ تشابه الأسماء والألقاب ، فالبلجيكي ناصر الشاذلي الذي أمسى حديث وحبيب كل اليمنيين ينحدر من أصول مغربية شأنه شأن زميله في المنتخب البلجيكي (مروان فيلايني) ، و لأي يمني يرفض (مغربية) ناصر الشاذلي عليه أن يعلم أن متوسط ميدان منتخب بلجيكا سبق له وأن لعب مباراة ودية مع منتخب المغرب قبل ثمان سنوات بملعب (ويمبلي) الشهير أمام منتخب أيرلندا الشمالية وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكليهما ، بعدها قرر ناصر الشاذلي تمثيل منتخب بلجيكا لأسباب تتعلق بحرية اللعب دون ضغوطات نفسية ، وتم السماح له من (الفيفا) بتمثيل منتخب بلجيكا عوضا عن موطنه الأصلي (المغرب) وليس (اليمن) بطبيعة الحال .

إلى ما قبل الدقيقة الرابعة من الوقت بدل الضائع من مباراة بلجيكا واليابان ، لم يكن معظم اليمنيين يعلمون الكثير عن (ناصر الشاذلي) ، لكن في تلك الدقيقة الأخيرة استعرض الشاذلي البلجيكي عضلاته وهو يفرض نفسه ملهما لتلك الأمسية الدراماتيكية ، انطلق ناصر الشاذلي من العمق مستغلا تمريرة دقيقة من اليمين ثم أودع الكرة في مرمى اليابان بطريقة مثالية ، عندها هلل اليمنيون وهم ينعمون على اللاعب ألقابا لم تجرؤ الصحافة البلجيكية على إلصاقها باللاعب ..

ولد (ناصر الشاذلي) في مدينة (لييج) البلجيكية لأبوين مغربيين مهاجرين ، عانا الأمرين من شظف العيش ، ومن النظرة الغربية لكل ما هو عربي ، يتذكر والد ناصر عمدة مدينة (انفرس) البلجيكية ( بارت ديويفر) الذي كان حادا في تعامله مع كل عربي يعيش فوق التراب البلجيكية ، حدق طويلا في وجه الصبي ناصر متسائلا : ترى كيف سيذوب هذا الصبي في مجتمع ينظر للعربي نظرة شك وازدراء ..؟

لم يطل قلق الوالد طويلا لأن نجله المولود في الثاني من أغسطس عام 1989 كان في طريقه لتبديد كل سحب الشك التي تلبد سماء والده ، ففي التاسع من فبراير عام 2011 خاض (ناصر الشاذلي) مباراته الدولية الأولى مع منتخب بلجيكا أمام منتخب فنلندا ، حينها تنفس الوالد الصعداء وقد بات نجله جزء” من نسيج الكرة البلجيكية ، وضرب (ناصر الشاذلي) ضربته المزدوجة عام 2013 عندما انتقل من نادي (تيفنتي انشخيده) الهولندي إلى نادي (توتنهام هوتسبير) الإنجليزي، لقاء سبعة ملايين جنية إسترليني ، ثم باعه (توتنهام) بعد ثلاثة مواسم لنادي (وست برومتش ألبيون) نظير 13 مليون جنية إسترليني عدا ونقدا ..

وليلة الإثنين الماضية، الثاني من يوليو تحول (ناصر الشاذلي) إلى بطل قومي في بلجيكا ، فقد نسب له بأنه هو من عطل الكمبيوتر الياباني في توقيت قاتل ، فنقل البلجيك من السفح إلى السطح في رمشة عين ، احتفل الجمهور البلجيكي بهدف نجمهم ، تماما كما احتفل اليمنيون بشاذلي يمني صنعته شائعة من ورق ..

الآن فقط تغيرت صورة اللاعبين ذوي الأصول العربية في بلجيكا ، فالمنتخب الذي يضم أربعة لاعبين من أصول عربية بات يعتمد اعتمادا كليا على اللاعبين المهاجرين الذين طالما ظلوا عرضة للنظرة الدونية من المتعصبين للعرق البلجيكي غير المهجن ..
ربما يستطيع (ناصر الشاذلي) المغربي وليس اليمني، وضع بطيخة صيفي في بطنه و ينام مطمئن البال وقرير العين مع إنقاذه لمنتخب بلجيكا ، ولن يضطر مرة أخرى إلى تصوير إعلان فاضح بصورة شبه عارية ، حتى لو كان غرض التصوير الإعلاني إنسانيا ، كما حدث له أثناء حملة لزيادة التوعية حول أعراض مخاطر مرض السرطان ..

وقد لا يضطر مستقبلا إلى التقرب الفاضح (للعجم) ، بعد أن صار مشهورا وعلما بلجيكيا في رأسه نار ، فربما يعيد (ناصر الشاذلي) النظر في جملته (السير إلى أورشليم) التي تزين صفحته في (الفيس)، و تصحيحها بعبارة (السير إلى القدس) ، حتى يتجنب نقمة العرب بمن فيهم الجمهور اليمني الذي يصر على (يمننة) ناصر بلا سبب معقول أو مبرر مقبول ..

وبالعودة إلى النجم الدولي اليمني السابق (وجدان الشاذلي) ، فيسجل له تاريخ الكرة اليمنية أنه ينحدر من أسرة رياضية تنتمي في الغالب لنادي (التلال) ، أقدم الأندية العربية في الحزيرة والخليج ، بدليل أن اسم عمه ( نصر الشاذلي) يطلق على ملعب نادي (التلال) ، والحقيقة التي التصقت بنجم النجوم (وجدان الشاذلي) أنه أبرع من لعب في الجهة اليمنى ، فقد كان كوكتيلا من مهارات فردية مختلفة وخارقة للعادة ، وهو في ذلك يتشابه مع الفيلسوف السعودي (يوسف الثنيان) ، ووجدان اليمني صنع ربيع نادي (الشرطة) في عقد الثمانينات قبل أن ينتقل إلى نادي (وحدة عدن) مع نهاية العام 1989 ، في صفقة أسالت الكثير من الحبر وأدهشت المتابعين كون (وجدان) عرف عنه أنه من أسرة (تلالية) ، والجماهير الجنوبية تحديدا تعلم العداء التاريخي بين الغريمين وقطبي الكرة الجنوبية (التلال والوحدة) وهو عداء شبيه بالعداء المستفحل بين الأهلي والزمالك في مصر ، والهلال والنصر في السعودية ، عاش (وجدان) لحظات رائعة مع (الوحدة) لعشر سنوات قبل أن يعتزل بمهرجان جماهيري مهيب آواخر العام 1999

عرف عن (وجدان الشاذلي) أنه ثائر وصاحب آراء جريئة ولا يتوقف عن الانتقاد ، وهو أمر لم يعجب القيادات السياسية الوحدوية فآثر الإبتعاد عن الشر مع فاصل من الغناء ..

هاجر (وجدان الشاذلي) إلى سويسرا حيث يعيش الآن في ثبات ونبات وخلف صبيان وبنات ، لكن نجليه (وجد وعادل) ورثا عنه مواهبه الكروية المثيرة ، فتعاقدا مع (سيون) السويسري لفئة الشباب ، الأول (وجد وجدان) وهو الأكبر (20 عاما) فضل دعوة الناخب اليمني ، في حين فضل النجل الأصغر (عادل وجدان 17 عاما) اللعب لمنتخب أوروبي كبير ، ووراء هذا الاختيار حكاية ستنفرد (توفه) بنشر تفاصيلها قريبا ، ومن داخل بيت عائلة (الشاذلي) اليمنية ..

وأخيرا ، ما رأي الجمهور اليمني ؟ هل يقتنع أن لاعب وسط بلجيكا (ناصر الشاذلي) ليس يمنيا بعد كل هذه الأدلة الساحقة الماحقة التي تؤكد بالصوت والصورة أن (ناصر الشاذلي) مغربي الأصل ، وأن (يمننته) مجرد التباس وتشابه في الأسماء ..؟!
والأهم يا زملائي الأعزاء في (توووفه) كيف أقنع الصبيان المراهقين بعدم جواز (يمننة) ناصر الشاذلي، خصوصا وهم يضعونني أمام خيارين أحلاهما مر بالتأكيد  أما الشرب من البحر ، أو السباحة في الترعة حيث تنتظرني البلهارسيا على أحر من الجمر ..؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. انا يمني واقول لك لو تفعل المستحيل ماتقدر تغيير رئي الشعب اليمني خلاص دخلت الراس واسم عائله ناصر مثل اسم عائله وجدان خلاص رح يكون القرار الحاسم ان جد او جد جد ناصر هاجر من اليمن الى المغرب ^_^

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى