ماركو فيراتي ..حرباء كل الشاكلات ..لماذا يطارده برشلونة؟

تحليل- محمد العولقي

يكثر الفنيون في كيل الإطراءات بحق لاعبي محور الارتكاز الدفاعي، بحكم أن الموضة التكتيكية تستوجب لاعب ارتكاز دفاعي يجمع بين المخ والعضلات ..
تضاعفت سرعة كرة القدم الحالية ثلاثة أضعاف الكرة القديمة، ولأن المساحات أصبحت ضيقة إلى أقصى حد، فإن الدواعي التكتيكية تحتم أن يكون محور الوسط الدفاعي هو العمود الفقري لأية شاكلة فنية وتكتيكية..

يسهب الفنيون والمحللون في الحديث عن الدور الكبير الذي يؤديه بيانيتش مع يوفنتوس، ويمتدحون العطاء اللامحدود للاعب برشلونة سيرجيو بوسكيتش، ويطربون للدور الخفي الذي كان يقدمه البرازيلي كاسيميرو مع ريال مدريد المواسم الثلاثة السابقة، لكنهم من النادر جدا أن يحللوا الأدوار الكبيرة التي يبرع في تأديتها الإيطالي القصير ماركو فيراتي رمانة ميزان فريق باريس سان جرمان ومنتخب إيطاليا..

مطلب برشلوني

يعاني ماركو فيراتي من تعتيم إعلامي غير مسبوق سلبه الكثير من حقوقه الدعائية، ربما لأنه يلعب في الدوري الفرنسي الذي لا يقارن بدوريات إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وربما لأنه بالفعل تكيف مع دور الجندي المجهول داخل صفوف الفريق الباريسي البعيد كل البعد عن الأضواء وفلاشات الإعلام بمختلف أنواعه.

قبل عامين ظل ماركو فيراتي مطلبا برشلونيا لتدعيم خط المحور الدفاعي ، وكان وراء الاهتمام البرشلوني بالقزم الإيطالي عاملان:

الأول: ترى اللجنة الفنية البرشلونية أن فيراتي هو خير خلف للسلف الذي قد يتقاعد قريبا سيرجيو بوسكيتش، فهذا الأخير تخطى سن الثلاثين بعام واحد ومن المرجح تقاعده بعد موسمين من الآن، وليس هناك معولا لهذا النجم الكبير سوى الإيطالي فيراتي دون غيره بحكم هويته اللاتينية الأقرب لاستيعاب أبجد هوز التيكي تاكا.

الثاني: شهادة ليونيل ميسي التي لن تمر مرور الكرام في المستقبل القريب، ميسي تغزل في قدرات فيراتي قائلا: “يؤدي فيراتي الكثير من الأدوار المختلفة بحنكة وذكاء، إنه من لاعبي المحور النادرين في الجمع بين القوة والذكاء، دائما فيراتي يروق لي”.

ربما صرف برشلونة النظر عن جلب فيراتي إلى الكامب نو، بسبب تمسك الفريق الباريسي بلاعبه الملهم، وهو قرار جعل برشلونة يدير بوصلته نحو فرانك دي يونج لاعب الوسط الارتكازي لفريق أياكس الهولندي.

فيراتي المظلوم إعلاميا

يشعر فيراتي دائما أن لاعب المحور الدفاعي في وسط الملعب مظلوم إعلاميا، لا أحد يحلل دوره الكبير إلا المدربون الكبار، ومع ذلك فإن فيراتي لا يبدو قلقا من هوس الحديث عن نيمار ومبابي.

(قدر لاعبي المحور أنهم مهمشون على الواجهة الإعلامية، أنا مثلا أركض مع باريس سان جيرمان أكثر من 14 كم في المباراة الواحدة دفاعا وهجوما، بعض زملائي يتفرجون طوال المباراة ثم يحرزون هدفا فيتصدرون الواجهات الإعلامية، ومع ذلك لست متبرما من ذلك لأن قدر لاعب المحور أن يعيش في الظل كجندي مجهول )

لكن مهاجما مرموقا مثل كليان مبابي يختلف تماما مع فيراتي، فهو يقول عن الإيطالي: “فيراتي هو من يأتي لنا بالربيع، لا يمكنني أن أتخيل البي إس جي بدون فيراتي، إن له عينين ثاقبتين : واحدة في الأمام ترصد مواقعنا فيمرر لنا السهل الممتنع، وواحدة في الخلف تضبط نوايا مهاجمي الفريق الخصم، إنه لاعب وسط محوري مذهل بحق”.

حتى مدربه الألماني توماس توخيل يمتدحه قائلا :” لا يمكنني تصور البي إس جي بدون فيراتي، إنه الترمومتر الحراري للفريق الذي يتوقف عليه موقفنا في كل مباراة”.

فنيا هو الأفضل

يخيل للمتابع أن فيراتي مثل لعبة الأطفال لصغر حجمه وقصر قامته، لكن مؤهلاته الفنية التكتيكية قلما تتوفر في لاعبين آخرين..
في تصوري أن فيراتي يفوق بيانتش وبوسكيتش وكانتي وكاسيميرو وحتى فتى أياكس فرانك دي يونج في ميزة فنية، فهو يوازن بين متطلبات العضلات ومتطلبات المخ وهو ما يمنح الوسط توازنا تكتيكيا يسمح للاعبي الوسط بالتحرك بحرية دون ضغوطات في التغطية.

نعم فيراتي هو ملك التغطية الدفاعية بحكم أنه يمزج بين حدسه الدفاعي وبين حسن التموضع في الأماكن الحساسة في منطقة الوسط الدفاعي، يتحصن فيراتي أيضا بحس فني مرتفع للغاية، فهو لا يكتفي بعملية الهدم كبوسكيتش لاعب برشلونة فقط، لكنه أيضا يساهم في عملية البناء الهجومي بصورة فعالة.

ولكي نقترب أكثر من هذه الميزة التي تميزه عن لاعبي محور الوسط الدفاعي دعونا نقرأ شهادة البروفيسور آرسين فينجر: “عندما يمتلك فيراتي الكرة يرفع رأسه دون عناء، وقبل التمرير يتحرر فورا من شراسته الدفاعية، فيتحول إلى صانع ألعاب مقتدر” .

حرباء كل الشاكلات

بعض الفنيين يشبهون فيراتي بالسقاء الفرنسي الشرس باتريك فيرا، لكنه في الواقع يشبه كثيرا لاعب منتخب البرازيل في ثمانينات القرن الماضي فالكاو، سواء من حيث الذكاء الميداني أو من حيث القدرة على ربط خطوط الفريق تكتيكيا.

ينفرد فيراتي عن أقرانه بثلاث سمات:

الأولى: فنية بحتة ترتبط بمخزون اللاعب المهاري في منطقة تتطلب منه أن يكون منشارا (طالع واكل .. نازل واكل)، وفيراتي عبر عن مواهبه الفنية وخصاله المهارية في مناسبات كثيرة سواء مع البي إس جي أو مع منتخب إيطاليا.

الثانية: تكتيكية فهو حجر الأساس الذي تبنى عليه عناصر الشاكلة التكتيكية، يبدع في صيغة 3/4/3 حين يكون ارتكازا طرفيا، ويتألق كثيرا كليبرو في العمق في طريقة 4/3/3.

الثالثة: قدرة فيراتي على التلون والتكيف مع عناصر الوسط، فهو يتلون كالحرباء، ويبدل نسيجه على حسب وعي زملائه في الوسط، كما أنه يندمج مباشرة مع أي متغيرات في شاكلة اللعب، فيطلق العنان لكل مؤهلاته الفنية والتكتيكية بفضل براعته العجيبة على التكيف مع مختلف الأدوار التكتيكية ما ظهر منها وما بطن ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى