الأهلي و الزمالك.. كلاسيكو أفريقي بنكهة مصرية!

رؤية فنية كتبها – محمد العولقي

لن نخدع أنفسنا و لا الآخرين من مهتمين و متابعين، كرة القدم الأفريقية في النهاية أهلي و زمالك، مع كامل التقدير والاحترام للترجي التونسي و الرجاء المغربي و مازيمبي الكنغولي و كوتوكو الغاني و كانون ياوندي الكاميروني .. وعندما يلتقي عينا الكرة المصرية (الأهلي و الزمالك) في الليلة الأفريقية الكبيرة باستاد القاهرة الجمعة ، فهما يؤكدان هذه الحقيقة بأدلة دامغة لا تقبل الشك أو التأويل ..

النهائي الأفريقي بين الأهلي و الزمالك ليس فقط مكافأة للكرة المصرية الرائدة على مستوى القارة السمراء، ولا مكافأة للجماهير المصرية التي ترى في كرة الأهلي و الزمالك ماءها و هواءها ووجها الحسن ، ولكن هذا النهائي أو الكلاسيكو الأفريقي كافأ الكرة الجميلة ، والكرة الجميلة في أفريقيا يقدمها أولا الأهلي بمعيار سطوته محليا و هيمنته قاريا، من خلال انتصاراته الكاسحة و بطولاته الساطعة في كبد السماء ، و الزمالك ثانيا الذي استعاد مزاجه الأفريقي بعد طول غياب، رغم فارق البطولات الرهيب و الشاسع بينه وبين الإمبراطور الأهلي ..

وعندما نتحدث عن قمة الأهلي و الزمالك أفريقيا، فنحن نتحدث عن كل شيء ، تطلعات الكرة الأفريقية ، عظمة الكرة المصرية، هوس الملايين بهذه القمة المرتقبة سهرة الجمعة ، جنون الكرة الأفريقية و مجانينها ، هذا لأن الفواصل الكروية في أفريقيا تزول و سيل التشابك يصل إلى زبى مرحلة تحبس الأنفاس ، ففي الواقع الحديث عن قمة الأهلي و الزمالك حديث عن الحياة بكل فنونها و سحرها، حديث ذو شجون عن تجليات كرة القدم ذات الإبداع الخلاق ..

بادئ ذي بدء، أتمنى بكل عواطفي و مشاعري أن يقدم الأهلي و الزمالك مباراة القرن ، فهذا النهائي الذي يحمل نكهة حضارية فرعونية سيكون بلا شك محط أنظار العالم من أقطار و أمصار، و الأمل أن يبتعد الفريقان عن الشحن الزائد و التوتر العصبي السائد و يطلقان العنان للمواهب المصرية التي تدفعنا في البيوت لمشاهدة مباراة مثيرة تجبرنا على ترديد العبارة المصرية الشهيرة (دي مش كورة .. دي مزيكا) ..

و ما يهمني في هذا المقام الرفيع هو سبر أغوار الفريقين ولو على طريقة (الفلاش باك) ، فالأهلي هو الفريق الذي بات على مرمى حجر من تحقيق ثلاثية القرن التاريخية : دوري أبطال أفريقيا و كأس مصر ، بعد أن أنجز المهمة الأولى و فاز بالدوري رقم 42 بلا منافس وبلا مناجز ، بينما يناضل الزمالك و يكافح لمنع الأهلي من صبغ الموسم باللون الأحمر ..
و الأهلي الذي ينطلق بثقة سرعة الصاروخ نحو عوالم كونية أخرى، كلما فاز محليا و أفريقيا كلما أدخل منافسيه في حرج كبير، و كلما توالت انتصاراته الساحقة و الماحقة، كلما تأكد منافسوه أن الانتصار عليه كالعنقاء من سابع المستحيلات أن يتحقق ..

لكن وضع الأهلي أمام منافس يعرفه حق المعرفة مختلف جملة و تفصيلا عن مبارياته السابقة، فلقاءات الأهلي السابقة كوم و لقاءه مع الزمالك كوم آخر ، هذا لأن العامل النفسي يكون أكثر تأثيرا من العوامل الفنية و التكتيكية الأخرى ..
الزمالك يتوعد بسياسة الأرض المحروقة، و سيقاتل لالحاق اكبر قدر من الأذى النفسي بالأهلي ، خصوصا و الزمالك لم يخسر أمام الأهلي في ثلاث مباريات كاملة ، كما يتسلح بفوزه العريض في إياب الدوري بثلاثة أهداف لواحد ..

صورة الأهلي هذا الموسم واضحة و ليست بحاجة إلى طحن طحين كل التفاصيل ، الأهلي بالفعل قفز فوق كل المعادلات ، لا خسارة ، لا أنصاف حلول ، لا نقاش مع أرقامه القياسية ولا هم يحزنون، فقط الأهلي يبتلع الفوز تلو الفوز طوعا و كرها، بخيل جدا مع منافسيه بصورة تفوق طمع (شيلوك) بطل مسرحيات شكسبير ، ومع كل هذه الامتيازات فالوضع مختلف كليا أمام الزمالك لأسباب تتعلق بحساسية لقاءات القطبين و بالعوامل النفسية التي تتأثر بمزاج الشارع المصري ..

نعم الأهلي هذا الموسم دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، و بات بالفعل مع (ميتسو موسيماني) يمتلك فريقا مرعبا لا يمكن لقوة خصومه إلا أن تتناثر أمامه مثل ريش في مهب الريح، لكن هذا التشبع المعنوي أمام الزمالك يجب أن يحدد بوصلة التوازن التكتيكي المطلوب، حتى لا تتحول الثقة من نعمة إلى نقمة ..

في تصوري أن مباراة القرن بين الأهلي و الزمالك مباراة مدربين في المقام الأول ، و على مدرب الأهلي الخبير بالكرة الأفريقية و طقوسها ( ميتسو موسيماني) أن يحاصر مفكرته التكتيكية جيدا حتى لا تفلت منه شعرة واحدة ، عليه أن يدرس أسلوب لعب الزمالك و تعطيل مفاتيح لعبه حتى يعرف من أين تؤكل كتف الزمالك ..؟

أتحدث هنا عن التحايل التكتيكي و توظيف العامل النفسي و الخبث الكروي للاعبين، فقد تكون مباراة الأهلي أمام الزمالك حالة خاصة جدا من النوع الذي يكسب دون أن يلعب، أعني أن بهارات التكتيك النفسي قد تطغى على توابل التكتيك الخططي ..

من المناسب جدا أن يطوق (موسيماني) شاكلته التكتيكية جيدا، و أن يكون واقعيا في تحديد هوية عناصره ، لكن ليس قبل أن يستوعب حقيقية ليست من بنات أفكاري ، حقيقة تقول : مباراة من هذا النوع الخطأ فيها ممنوع و التركيز فيها مطلوب، تعتمد أساسا على عنصر القوة البدنية العالية لأجل التحكم بكل جزئيات المباراة ، من ضغط رهيب على حامل الكرة ، مرورا بالاستخواذ الإيجابي على الكرة ، نهاية بالانتهازية الهجومية، وهذا بالطبع يستند أساسا على التركيز المستوحى من العامل النفسي ..

الضغط العالي ككتلة واحدة هجوما و دفاعا عامل استراتيجي من شأنه حرمان خط وسط الزمالك من اللعب العرضي المباشر ، فالأهلي مع (موسيماني) يمارس نهجا تكتيكيا من خلال تقارب الخطوط وعدم إعطاء مساحة بين الخطوط و خلفها تغرد فيها العصافير ، ولهذا فإن تضييق المساحات على لاعبي خط وسط الزمالك يخرج لاعبيه من الحالة المزاجية و يصيبهم بالشك و الهاجس و الشرود الذهني ، لقد لاحظت أن خط وسط الزمالك يلعب الكرة الناعمة، شريطة أن تتحرر أمام فرجاني ساسي و أشرف بن شرقي و طارق حامد و زيزو المساحات ، و عندما يلعب هذا الخط تحت الضغط المباشر يفقد الزمالك هوية لعبه ..

الزمالك هو الآخر يراهن على صلابة خط دفاعه و على خبرة لاعبيه في توزيع الجهد ، صحيح أن الزمالك قد يفتقد محمود الونش لإصابته بفيروس كورونا ، لكنه يمتلك كتيبة دفاعية منسجمة و قادرة على تحييد خط هجوم الأهلي الزئبقي ..
شيء مهم أن يحصن (موسيماني) فريقه أمام خصم يلعب بأوراق مكشوفة تقريبا من خلال تكتيك جماعي الغرض منه إيجاد الوفرة العددية في أي جزء من الملعب، وهذا بالطبع يحتاج إلى الإصرار و العزيمة و الإرادة وإثبات الذات ..
يقيني أن مدرب الزمالك باتشيكو درس الأهلي جيدا، لكنه ليس كتابا مفتوحا أمام مدرب يجهل سيكولوجيات مباراة الكلاسيكو الأفريقي، وهي ميزة خطيرة تساعد (موسيماني) على الاحتيال تكتيكيا، خصوصا و الأهلي يتمتع باحتياط قوي و فعال و مؤثر يمكن أن يغير من نسق المباراة تكتيكيا و معنويا ..

مباراة من هذا النوع الحاسم تتطلب من (موسيماني) و (باتشيكو) ثعلبية في إدارة المباراة ، و الأهم أن يدخل المباراة وهو يعرف ماذا يريد بالضبط ..؟

لست هنا في وارد الخوض كثيرا في أمور فنية دقيقة للغاية أهل مكة أدرى بها مني، لكن أزعم أنني أتكئ على خبرة في فن التحليل تخول لي قراءة ما بين سطور مفكرة (موسيماني) و (باتشيكو) في الليلة الكبيرة اجتهاديا .. دائما يلجأ المدرب الذكي الذي يمتلك زمام المبادرة إلى تقسيم المباراة إلى مراحل ، يلعب بدهاء تكتيكي ماكر ، يموت اللعب عندما يرى ذلك ضروريا ، و يرفع الإيقاع و النسق الهجومي إلى درجة الغليان في الوقت المناسب ، يخدر خصمه ثم يباغت بشخصية تكتيكية صارمة يصعب فك طلاسمها، لكن هذا الانضباط و التنوع في إدارة المباراة يتطلب لياقة نفسية عالية جدا ، و (موسيماني) بالذات أستاذ في العزف على وتر العامل النفسي ..

نجاح الأهلي في قيادة المباراة و التحكم في رتمها يبدأ من تجسيد صلابة دفاعية تجعل من منطقة الجزاء حقلا كهرومغناطيسيا يبتلع خط هجوم الزمالك السريع و الفعال، ومع حارس كبير مثل محمد الشناوي يستطيع الأهلي خلق ذلك الحقل بالتركيز ..

وإذا كان الو ديانج يمثل رمانة الارتكاز أي المحور الهدام و مخرب بناءات الخصوم في شاكلة الأهلي، فيجب أن يؤدي عمر السولية دور إحياء الهجمة في رمشة عين ، وهذا يعني خط وسط أهلاوي ديناميكي يضرج بين من يحسن التغطية، و بين من يجسد المرتد الخاطف و استغلال مساحة العمق في الزمالك ..

ولأن الأهلي بحاجة إلى العراكية و القوة البدنية، ففي تصوري أن جونيور أجاي نموذج مثالي للاعب رأس الحربة المتحرك الذي يسقط أحيانا للخلف لكي يتيح الفرصة للقادمين من الخلف، من القزاح المائل حسين الشحات أو المخضرم وليد سليمان
إلى محمد مجدي أفشة و السولية عند الزيادة الهجومية ..

في الزمالك يبدو مصطفى محمد مهاجما سريعا و مثاليا في تحركاته ، و عندما يؤدي أشرف بن شرقي مهام الهجوم تصبح الزيادة العددية على الرواقين خطيرة للغاية ..

سيكون بمقدور لاعبي الأهلي الأكثر تمرسا على مثل هذه النوعية من المباريات التحكم بكل الجزئيات بثبات و هدوء و تركيز ، مع ملاحظة في غاية الأهمية، البدلاء يمكنهم صناعة الفارق في الأوقات العصيبة التي يقل فيها تركيز اللاعبين، فالأوراق الرابحة لا تدفع كليا ولكن جزئيا تحسبا لكل حالات الطوارئ ، ونفس الأمر ينطبق على الزمالك الذي يمتلك هو الآخر كروتا فعالة و مؤثرة يمكن أن تغير في الرسم التكتيكي و تمنح الشاكلة الطراوة البدنية عند الحاجة ، والمباراة على الورق تبدو متكافئة يصعب التنبؤ بنتيجتها ، لكننا نتمنى مشاهدة مباراة مثيرة تليق بسمعة الكرة المصرية ، ولا مانع أن يغني الملايين للفائز رائعة (هذه ليلتي) بروح رياضية يتقبل فيها المهزوم أحكام كرة القدم ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى