نيمار ضد برشلونة.. غرام وانتقام

تقرير – أحمد مختار

ماذا حققت يا تشارلي؟ كيف قضيت أوقات تعليمك في إنجلترا؟ بهذه الأسئلة وجه الوالد حديثه لإبنه الشاب بعد عودته من رحلة طويلة إلى البرازيل، بلاده القابعة داخل القارة المعزولة في أميركا اللاتينية، لكن إجابة طالب العلم كانت صادمة ومفاجأة، وبها قدر هائل من اللا توقع، حينما وقف أمام مثله الأعلى دون خوف أو تراجع، ورمى بإجابته مع مزيدا من الفخر والاعتزاز بما يقتنع به، “والدي العزيز، تعلمت ما هو أهم، لقد وقعت في غرام كرة القدم، ومصمم على نقلها إلى البرازيل”، ومن هنا فقط تغيرت خارطة هذه اللعبة، لأنها باتت في حضرة سحرة الكوباكابانا.

لم يتوقع ويليام ميلر هذه الإجابة، المهندس الاسكتلندي الذي ترك المملكة البريطانية وهاجر إلى البرازيل، ليعمل في مجال قطاع السكك الحديدية، ليتزوج كارلوتا، البرازيلية التي أنجبت له تشارلي، الفتي المعروف فيما بعد بأنه الأب الروحي للكرة البرازيلية، لأنه ساهم في نشر أفكار الساحرة المستديرة في كافة ضواحي ومدن البلاد، بعد عودته من إنجلترا، مهد وموطن تلك الرياضة في سنوات قديمة.

حصل البرازيليون على الكرة من الإنجليز، لكنهم أضافوا لها الروح المفقودة، وجعلوها أجمل وأقرب إلى قلوب المشجعين. إنه المنتخب الحاصل على كأس العالم في خمس مناسبات، والفريق الذي قدم للجماهير كوكبة من أبرز نجوم الكرة، حتى صار التغني بسحر السامبا هو الشغل الشاغل لمختلف طوائف المشجعين.

أهدت البرازيل العالم أسماء لا تنسى، أربعة فقط تخطوا مرحلة النجومية وأصبحوا من معالم هذه البلد، إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، “بيليه” الجوهرة السوداء حصل على كؤوس العالم أكثر من مرة، وتمتع بشعبية طاغية مع قربه من دوائر الحكم داخل الاتحاد الدولي لكرة القدم، إنه أسطورة الخبراء أصحاب الياقات الأنيقة، بينما مانويل فرانسيسكو دوس سانتوس، أو غارينشيا الصديق المقرب للبسطاء الذين وجدوا في الكرة ملاذا أخيرا يلجأون إليه عوضا عن الفقر والذل.

غارينشيا ولد فقيرا ومات معدما، بعد أن أمتع الملايين لسنوات طويلة، ولعب كرة القدم بقلبه قبل عقله، ليظل في مخيلة البرازيليين حتى هذا الموسم كما وصفه عاشق البرازيل صديق عبد الهادي في حديثه عن نجوم الكرة هناك، ليأتي برازيليو سامبايو دي سوزا سقراط، الحكيم الذي ترك الطب بمحض إرادته، ليمزج كرة القدم بالسياسة. سقراط لم يكن وحده في الملعب، هناك زيكو وريفيلينو وغيرهم، لكن الدكتور حصل على صيت مضاعف، بسبب جرأته وفلسفته التي أضافت بعد آخر للكرة صاحبة اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

قضى عشاق السامبا سنوات طويلة تجرعوا فيها الهزائم والانكسارات حتى مجيء رونالدو، ظاهرة الرياضة وهدافها القوي. أسر حامل القميص رقم 9 قلوب المشاهدين، وقاد “السيلساو” إلى المجد العالمي في 2002 بمساعدة من ريفالدو ورونالدينيو، إمبراطورية الراء في أقوى صورة لها على الإطلاق، جاء لويس نازاريو دي ليما من بعيدا بعد الإصابة اللعينة، ليحقق اللقب العالمي ويضع نفسه زعيم المهاجمين دون منافس.

نيمار لن يحقق بطولات مثل بيليه، ولا يتمتع بقصة درامية تجعله آسر للقلوب كما فعل غارينشيا، وبكل تأكيد أبعد ما يكون عن سقراط، خصوصا مع حبه للرقص والسهر، لدرجة أن منتديه يصفونه بعدم المسؤولية لما يفعله في بعض المباريات، بالإضافة إلى عدم اكتراثه أثناء الهزيمة كرونالدو، دا سيلفا خلطة مختلفة تماما عن كل سابقيه، إنه الإبن الحقيقي للوقت الراهن، مزيدا من الشهرة كثيرا من الإعلام.

يتمتع قائد البرازيل ونجم باريس سان جيرمان بمهارات بديعة، “اليوتيوب مان” كما أطلق عليه البعض، نتيجة حبه للمراوغة والاستعراض، يلعب نيمار الكرة من أجل المتعة لا أكثر أو أقل، بالطبع متعة ممزوجة بالمال والنفوذ، حيث والده الذي يستغل الرياضة لكسب المال، مع تمتع حامل إسمه بحب الصغار، الفئة المطلوب استهلاكها إعلاميا وإعلانيا.

لم يرض نيمار بدور صديق البطل في برشلونة، ورحل إلى باريس سان جيرمان في صيف 2017، لتجمعه القرعة بمواجهة فريقه السابق في 2021، عندما يلتقي البارسا وسان جيرمان، ضمن الدور ثمن النهائي من دوري أبطال أوروبا، حيث تتضاعف الضغوطات على الجميع من أجل الفوز بالبطولة والصعود على حساب الآخر.

لم يعد نيمار أصغر نجم في العالم، حيث يراهن الكثيرون الآن على مبابي وهالاند وغيرهم، لقيادة حقبة ما بعد “ميسي-رونالدو”، لكن البرازيلي لديه الفرصة لإثبات أنه لا يزال قادراً على أخذ زمام الأفضلية، فهل يفعلها أمام الكتلان في أسوأ فتراتهم؟ أم يكون لكبرياء البلاوغرانا رأياً آخر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى